الثلاثاء، 28 يوليو 2015

وصية الإمام أبي حنيفة لإبنه



صورة نادرة لجامع الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان رحمه الله تعود إلى عام 1909م . 

أدناه وصية الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله إلى تلميذه يوسف بن خالد السمتي البصري .

بعد أن أخذ يوسف بن خالد السمتي العلم عن أبي حنيفة وأراد الرجوع إلى بلدته البصرة أستأذن أبا حنيفة في ذلك، فقال له أبي حنيفة : حتى أزودك بوصية فيما تحتاج إليه من معاشرة الناس، ومراتب أهل العلم وتأديب النفس، وسياسة الرعية، ورياضة الخاصة والعامة، وتفقد أمر العامة، حتى إذا خرجت بعلمك كان معك آلة تصلح له، وتزينه ولا تشينه. واعلم أنك متى أسأت معاشرة الناس صاروا لك أعداء، وإن كانوا لك آباء وأمهات، ومتى أحسنت معاشرة قوم ليسوا لك بأقرباء صاروا لك أمهات وآباء. ثم قال لي: أصبر حتى أفرغ لك نفسي، وأجمع لك همي، وأعرفك من الأمر ما تحمدني في نفسك عليه، وما توفيقي إلا بالله، فلما مضى الميعاد أخلى لي نفسه، فقال: أنا أكشف لك عما تعرضت له: كأني بك، وقد دخلت البصرة ، وأقبلت على من يخالفوننا بها، ورفعت نفسك عليهم، وتطاولت بعلمك لديهم، وانقبضت عن معاشرتهم ومخالطتهم، وخالفتهم وخالفوك، وهجرتهم وهجروك، وشتمتهم وشتموك، وضللتهم وضللوك وبدعوك، واتصل الشين بنا وبك، فاحتجت إلى الإنتقال عنهم، والهرب منهم، وهذا ليس من رأى لأنه ليس بعاقل من لم يدار من ليس له من مداراته بد حتى يجعل الله له مخرجا. إذا دخلت البصرة استقبلك الناس وزاروك، وعرفوا حقك، فأنزل كل رجل منهم منزلته، وأكرم أهل الشرف وعظم أهل العلم، ووقر الشيوخ، ولاطف الأحداث ، وتقرب من العامة ، ودار الفجار، واصحب الأخيار، ولا تتهاون بالسلطان، ولا تحقرن أحدا، ولا تقصرن في إقامة مروءتك، ولا تخرجن سرك إلى أحد، ولا تثقن بصحبة أحد حتى تمتحنه، ولا تصادق خسيسا، ولا وضيعا، ولا تألفن ما ينكر عليك في ظاهرك، وإياك والإنبساط إلى السفهاء ولا تجيبن دعوة ، ولا تقبلن هدية.وعليك بالمداراة ، والصبر والإحتمال، وحسن الخلق، وسعة الصدر، واستجد ثيابك، واستفره دابتك، وأكثر إستعمال الطيب، واجعل لنفسك خلوة ترم بها حوائجك، وابحث عن أخبار حشمك، وتقدم في تأديبهم وتقويمهم، واستعمل في ذلك الرفق، ولا تكثر العتاب فيهون العذل، ولا تل تأديبهم بنفسك، فإنه أبقى لحالك. وحافظ على صلواتك، وابذل طعامك، فإنه ما ساد بخيل قط ،ولتكن لك بطانة تعرفك أخبار الناس، فمتى عرفت بفساد بادرت إلى إصلاحه، ومتى عرفت بصلاح ازددت رغبة وعناية. وزور من يزورك ومن لا يزورك، وأحسن إلى من يحسن اليك أو يسئ، وخذ العفو، وأمر بالمعروف، وتغافل عما لا يعنيك، واترك كل من يؤذيك ، وبادر في إقامة الحقوق ، ومن مرض من إخوانك فعده بنفسك ، وتعاهده برسلك ، ومن غاب منهم إفتقدت أحواله ومن قعد منهم عنك فلا تقعد أنت عنه ، وصل من جفاك ، وأكرم من أتاك ، وأعف عمن أساء اليك ، ومن تكلم فيك بالقبيح فتكلم فيه بالحسن والجميل ، ومن مات منهم قضيت حقه ومن كانت له فرحة هنأته بها ، ومن كانت له مصيبة عزيته عنها ، ومن أصابته جائحة توجعت بها ، ومن استنهضك بأمر من أموره نهضت له ، ومن استغاثك فأغثه ، ومن استنصرك نصرته ، وأظهر توددا إلى الناس ما استطعت وأفش السلام ولو على قوم لئام. ومتى جمع بينك وبين غيرك مجلس ، أو ضمك وإياهم مسجد ، وجرت المسائل وخاضوا فيها بخلاف ما عندك لا تبد لهم منك خلاف. فإن سئلت عنها أخبرت بما يعرفه القوم ، ثم تقول : فيها قول آخر ، وهو كذا وكذا ، والحجة له كذا ، فإن سمعوه منك عرفوا منزلتك ومقدارك ، وأعطى كل من يختلف إليك نوعا من العلم ينظر فيه ، وخذهم بجلي العلم دون دقيقه وأنسهم ومازحهم أحيانا وحادثهم، فإنها تجلب لك المودة وتستديم مواظبة العلم ، وأطعمهم أحيانا وتغافل عن زلاتهم ، وأقضي حوائجهم ، وارفق بهم ، وسامحهم ، ولا تبدي لأحد منهم ضيق صدر ، أو ضجر ، وكن كواحد منهم ، وعامل الناس معاملتك لنفسك ، وارضى منهم ما ترضاه لنفسك ، واستعن على نفسك بالصيانة لها ، والمراقبة لأحوالها ، ودع الشغب ولا تضجر لمن يضجر عليك ، واسمع من يستمع منك ولا تكلف الناس ما لا يكلفونك ، وارضى لهم ما رضوا لأنفسهم ، وقدم اليهم حسن النية ، واستعمل الصدق ، واطرح الكبر جانبا ، وإياك والغدر ، وإن غدرو بك ، وأد الأمانة ، وإن خانوك ، وتمسك بالوفاء ، واعتصم بالتقوى ، وعاشر أهل الأديان حسب معاشرتهم . فإنك إن تمسكت بوصيتي هذه رجوت لك أن تسلم ، ثم قال له : إنه يحزننى مفارقتك ، وتؤنسني معرفتك فواصلني بكتبك ، وعرفني حوائجك، وكن لي كإبن فإني لك كأب . وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم .


جمع واعداد: خالد عوسي الأعظمي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

جسر ونهر الخر (الشْطَيِطْ)

  جسر ونهر الخر (الشْطَيِطْ) . الصورة : ملتقطة من جهة ساحة النسور ، وعلى اليسار (قصر الرحاب) وعلى اليمين (قصر الزهور) الذي لم يظهر . شيد الع...