الصورة : مقهى الزهاوي في شارع السراي .
لم يكن هذا المقهى
يعرف بهذا الاسم، و انما باسم قهوة امين. دعا نوري السعيد الزهاوي للالتقاء به
يوما. سأله الزهاوي ، وين نلتقي. قال له رئيس الوزراء في قهوة امين . ليس فيها من
متاع الدنيا غير بضعة مصطبات و كراس قديمة و فونوغراف ابو الزمبرك. تصوروا رئيس
الحكومة يجتمع في مثل هذه المقهى !!. مع ذلك ، اعجب الزهاوي بها فاتخذها مقاما له.
و سرعا...ن ما
تحولت الى وكر للادباء و المفكرين. كان بينهم الرصافي . انطلق الرصافي في انشاد
قصيدة طويلة فأخذ الزهاوي يتضايق منها و من صاحبها. جلس يتربص لفكرة يعمل فيها
مقلبا عليه. حتى ظهر صبي يبيع الحب. فقاطع الزهاوي زميله الرصافي متوجها الى بياع
الحب.»يا ولد عندك قميص شبابي على كدي؟» استغرق الحاضرون بالضحك. و ضاعت القصيدة
على الرصافي فخرج غاضبا و لم يعد الى ذلك المقهى ابدا. و عندئذ تربع الزهاوي في
جلسته وقد نصب من نفسه اميرا على المقهى !!. ذهب الرصافي، واذا بمحله يأخذه شاعر
نابغ آخر تعرفونه : محمد مهدي الجواهري. انطلق الجواهري يتلو شيئا من شعره هو الآخر
حتى قاطعه الفيلسوف. « افندم تتراهن؟» استغرب الشاعر الشاب . كان عمره سبعا و عشرين
سنة، من هذا السوآل. أعاد الكرة :» نتراهن على أي شيء استاذ؟» على ان اقطع نفسي و
انت تقطع نفسك، و خلي نشوف منو يخلص نفسه بالأول! كانت لعبة مما يلهو به الاطفال ،
و لكن الجواهري الشاب لم يشأ ان يعترض على سيده وهو في السبعين. فمسك نفسه. و فعل
مثله الزهاوي. بعد برهة من الوقت استسلم الجواهري. « يا استاذنا كفاية!» فكسب
الزهاوي الرهان و حق على الجواهري ان يدفع عنه اجرة المقهى : آنة !!!. يقول المثل
الشائع بيننا : (ديكين على مزبلة واحدة ما يعيشون.) كان الافضل لصاحب المثل ان يقول
شاعران في مقهى واحد لا يعيشان. بيد ان الزهاوي لم يكن بخيلا في الواقع ، او حريصا
على الآنة ، اجرة المقهى. بل كان المعتاد له عندما يهم بالانصراف ان ينادي على
الخادم و يدفع على الجالسين ممن يحبهم و يستثني من الدفع من لا يحبهم ، او من
اغضبوه و عاكسوه في جلسة ذلك اليوم. لا. هذا اخذ حسابك منه! يقول للخادم و يشير
بأصابعه الى من اغضبه !!. هكذا كان مقهى الزهاوي ، واحة من واحات الفكر و الادب
ارتبط باسماء مشاهير تلك الحقبة. يوسف عز الدين، عبد الرزاق الهلالي، ماهر حسن
فهمي، عبد الحميد الرشودي. انضم اليهم عبد القادر المميز صاحب جريدة ابو حمد .
وهناك كان ينفث افكاره الفلسفية في شتى العلوم.، الداروينية و اصل الانسان، و
جاذبية الارض و نحو ذلك. فيما كان يوما محلقا بأفكاره هذه ، اقتحم المقهى رجل
يتطاير الغضب من عينيه ، و توجه فورا الى الزهاوي. كلب ! كافر! زنديق! تنكر خلقة
الخالق؟ تقول اصل الانسان قرد! آني ابويه قرد؟! مسك به الزهاوي و قال له : لا،
ابني. انا ما قلت ابوك انت كان قرد. حاشا. انا قلت ، ثم كشف الشاعر عن رأسه الاصلع
و وجهه المكرمش و اسنانه المنخورة ، و مسك ذقنه بيده و قال:انا قلت ، آني ابويه كان
قرد! ضج الجالسون بالضحك في ذلك اليوم .
جمع واعداد/ خالد عوسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق