المقال : (نوري سعيد) و (بيير لافال) . كان نوري السعيد معجب والى حد ما بشخصية سياسية فرنسية ألا وهي شخصية " بيير لافال " . فعندما نقرأ مقولة نوري السعيد , وهي : ( الرجال العاديون يعقدون تحالفات مع أصدقائهم , أما أنا فإني كبير لأحالف أعدائي . ليست الطريقة الفضلى أن يجعل المرء لنفسه شعبية , بل يجب في بعض الأحيان أن يعرف كيف يضحي بشعبيته لخير بلاده ) , إن هذا التصريح يشبه إلى حد بعيد مقولة قالها (بيير لافال) وهو سياسي فرنسي , وهي : ( لا أرغب في أن تكون لي شعبية , فالناس كانوا يصفقون لي فيما مضى , لأني لم أكن أقوم بواجبي ) . فكلا القولين يعبران عن ازدراء مظاهر التهليل والهتاف وعن الاقتناع بأن الحكم الأفضل هو الذي يعاكس التيارات الشعبية ولا يحاول أن يتملق غرائز الجمهور . أن هذا الشبه بين القولين لم يكن وليد الصدفة , وإنما هناك شبه بين نوري السعيد وبيير لافال . ولكن هذا الشبه لا يقتصر على ملامح الوجهين , بل يمتد إلى المناخ الخلقي . فمعرفتهما المتيقظة بمواطن الضعف البشري ورأيهما في رفعة جدارتهما الخاصة , واقتناعهما بأنهما معصومان من الخطأ , ونظرتهما المتشابهة إلى أساليب الحكم أنما تدل بوضوح على ما بينهما من القرابة . لا ريب أن حياة كل من الرجلين تختلف بكل شيء عن حياة الأخر . فنوري السعيد يمتد إلى أسرة ميسورة بينما بيير لافال عكس ذلك يقال انه من أصل وضيع وهذا ما ثبت بعد أن أدين بالخيانة العظمى لفرنسا عام 1945 . إن استمرار نوري السعيد الطويل في ممارسة السلطة رسخ فيه الاقتناع بأنه ولد ليحكم مواطنيه , وبأن جميع رجال السياسة العراقيين , ما عداه , ليسوا إلا هواة على الصعيد السياسي . لكن نذكر هنا , ما كتبه " بول جونسن " وهو سياسي انكليزي , قال : ( ليس في نوري السعيد ضعف ولا أوهام , اللهم إلا إذا اعتبرنا ضعفاً ، كلفه الشديد بالسلطة , فرجال السياسة العراقيون يبغضونه ويحسدونه , ولكنه يملأ نفوسهم خوفاً يكاد يكون خرافياً لا مجال فيه للمنطق والإدراك , إنهم يتذمرون منه في مجالسهم الخاصة , كلما عطل صحفهم أو حلّ أحزابهم , ولكنهم لا يحاولون مطلقاً القيام بعمل ضده , هو بخلاف أكثر العرب , لا يكذب أبداً على نفسه) . وصف نوري السعيد بأنه رجل الغرب في العالم العربي ، ولكن كانت لديه من المواقف القومية ما يعد في حسابات اليوم منتهى الراديكالية ، وكان مقتنعا بأن لابد للعراق أن يعتمد على دولة كبرى ليردع أعداءه . إن المقارنة بين نوري السعيد وبيير لافال , لاريب في أن شخصية نوري السعيد هي أقل غنى من شخصية لافال بالعوامل التي تحرك العواطف وتحدث تأثيراً عميقاً في النفس وحتى بالشعور الإنساني , فـ(نوري السعيد) ليس خطيباً , وهو بهذا يختلف اختلافاً عميقاً عن لافال . ولكن السعيد يشبه لافال من حيث أنه يكره أصحاب الآراء العقائدية مهما كان المذهب الذي ينتمون إليه , ويعمل بفطنة واقعية , ويحب معالجة الشؤون العامة . وقد توفي نوري السعيد في 15 تموز عام 1958. ولم يزل شخصية سياسية كَثُر الجدل و الآراء المتضاربة عنه .
تاليف / جاسم محمد دايش
جمع واعداد / خالد عوسي الاعظمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق