الأحد، 7 ديسمبر 2014

الملك الصغير و الخيوط أشكال




الصورة : من اليمين ، الملك الصغير فيصل الثاني ، ووالدته الملكة عالية ، وخاله الوصي عبد الإله .

كانت الملكة عالية، والدة فيصل الثاني، قد شاركت في اعمال جمعية حماية الأطفال وساهمت مع النساء الأخريات في أداء أعمالها الخيرية، وعلى الأخص خياطة الثياب التي كانت تجيدها. وفي بعض الأحيان كانت تأتي بالقماش الى بيتها في قصر الزهور وتشتغل لساعات طويلة في تفصيل القماش وخياطته لصغار اليتامى والمعوزين. انصرفت بصورة خاصة الى هذه الفعاليات بعد وفاة زوجها الملك غازي، وكان فيصل الثاني في الرابعة من عمره. ومن شأن الأطفال انهم غالبا ما يفسرون الكلام بمعناه الحرفي. لا يختلف في ذلك ابن الملوك او ابن الصعاليك. وكان جالسا بجانبها وهي تقوم بعملية الخياطة. سألها، ماذا تفعلين؟ قالت أخيط ملابس لليتامى. ظل يحدّق الملك اليتيم فيما تفعل والدته، ثم سمعها تنادي على من يأتيها ببكرة خيوط. سألها «شنو هذا؟» فأجابته (هذا خيط يا حبيبي). تهللت أسارير الملك الطفل. فاقتطع قطعة من الخيط وراح يجري بها. لم تدرك الملكة سرَّ هذا الاهتمام المفاجئ لوليدها بالخيط والخيوط. حمل قطعة الخيط وخرج بها وراح يبحث عن احد الجنود من الحرس الملكي حتى عثر عليه. قال له «خذ، جبت لك خيط» فغص الجندي بالضحك، قبَّل الملك من رأسه وشكره على حسن صنيعته وراح يطوف به بين زملائه من الجنود. يروي لهم هذا المقلب الظريف: قبل عدة ايام، وبينما كان ذلك الجندي البسيط موكلًا بحراسة الملك، داعبه بالحديث ثم قال له: «سوِّي لي معروف. قل لأمك تعطيني خيط»، ما كان يقصده ذلك الجندي هو الترقية. الجندي العادي يكون بدون خيط، او شريط. الجندي الأول يحمل خيطا واحدا، ونائب العريف يحمل خيطين، والعريف ثلاثة خيوط وهكذا. كان ذلك الجندي الشاب جنديا عاديا بدون أي خيط. ولا شك انه كان يحلم بنيل خيط واحد على الأقل يؤهله لتسلم زيادة في راتبه، ربما مئتين او ثلاث مئة فلس في الشهر. كان الملك الطفل قد نسي الموضوع كما يحصل لسائر الأولاد، غير ان مشاهدته لوالدته وهي تستعمل الخيط ذكَّرته به. وكان طفلا بارا كوالديه فحمل الخيط وراح يركض به فرحا مستبشرا الى ذلك الجندي ليحقق له امنيته كما تصور. ولكن الخيوط خيوط. وشتان ما بين خيط وخيط. ودارت الحكاية في القصر وتداولها القوم، يستأنسون بالمقلب الذي وقع فيه ملك العراق. سمعت الملكة بالحكاية فاستغرقت هي الأخرى بالضحك. ولم يذكر ما اذا كان ذلك الجندي قد نال الخيط الذي حلم به. ولكن من يعرف الملكة الأم لا يملك غير ان يتصورها وقد توسطت لدى الآمر بأن يحقق لذلك الجندي بغيته ويرقيه خيطا واحدا الى رتبة جندي اول.


جمع واعداد: خالد عوسي 

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

جسر ونهر الخر (الشْطَيِطْ)

  جسر ونهر الخر (الشْطَيِطْ) . الصورة : ملتقطة من جهة ساحة النسور ، وعلى اليسار (قصر الرحاب) وعلى اليمين (قصر الزهور) الذي لم يظهر . شيد الع...