المقال : لا تَهشّوا الذباب .
الصورة : ( نوري سعيد ) لا يَهش ( الذبابة ) التي فوق حاجبه .
روى لنا الكاتب (سعد محسن خليل) بأن الباشا نوري سعيد ، رئيس وزراء العراق ، كان في جلسة جمعته مع وزرائه و نوّابه ، يتكلم لهم عن حالات الفساد التي شمَّ رائحتها في بعض مفاصل الحكومة ، و عن المسؤولين عنها ، حيث ذكر لهم حكاية قديمة طريفة ، سمعها من والده ، و مفادها . خرج والدي ذات يوم من الجامع ، بعد أن أدى (صلاة الظهر) فوجد رجلاً مسكيناً شحاذاً ، و على عيناه أسراب راكدة من الذباب ، تَمُصُّ بالتَقَيُّح الموجود على جفْنَيْهْ ، تألَّم والدي من منظر ذلك الرجل المسكين ، فتقدم منه و هشَّ بيده لإزاحة الذباب "الموكِّر" على عيناه ، و بعد أن طار الذباب ، صرخ الشحاذ بوجه والدي معترضاً على ذلك ، حيث قال لوالدي " الله لا يعطيك العافية ، لماذا أزحت الذباب عن عيوني" ؟! . إستغرب والدي من ذلك ، و أجابه " أنا خلَّصْتك من الذباب الذي يأكل عينيك و يلوثها و يخربها ." فأجاب المسكين الشحاذ قائلا " إن الذباب القديم الذي طار عن عيني كان قد شبع من مصِّ القيح في عيوني ، و أصبح ضرره و تأثيره محدوداً لا يؤذيني ، و لكن الآن سيأتي ذباب جديد و يقوم من البداية بعملية مَصْ جديدة ، ستكون قوية و ستؤذيني و تؤلمني" . قرأ الباشا هذه الحكاية ، و تأمَّلها ، و أدرك حكمتها و مقاصدها ، و على ضوئها وصف الباشا الوزراء و المسؤولين الفاسدين بالذباب ، الذي كان يعشِّشْ على عيون الرجل الشحّاذ "بطل حكايتنا" . و أشار الى مكافحته و التصدي له ، و إلا فأن الفاسد الجديد سيكون أكثر ضرراً من الفاسد القديم الذي شبع من فساده ، و تتحمل الحكومة مسؤولية عدم كشف و تخليص الناس من ضرره و شره ( إ . هـ ) . [ كانت للباشا فلسفة في حكم العراق ، و أهل العراق . و قد سُئِل يوماً عن الطريقة المثلى في حكم العراق فقال :- " يجب أن تُشعرهم بقوتك ، فهم لايحترمون الضعيف ، و لو كان حكيماً ، ثم تعمل مخلصاً للتعرف على مطالبهم الحقة ، فتبادر الى تحقيق النافع منها ".
. ( خالد عوسي الأعظمي ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق