المقال : (حي بن يقظان) أول قصة و أول (طرزان) .
الصورة : (طرزان العراق / أحمد بداوي السامرائي - 1899م ) المشهور تركياً (طرزان مانيسا) .
"الفيلسوف الذي علم نفسه" كان عنوان كتاب نشر في أوروبا عام 1671م ، وأثار اهتماماً واسعاً بين العلماء وأهل الفكر؛ فقد كان الكتاب ترجمة لاتينية أعدها (إدوارد بوكوك) الإبن للكتاب العربي المسمى "حي بن يقظان " وهو رواية فلسفية ألفها في القرن 12م ، الفيلسوف الأندلسي المسلم "ابن طفيل"، واعتمد فيها على قصة قصيرة كتبها قبله "ابن سينا" وتعتبر قصة «حي بن يقظان» أول قصة في التاريخ العربي بالمعنى الحرفي للقصة سبقها قبل ذلك كتابان يعتبران محاولة للقص ، هما "رسالة التوابع والزوابع" لابن شهيد الأندلسي و"رسالة الغفران" لأبي العلاء المعرّي ، ولكن تتميز عنهما قصة حي بن يقظان بأنها أكثر صلابة وقوة من ناحية الحبكة القصصية وعمق الأهداف، حيث تحكي القصة عن "حي" الذي دفعته الظروف إلى أن ينشأ وحيداً في جزيرة خالية من البشر، فقامت بعض الحيوانات البرية بتربيته والإعتناء به ، واستطاع "حي " بقدراته الفكرية والذهنية وحدها أن يضع لنفسه تصورا واضحاً عن العالم و خالقه . أحدثت فكرة أن العقل وحده - بدون معرفة قبلية - يمكن أن يقود إلى التنوير والحق ضجة فورية كبيرة في أوساط كثير من المفكرين في الغرب وصاروا يتهافتون على الكتاب و عملوا على ترجمته بلغات مختلفة. وقد كان لهذا الكتاب أثر كبير لدى (جون لوك) الذي يعتبر من أهم الفلاسفة الإنجليز فكتب كتاباً يصف فيه العقل كصفحة بيضاء خالية من كل القواعد والمعوقات الموروثة . كما نشرت دورية "المراسلات الفلسفية للجمعية الملكية" مراجعة ممتازة تمتدح كتاب حي بن يقظان المترجم، كما كانت تلك القصة هي الأساس لعديد من روائع الفكر والأدب العالمي مثل كتاب «عقيدة القس من جبل السافوا» للفيلسوف الفرنسي (جان جاك روسو) وكذلك نجد المشتركات واضحة بينها وبين رواية «روبنسون كروزو» للبريطاني (دانييل ديفو) وقصة (ماوكلي فتى الأدغال) وشخصية (طرزان إنسان الغابة) التي تتناول كلها سلوك الإنسان عندما تجبره الظروف على العيش في بيئة خالية من البشر . هذا ما حصل للجندي العراقي (أحمد بداوي) الذي اقتيد بالقوة من قبل الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى ، حيث تلقى واحد من أعلى أوسمة الشجاعة ، ليصبح أحد الجنود المميزين بالجيش . لم يطق بداوي الشهرة ولم يحبها في البداية ، لذلك أختفى بعد ذلك بوقت قصير في غابات مانيسا التركية ، حيث عاش بجوار الطبيعة ، وتجول عاريًا مجردًا من ملابسه ، وعندما تم العثور على بداوي بعد عدة سنوات ، انتشرت أخباره في الصحف العالمية ، و زاره الممثل الأمريكي الشهير (جوني فايسمولر) حيث ألهمته قصة بداوي الى القيام بدور طرزان في فيلم “الرجل القرد” عام 1932م ، هذه المرة أستهل “طرزان مانيسا” شهرته الجديدة ليصبح أحد النشطاء السياسيين الكبار في سياسات الوعي البيئي ، وإتباع أسلوب حياة نباتي نظيف ، فقد إشتهر في عموم تركيا ، بكونه الرجل الذي زرع بمفرده آلاف الأشجار في المقاطعة ، أحبه أهل مانيسا ، فهناك العديد من التماثيل التي بُنيت له على يد السكان المحليين في مانيسا، وهناك أيضًا اثنين من الأفلام ومسلسل حول حياته ، تعرض بإستمرار على التلفزيون التركي . تقيم له مقاطعة مانيسا إحتفالات و مهرجانات سنوية في ذكرى وفاته الموافق 31 مايو من كل عام .
. ( خالد عوسي الأعظمي ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق