الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

بحر الظلمات



المحيط الاطلسي كان معروفا منذ القدم , عرفه الفينيقيين و الرومان و خاضوا في عبابه , و كان يعتقد في ذلك الزمان بأنه بحر لا متناهي و دارت حوله الكثير من الخرافات و الاساطير , و قد اسماه العرب ببحر الظلمات , و في سبب هذه التسمية , يقول ابن خلدون : "ويسمى بحر الظلمات لما أنه تقل الأضواء من الأشعة المنعكسة على سطح الأرض من الشمس لبعده عن الأرض فيكون مظلماً ... وهو بحر كبير غير منحصر لا تبعد فيه السفن عن مرأى العين من السواحل للجهل بسمو الرياح هنالك ولنهايتها إذ لا غاية من العمران وراءه ... وهذا مفقود في البحر الكبير لأنه منحصر ومنبعث الريح وإن كان معروفاً فيه فغايته غير معروفة لفقدان العمران وراءه فتضل السفن إذا جرت به وتذهب فتهلك. " و طبقا لما كتبه ابن خلدون , فأن السفن كانت تتحاشى التوغل داخل المحيط و كانت تبحر بمحاذاة الساحل لجهلها بمسالكه و لأعتقاد الناس آنذاك بأن لا شيء خلفه و انه نهاية العالم , و تدل بعض الكتب و الوثائق التاريخية على ان العرب كانوا على معرفة بالمحيط و لعل خارطة العالم العربي الشهير (ابو عبد الله محمد الادريسي) هي خير دليل على ذلك , فقد قام الادريسي برسم خارطته الشهيرة عام 1154 على كرة من الفضة عندما كان يعمل مستشارا في بلاط ملك صقلية جورج الثاني , في شكل هو اشبه ما يكون بمجسمات الكرة الارضية العصرية الموجودة في المدارس , و في خارطته تلك يظهر الادريسي جزء من القسم الشمالي للمحيط الاطلسي حيث تظهر جليا انكلترا و اسكتلندا و ايرلندا و جزر اخرى متناثرة حولهما , و في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) هناك فقرات اثارت اهتمام الباحثين حول مدى معرفة العرب بمجاهل المحيط الاطلسي او بحر الظلمات كما كانوا يسموه , حيث كتب الادريسي عن بعثة بحرية عربية ابحرت داخل الاطلسي و وصلت الى جزيرة سكانها بشرتهم حمراء و اجسادهم لا ينبت عليها الشعر (صفة الهنود الحمر). و في كتاب اخر يدعى (صفة جزيرة الاندلس) لأبو عبد الله محمد الحميري يذكر الفقرة التالية : "و من مدينة الأشبونة (لشبونة الاسبانية) كان خروج المغرورين في ركوب بحر الظلمات ليعرفوا ما فيه و الى اين انتهاؤه , و لهم بأشبونة موضع بقرب الحمة منسوب اليهم يعرف بدرب المغرورين , و ذلك ان ثمانية رجال , كلهم ابناء عم , اجتمعوا فأبتغوا مركبا و ادخلوا فيه من الماء و الزاد ما يكفيهم لأشهر , ثم دخلوا البحر في اول طاروس الريح الشرقية , فجروا بها نحوا من احدى عشر يوما , فوصلوا الى بحر غليظ الموج , كدر الروائح , كثير التروش , قليل الضوء , فأيقنوا بالتلف , فردوا قلعهم في اليد الاخرى و جروا في البحر في ناحية اثنا عشر يوما , فخرجوا". و هذه الفقرة , على الرغم من انها توثق لمحاولة اكتشاف فاشلة , الا انها دليل قاطع على محاولات العرب لأكتشاف المحيط الاطلسي و ربما يكون ما ذكره المؤرخ المسعودي (871) في كتابه مروج الذهب هو اشهر ما كتب في هذا الصدد , حيث يورد بعض الاشارات المقتضبة عن بعض المغامرين المسلمين ممن تحدوا اسطورة المحيط و ابحروا بسفنهم في مياهه لأكتشاف اغواره و اسراره , و يبدو ان بعضهم قد نجا من الضياع و الغرق في امواج المحيط الشاسع و عاد ليروي للناس قصصا عن اراض نائية تزخر بالثروات , و احد هؤلاء الذين ذكرهم المسعودي بالاسم هو خشخاش بن سعيد بن اسود من مدينة قرطبة , حيث ابحر في المحيط مع بعض الشباب المغامر و عاد بعد فترة من الزمن محملا بالذهب و الكنوز , أي كما حصل بالضبط مع الاسبان بعد حوالي ستمائة عام , و هو الامر الذي حدا بالبعض من المؤرخين الى الاعتقاد بأن كولمبوس استعان ببعض الخرائط العربية القديمة لعبور المحيط الاطلسي و الوصول الى امريكا , فقبل ابحار كولمبوس بنحو بسبعة اشهر , أي في 2 كانون الثاني / يناير عام 1492 , سقطت غرناطة اخر المدن العربية الاسلامية في الاندلس و سقطت بأيدي الاسبان معها الكثير من المخطوطات و الكتب العربية التي احتوت على مواضيع في مختلف مجالات العلوم.


جمع وأعداد : خالد عوسي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...