الأحد، 23 فبراير 2014

  أصل العنبة والصمون التي تفردت بها مدينة بغداد في أيام زمان .


من الاكلات الشعبية التي كانت شائعة في ايام الخير في بغداد بين الاطفال وصغار الاولاد اكلة العنبة و صمون او الصمون و العنبة. كنا نخرج من المدرسة و نحن احر من الجمر تحرقا اليها. لا نخرج من الباب الا و نرى بائع العنبة و صمون و معه ذلك البرميل الخشبي الصغير المليء بالعنبة الصفراء و سلة صغيرة مليئة بالصمونات الصغار. و معه سكينة صغيرة يشق بها الصمونة و ملعقة اصغر منها يدير بها شيئا من العنبة داخل الصمونة. " عمي الله يخليك شوية چمالة." يجيبنا الرجل فيضيف قطعة صغيرة اخرى من العنبة اذا كان كريما ، او ينهر بنا اذا كان بخيلا : " لا ابني لا. هذا كافي. هي كلها فلسين. تريد اطلعني كسر." اكلة العنبة وصمون من الاكلات الشعبية التي تفردت بها مدينة بغداد. العنبة موجودة في مصر و يزرعونها هناك، و لكنهم يأكلونها كفاكهة حلوة و طرية. لم يعرف احد غير اهل بغداد اكل العنبة المخللة و المطيبة بالملح والفلفل والكاري المركز. وهي اكلة لم يعرفها اجدادنا العرب في العهد العباسي او العثماني. طالما تساءلت ، من الذي جاءنا بها ؟ و كيف تعلمنا عليها ؟ اكتشفت ان من جاء بها الى العراق كان التجار اليهود العراقيون الذين هاجروا الى الهند و استقروا في بومبي. عملوا على استيراد التمور و الخيول العربية من العراق و توريد التوابل الهندية الى الشورجة. و كانوا في الهند قد تعلموا على اكل العنبة المخللة بالكاري. صدروا عدة براميل منها الى سوق حنون في بغداد فذاقها ابناء الطائفة الموسوية و استلذوا بها و شاعت بينهم. و منهم انتقل استعمالها الى بقية سكان بغداد من مسلمين و نصارى. ارتبطت بصورة خاصة بأكل السمك المسقوف و الكبة البرغل، حتى لم يعد من الممكن ان نتصور سمكة مسقوف في شارع ابي نوآس بدون عنبة و طماطا. ومما يذكر ان اليهود العراقيين الذين هاجروا الى اسرائيل اخذوا معهم اكلة العنبة واشاعوها هناك. 
قالوا انه عندما اطلق صدام حسين صاروخا على اسرائيل سقط الصاروخ على حي اليهود العراقيين لأنه اشتم رائحة العنبة فيه فتوجه اليها. 
عراقيون بصورة عامة لايحبون الكاري والفلفل الحار، ولكنهم يهيمون بأكل العنبة حتى تعلق بها الصغار واولاد المدارس وراح الكسبة والباعة المتجولون يدورون بها في الازقة والاسواق الشعبية وحول ملاعب الكرة و رياض الاطفال تسمعهم ينادون بها: بفلسين، بفلسين، صمونة و عنبة بفلسين! ايام خير يا عمي . كثيرا ما كانوا يضيفون اليها شرائح من الطماطا ايضا ليخففوا من حدة الكاري و الفلفل. و بالطبع ، شرائح الطماطا المزروعة في العراق ارخص من شرائح العنبة المستوردة من الهند. غير ان بعضهم اخذوا يزورون و يغشون الاولاد بأن يستبدلوا شرائح العنبة بشرائح البطاطا المسلوقة. وهكذا شاع بين الناس: اذا كنت تريد عنبة مضبوطة فروح اشتريها من اليهود في سوق حنون. و كما اخذ اليهود العراقيون اكلة العنبة الى اسرائيل ، اخذنا نحن، ابناء العراق المغتربون اكل العنبة الى لندن و باريس. اصبح من المألوف ان ترى شيشة العنبة في اي دكان للمأكولات الشرقية في اوربا. و انا اكتب هذا الحديث بعد عودتي من المخزن التعاوني العراقي في رتشموند ، محملا بالخبز العراقي ، و طبعا شيشة العنبة ، و عندما استذكر كل ذلك و ايام بياعي العنبة و صمون في بغداد ، اتذكر كيف ان كل هذه الشعبية التي احتلتها العنبة في المطبخ العراقي تعود لأؤلئك الرواد من التجار اليهود الذين رحلوا من البصرة و بغداد الى بومبي و كراتشي، 
مقالة من تاليف الكاتب خالد القشطيني .
الصورة - أشهر بائعي العنبة في الأعظمية منذ الثلاثينيات (عوسي الأعظمي) . و هنا يبيع في محله الواقع في محلة الشيوخ وكان جزءاً من البيت الذي يسكن فيه ومن ورائه ولده خالد . و كان يبيع للأطفال ربع صمونة تغمس بالعنبة بعانة , ألتقطت هذه الصورة عام 1965م.

جمع واعداد /خالد عوسي.



ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...