الخميس، 13 فبراير 2014

كيف اختير الشريف شرف وصيا بدلا من عبد الاله

                                           
في ليلة الأول من نيسان 1941، تحركت بعض قطاعات الجيش العراقي بأمر من العـقداء الأربعة ( صلاح الدين الصباغ ،فهمي سعيد ،محمود سلمان ،كامل شبيب)، وسيطرت على عدد من مواقع الدولة المهمة في بغداد، ( مبنى وزارة الدفاع، ودائرة البرق والبريد ،وغيرها)، وقبل ان يتم حصار القصر الملكي (الرحاب )، هرب الأمير عبد الإله بن علي، الوصي على عرش العراق، وخال الملك فيصل الثاني مع مرافقه عبيد عبد الله المضايفي، باتجاه السفارة الأمريكية، ومنها نقلته سيارة السفير متخفياً الى الحبانية فالبصرة، ولجأ إلى بارجة تابعة للقوات البريطانية في الخليج ومنها نقل إلى الأردن تحت رعاية عمه الملك عبد الله . واجبر القائمون على الحركة رئيس الوزراء طه الهاشمي على تقديم استقالة وزارته، وبعد هروب الوصي واستقالة الهاشمي، قام العقداء الأربعة مع رشيد عالي الكيلاني بتشكيل حكومة الدفاع الوطني في الثالث من نيسان والتي ترأسها الكيلاني ،وأعضائها هم العقداء الأربعة ،إضافة إلى وكيل رئيس أركان الجيش ،وضمت أيضاً، يونس السبعاوي وعلي الشيخ محمود علي كمستشارين ومعاونين للكيلاني ،(تولى يونس السبعاوي فيما بعد وزارة الاقتصاد في وزارة الكيلاني الرابعة ،وتولى علي محمود الشيخ علي وزارة العدلية )، وكان الهدف من تشكيلها سد الفراغ الحاصل في السلطة مؤقتاً، بعد هروب الوصي عبد الإله ،واستقالة حكومة الهاشمي، وانتهت مهمتها مع تشكيل رشيد عالي الكيلاني وزارته الرابعة في الثاني عشر نيسان. وبعد تشكيل حكومة الدفاع الوطني كانت الحاجة ملحة لانتخاب وصي جديد على العرش بدلا من الوصي الهارب عبد الإله، من اجل جعل حكومة الكيلاني المراد تشكيلها كاملة الشرعية .
انتخاب الوصي الجديد:- في هذا الوقت كان البعض يردد فكرة إقامة النظام الجمهوري، وإلغاء النظام الملكي، وابرز المنادين بهذه الفكرة ناجي شوكت ( أصبح وزيرا للداخلية في حكومة الكيلاني )، ولكن هذه الفكرة لم تلق مساندة بسبب إن الجميع كان مستاء من شخصية عبد الإله وعلاقته مع الانكليز وليس من النظام الملكي، إضافة إلى أن الشعب العراقي في تلك الفترة ما يزال محبا للعائلة المالكة، ولم يمضي كثيرا على رحيل الملك غازي (ت 1939) الذي أحبه الشعب، لمواقفه المناهضة للانكليز وبساطته، وقربه من الناس، والكثير من الذين عاصروا تلك الفترة يتذكرون الجنازة المهيبة للملك غازي، وهتاف المشيعين فيها من أهل بغـداد أهزوجتهم الشهيرة :-
" الله اكبر يــــــــــــــــا عــرب
غازي أنفگــــــــــــــــد من داره
واهتزت أركــــان السمــــــــــا
من صدمته السيـــــــــــــــــارة " .
وأدرك رجال حركة مايس هذا الشيء حين انهوا بيانهم الأول، الذي شرحوا فيه أسباب حركتهم، بإعلانهم الولاء للملك الصغير فيصل الثاني. في البداية تم الاتفاق على اختيار وصي جديد، وفي نفس الوقت تعديل قانون الوصاية وتأسيس مجلس للوصاية يتكون من ثلاثة أشخاص، حتى لا يتكرر ما حدث مع الوصي عبد الإله من تفرده بالسلطة، ولكن لضيق الوقت تم الأفاق على انتخاب وصي جديد ومن ثم تعديل للدستور لتشريع مجلس الوصاية، وأول اسم طرح لتولي المنصب كان السيد محمد الصدر لمكانته الدينية والعلمية واحترام الجميع له، ولكن العقداء الأربعة رفضوا هذا الترشيح.!؟ فكان الرأي ان يتولى الأمير زيد اصغر أبناء الشريف حسين، وعم الملك غازي الوصاية، ولكن زواجه من امرأة أجنبية ( كان الأمير زيد متزوج من الأميرة التركية فخر النساء )، وسفره المتكرر خارج العراق حال دون تسلمه الوصاية ، فاتجهت الأنظار أخيراً إلى الشريف شرف بن الأمير راجح، الذي ينتهي نسبه الشريف عون احد أشراف مكة ،وهو شيخ محترم وله ماضٍ معروف ، وهو من سلالة العائلة الهاشمية الحجازية، المالكة في العراق ويلتقي في النسب مع الملك فيصل الأول، ويسكن في بغداد مع عائلته، وعند موافقة الجميع على هذا الترشيح عقد مجلس الأمة (النواب والأعيان) جلسته في العاشر من نيسان 1941، برئاسة السيد علوان الياسري لغياب رئيس مجلس الأعيان وكذلك النواب، وكان اغلب النواب والأعيان حاضرين، ابتدأ الجلسة رشيد عالي الكيلاني، بكلمة أعلن فيها عن ترشيح الشريف شرف بن الأمير راجح، وصياً على عرش العراق بدلا من الوصي السابق عبد الإله بن علي الذي لم يوفق بعمله كوصي وهروبه إلى البصرة وإذاعته بيانات ضد الثورة من على بارجة بريطانية في الخليج، يتوعد فيها القائمين على الثورة، ولم يكن رشيد عالي الكيلاني قد شكل حكومته بعد ،وتحدث بصفته رئيس حكومة الدفاع الوطني المؤقتة . وأعقب الكيلاني، ناجي السويدي بكلمة حماسية، تحدث فيها عن أسباب قيام حكومة الدفاع الوطني ،وقانونية تنصيب الشريف شرف وصيا بدلا من عبد الإله ،وشبه ما يحصل في العراق من تغير، بالثورة الفرنسية، والسويدي عرف عنه تضلعه بالأمور القانونية والدستورية وكان يلقب ( فقيه الدستور )، (كان السويدي قد تولى وزارة المالية في الحكومة الكيلاني)، وبعد انتهاء السويدي من كلمته عم التصفيق المجلس، ووافق الجميع على قبول الوصي الجديد الذي لم يستمر في عمله سوى أسابيع قليلة، بسبب فشل حركة مايس، ولجوء قادتها إلى تركيا وإيران، وبعد دخول الانكليز بغـداد في التاسع والعشرين من مايس 1941 ،بعد معارك غير متكافئة استبسل فيها الجيش العراقي، عاد في الأول من حزيران 1941 الوصي الهارب عبد الإله إلى بغـداد وأقيم له استقبال حافل في مطار بغـداد (المثنى حاليا)، واستعاد منصبه الذي فقده لشهرين، وحوكم الشريف شرف بتهمة الخيانة، من قبل المجلس العرفي العسكري الذي شكل لمحاكمة المشتركين في الحركة من العسكريين والمدنين ، وصدر عليه حكم السجن لثلاث سنوات، قضاها في سجن أبي غريب، مع معظم رجال الحركة الذين قضوا إحكامهم في هذا السجن، وبعد خروجه من السجن، غادر العراق إلى الأردن ،حيث التحق بعائلته هناك، حيث غادرت عائلته بغـداد بعد فشل الحركة إلى تركيا، ومنها انتقلت إلى الأردن تحت رعاية ملكها عبد الله بن الحسين، الذي كان في الوقت نفسه عميد العائلة الهاشمية الحجازية أيضاً.
تاليف أحمد عبد السلام حطاب
جمع واعداد خالد عوسي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...