الجمعة، 1 نوفمبر 2013

الأعظمية .. فاتنة بغداد وشمس من شموسها الوضّاءة




صورة نادرة لجامع الامام أبي حنيفة النعمان رحمه الله يرجع تاريخها الى نهاية القرن التاسع عشر


الشيوخ والحارة والنصة والسفينة والشماسية .. مناطق معروفة تشكل مجتمعة عماد الأعظمية الرئيسة، تلك المدينة التي تعشق تاريخها ذلك التاريخ اللامع الذي صنعته بنفسها، والذي تشكلت منه وتكونت شخوصا وأمكنة وأحداثاً، حتى صار اسمها يرن، وماضيها يشع، بدأت الأعظمية تتكون منذ أيام العباسيين اسواقا ومحالا متناثرة, وصولاً لعصر العثمانيين، حيث شاد اعمارها السلطان سليمان القانوني والسلطان مراد الرابع.. من دلالاتها اليوم مرقد الإمام ابي حنيفة النعمان والمقبرة الملكية وحدائقها وكورنيشها ونواديها الرياضية فضلا على مقاهيها وأسواقها العامرة وجسورها التي تربط الرصافة بالكرخ، ويقال ان رصافة بغداد قديما ضمت قرية سميت بسوق الثلاثاء . وبعد إعمار بغداد في زمن العباسيين بدا جانب الرصافة بالتوسع، وصارت فيما بعد تسمى محلة أبي حنيفة وكانت تجاورها محلة تسمى "سوق يحيى" وهي محلة السفينة حاليا كما نشأت محلتا الخضيرية والشماسية عند اطرافها.. وسوق يحيى كان قرب مرقد أبي حنيفة، فيما كانت الدكاكين هناك عالية وتضم الدقاقين والخبازين والحلاقين وعلى امتداد الطريق الصاعد شمالا من سوق يحيى يقع سوق خالد وهو الآخر لا يبعد عن مرقد أبي حنيفة وعلى مقربه منه سوق الى جانب أسواق أخرى ومنها باب الطاق وسوق العطش وغيرها.
( ذكريات يفوح منها عبق التاريخ ) .
في داخل أزقة الأعظمية القديمة كان لنا لقاء مع صاحب إحدى المقاهي وهو الحاج قاسم الأعظمي حيث قال:-
ـ من محلات الاعظمية القديمة كما جاء في سيرة المنطقة وتاريخها محلة الرصافة وباب الطاق ومحلة الدور ومحلة الإمام ابي حنيفة ومحلة سوق يحيى “السفينة والخضيرية"، وتعد هذه المحلات مركزاً او هي الاعظمية حاليا تليها محلة الشماسية وهي شارع الضباط والصليخ والكريعات والدهاليك وسبع ابكار، حيث كانت فيها مساكن المسيحيين ثم محلة المخرم وتضم محلة نجيب باشا والكسرة والعيواضية، ويستذكر المحلة من خلال قراءته لتأريخ المحلة، ويضيف الأعظمي: لقد اقيم سور يدعى سور المستعين في نهاية الألفية الأولى، وهو سور منطقة الاعظمية الذي ضم المحلات الثلاث أعلاه وهدم في القرن الرابع الهجري، أما بعد سقوط بغداد 656 هجرية ـ 1258 م ضرب الجانب الشرقي من الشماسية الى المخرم وخرب السور واقترنت تلك الفترة بالأوبئة والفيضانات والطاعون وسوء الأحوال واضطراب الأمن
( الاعظمية وحكاية الأيام والأقوام ) .
أما خالد العنبكي استاذ التاريخ بجامعة بغداد فيشير الى تلك الحقبة الزمنية ويقول:
ـ جاء العثمانيون الى بغداد ولكنهم لم يعيروا إهتمامهم بالاعظمية ولا بمحلاتها سوى إهتمامهم ولفترات متقطعة بمشهد الإمام ومدرسته التي بنيت عام 459 هـ ـــ 1066م من قبل الملك محمد بن منصور الخوارزمي، الذي جدد البناء عدة مرات، وشهد الجامع إصلاحات في زمن السلطان سليمان القانوني والسلطان مراد الرابع، حيث جاء الى الاعظمية بعض من قبيلة العبيد وهم على الغالب من البو علي والبو حسن.. وعند دخول الانكليز بغداد عام 1917 كان نفوس الاعظمية المركز(2500) نسمة وفي (محلاتها الرئيسة وهي الشيوخ والنصه والحارة والسفينة) عدا الإطراف وكانت الاعظمية إداريا ناحية في العهد الملكي، وقد بدأ التوسع في المركز عام 1930 م ، فمن جهة السفينة انشئت محلة هيبة خاتون، ومن جهة النصة حيث محلة راغبة خاتون وافتتح شارع عشرين عام 1931 م وبدا العمران يتوسع تدريجيا.. أما في العهد الجمهوري أصبحت الاعظمية " قضاء" وتضاعف عدد سكانها ليكون عام 1947 أكثر من 58 ألف نسمة وفي عام 1977 أكثر من 150 ألف نسمة، أما اليوم فان عدد سكانها يبلغ أكثر من 300 ألف نسمة.
( جسور تربط الإلفة بالمحبة ) .
المربية الفاضلة المتقاعدة سعاد كمال والتي ترعرعت في منطقة الأعظمية حسب قولها فتقول:-
ـ امتدت مساحة الاعظمية حوالي (30 كم) مربعا، ماعدا نواحي الراشدية والشعب والفحامة والزهور التابعة لها إداريا، وكان لموقعها الجميل وحقولها العامرة بالنخيل والبساتين سمة سياحية لا غنى لاهالي بغداد عنها منذ عقود اذ كان يربطها بالجانب الأيمن من دجلة جسر “خشبي” ثابت معقود على قوارب من حديد دوب يقع في محلة السفينة وكان الجسر قبل ذلك في محلة الشيوخ وقد نقل هذا الجسر الى قضاء النعمانية عام 1957 م، بعد ان استبدل به جسر ثابت هو جسر الأئمة حالياً، وكان الجسر يقطع ويفتح يوميا كي تتمكن السفن من العبور، والناس كانوا يعتادون العبور بالقوارب، كما ويوجد اليوم في الاعظمية إضافة الى جسر الأئمة جسر14 رمضان الذي يربط الاعظمية بالكرخ، هذا إضافة الى جسر الصرافية الذي يربط العيواضية بالعطيفية .
(المرقد الشريف داراً للعلوم الدينية ) .
الحاج عبد الرحمن المتولي السابق للجامع يقول:-
ـ الإمام ابو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (رض) هو احد الأئمة الذين ذاع صيتهم عبر التاريخ والذي كرس حياته لخدمة الدين ونصرة اهل البيت وكان علمه ومايزال منبعا لطالبي علوم الفقه والشريعة وهو احد ائمة المذاهب الإسلامية الرئيسة، توفي ببغداد عام 150 هجرية وفي زمن ابي جعفر المنصور ودفن في جهة شمال بغداد في مكان دعي بعد حين بـ"مقبرة الخيزران" وبعد ذلك بني جامع قرب قبره الشريف عام 375 هجرية كما بنيت عنده مدرسة كبيرة ومشهد وقبة على القبر عام 459 هجرة وسميت الدور الواقعة في جوار المشهد باسم محلة الامام ابي حنيفة، وكان التدريس في المدرسة قاصرا على العلوم الدينية فقط .
وعن الساعة التي تعتلي منارة جامع أبي حنيفة النعمان أضاف:-
ـ لقد أهديت ساعة الحضرة الكيلانية ذات الوجهين عام 1919الى جامع الإمام الأعظم لتصليحها ونصبها فيه غير ان الساعة كانت قديمة وقد تلف الكثير من أجزائها اثناء نقلها وقد حاولت الأوقاف حينها تصليحها، الا ان المحاولات باءت بالفشل مما اضطرها للإعلان عنها في الصحف (في شباط 1921) وتطلب بذلك من المتعهدين وذوي الاختصاص في تصليح الساعات مراجعتها، فلم يستجب أحد للطلب و(في اذار 1921) تقدم الحاج عبد الرزاق الاعظمي للتعهد بتصليحها وبعد ان فحصها وجدها غير صالحة فاقترح على الأوقاف قيامه بصنع ساعة جديدة شبيهه بالقديمة، وتعهد بإنشاء ساعة جديدة وقد وافقت الاوقاف على الطلب وبقيت الساعة تعمل حتى عام 2003 وقد قام ديوان الوقف السني وعدد من الشركات بإعادة ترميم البرج فيما قام أولاد عبد الرزاق محسوب وعلى مدى اشهر بإعادة وترميم وتشغيل ماكنة الساعة وتصليح أجزائها المتضررة وتم نصبها من جديد عام ( 2005) . مقالة من تأليف: صلاح أمين زنكنة .

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...