الثلاثاء، 27 يونيو 2017

(أبو يونان) من المأكل الى المقتل


المقال : (أبو يونان) من المأكل الى المقتل .
الصورة : الإعلان الخاص بمطعم (أبو يونان) بداية السبعينات .
إنتشرت في بغداد وفي مناطقها المختلفة مطاعم الوجبات السريعة . و من أبرزها (مطعم أبو يونان) ويعتبر أبو يونان من الشخصيات التي تركت أثراً واضحاً في التراث البغدادي ، خصوصاً وهو السبب الرئيس في إنتشار أكلات كانت غريبة على المجتمع العراقي ، كالگص والهمبرگر . إسمه الحقيقي (بطرس عوديش) و شهرته (أبو يونان) صاحب أشهر مطعم وأفران للصمون ألأوتوماتيكي في العراق ، وهي (أفران بابل الأوتوماتيكية) إبتدأ عمله منتصف الخمسينيات في كشك صغير بمنطقة العلوية ، مقابل بريد العلوية ، أمام نفس المحل الكبير الذي صار اكبر عناوين منطقة العلوية بالكرادة خارج ، وكان هو وزوجته يصنعان الهمبرگر بأيديهما . ورغم وجود العديد من المطاعم التي تقدم الهمبرگر وبأسعار أقل من أسعار أبو يونان ، إلا أن الأكثرية كانت تتناول همبرگر أبو يونان ، بسبب نظافته وأضافته للبصل وبعض أنواع التوابل التي يحرص على الانفراد بها ، إضافة الى حسن معاملته للزبائن مما أكسبه شهرة كبيرة ، وكان الإقبال عليه شديداً. وبعد سنوات ، بدأ أولاده يديرون الكشك ، ثم أشتروا قطعة ألأرض القريبة من الكشك والتي تقع بين ساحة كهرمانة وساحة الفتح في شارع السعدون وشيدوا عليها عمارة تحتوي على مطعم أبو يونان وفرن بابل للصمون الأوتوماتيكي أو كما يعرف في العراق بالصمون الفرنسي . وفي الستينيات من القرن الماضي أفتتح أبو يونان أول مطعم للشاورما (ألكص) في بغداد، وأصبح هو أول من يدخل هذه الأكلة الى المجتمع العراقي حيث كان يقدم هذه الأكلة الشهيرة في مطعمه قرب بدالة العلوية، وفي العام 1968 تم أفتتاح الفرع الثاني في شارع الرشيد في ركن صغير من بناية دائرة الكمارك والمكوس والتي هدمت فيما بعد بسبب أنشاء جسر السنك الحالي .  اتسع ابو يونان في سبعينات القرن الماضي ، وفتح فرعا في السعدون مقابل سينما السندباد (الأورفلي) لكن ما حدث بعد ذلك يصعب سرده ، فقد عُثر على صاحب المطعم الشهير مقتولاً. وقد وضعت جثته في ثلاجة حفظ اللحوم الكبيرة في مطعمه الشهير. واتجهت اصابع الاتهام الى العمال المصريين الذين كانوا في مطعمه ، ثم تداول الناس اشاعة مفادها أنّ المخابرات العراقية قد قتلته لأنه كان جاسوسا لإسرائيل !!! وليس بوسع المرء الا أن يتساءل ، كيف يكون بائع الهامبرغر جاسوسا، وماذا يملك من معلومات يمكن أن يبيعها كجاسوس ؟! . نهاية ثمانينات القرن العشرين انطفأ ابو يونان ، وضاعت اخباره مع اختلاط المشهد العراقي بتعاقب الحروب .  

ومضى قطار العمر


المقال : و مضى قطار العمر .
حجز الباشا (نوري سعيد) رئيس وزراء العراق (ڤارگون) عربة قطار صالون ، للقيام بسفرة خاصة غير رسمية من بغداد الى البصرة ، و كانت أجرة العربة حينذاك (15) دينار ، لم يجرؤ مدير المحطة الى مطالبة الباشا بالمبلغ المذكور ، مما حدا به الى تحرير فاتورة الى السيد (موفق القشطيني) مدير في السكك  يبلغه بذلك (حتى يخرج المبلغ من ذمة مدير المحطة) ، و هنا أيضاً أصبح المدير (موفق) في حرجٍ شديد حول كيفية إسترداد المبلغ من الباشا ، فإن لم يفعل فسيكون هنالك نقص في حسابات المديرية ، يتحمل تبعتها هو . رجع المدير الى البيت و هو حزين مرتبك لا يعرف كيف يتصرف . فلما رآه والده (القشطيني) مهموما و عرف السبب ، قال له ، إليك الحل . إفعل كما فعل بك مدير المحطة ، و إبعث بالفاتورة الى مجلس الوزراء . أعجبته فكرة أبيه و قام باللازم . و بعد أيام رجع المدير الى البيت مبتسماً سعيدا و أبلغهم بما حدث . فقد دفع الباشا نوري سعيد الصك من حسابه الخاص و إستلمها (موفق) بنفسه من عنده و بتوقيعه !!! . و هكذا ... مضى قطار الخير !! . ( خالد عوسي الأعظمي ) . 

رمضان في الأعظمية



المقال : رمضان في الأعظمية .
الصورة : جامع الإمام الأعظم ، منتصف الخمسينات .
يحتفظ المسلمون أينما وجدوا بتقاليد خاصة بصيام الشهر وقيامه. ولقد قدرت لي الاقامة في دول عديدة حول العالم، في شهور رمضانية مختلفة، اطلعت فيها على ما يُمكن وصفه بتقاليد رمضانية خاصة. هناك قاسم مشترك بين المسلمين في جملة من التقاليد الرمضانية، إلا أن ثمة خصوصيات عديدة، وقفت عليها، خلال اختلاطي بالمجتمعات المحلية، كما بالجاليات المسلمة في الشرق والغرب، على حد سواء. وفي إطار العالم الإسلامي ذاته، يُمكن الحديث عن "رمضانيات" عديدة بالمنظورين الاجتماعي والانتروبولوجي . جميلة حقاً هي مشاهد رمضان، أيامه ولياليه، حيث تتوق النفس والروح له . الأشهر الرمضانية التي شهدتها، على مدار السنين، كانت في دول متباينة قومياً، ومتباعدة جغرافياً، ومتفاوتة حضارياً. كنت أشتاق كثيراً لحلول المساء، لا من أجل الافطار ذاته، بل لمشاهدة فلكور رمضاني جديد، أصبغ بتراث قومي خاص، وتقاليد اجتماعية سائدة، وأعراف ممتدة في أعماق التاريخ. تقاليد رمضان أشبه بالفسيفساء، التي تشكلت بكل ألوان الطيف. ولو أراد إنسان أن يؤلف كتاباً حول هذه التقاليد فلا بد وأن يكتب مجلداً واسعاً. ومن المفيد، والجميل فعلاً، أن ينهض المرء بمثل هذه المهمة، متى سنحت له الفرصة لذلك . من بين المناطق التي شهدت فيها شهر رمضان المبارك، كانت منطقة الأعظمية، الحي البغدادي، الذي كان عامراً، ومفعماً بالحياة. الأعظمية في رمضان، تمثل حالة خاصة، بكل ما في الكلمة من معنى. هناك تلاوة القرآن، وتجويده وتعليمه، تعطر الأعظمية، وتتيح فرصة لمن أراد أن يتقن التجويد، فالتعليم متاح ومجان لكل من يرغب. وهناك من المؤمنين الخلص ممن سخر نفسه لهذه المهمة. في رمضانيات الأعظمية أيضاً، هناك انتروبولوجيا الأطعمة، الانتروبولوجيا البغدادية، ذات الخصوصية التي لا نظير لها. الطعام، في رمضان الأعظمية، قد لا يكون هدفاً بحد ذاته، حين يحل وقت الأفطار، بل لعل المذاق هو الأهم، والأكثر شوقاً للنفس.وإذا تجولت عصراً في شوارع الأعظمية العامرة، فعينك تتذوق، ولعلك شعرت وكأنك قد أفطرت فعلاً. تزدحم المحال، وعليك أن تنتظر طويلاً كي يأتي دورك، وتشتري ما قصدته. غالباً ما يقال إن الجمال هو جمال الروح، ولعل المنظر البديع والبهيج لأطعمة رمضان البغدادية نوع من هذا الجمال، أو جزء منه. ولعلي لا أكون مبالغاً إن قلت إن ليس ثمة نظير لبغداد على هذا الصعيد، وأنا قد جلت في هذا العالم طويلاً، وسرت في أرجائه المختلفة، وربما لم يسبقني في ذلك سوى أشخاص من أمثال ابن بطوطة. في المساء الرمضاني، ترتدي بغداد وشاحاً خاصاً، في أحيائها العامرة وضفافها الوادعة، وكأنها الجنة.لا يحب المرء أن ينتهي مساء بغداد الرمضاني، فعشق هذا المساء يأخذ الألباب، ويسحر الروح، إنه عشق لا مثيل له. في مساء بغداد الرمضاني، تحضر الروح على أجنحة مرتلي القرآن ومجوديه، وتحضرالثقافة والأدب والفلكلور، وتمتد الأمسيات طويلاً، وتزداد الضفاف، ضفاف دجلة، بهجة، حتى أن المرء لا يرغب أبداً في مغادرتها. إن الأعظمية، كما بغداد عامة، تمثل نموذجاً جلياً لما يمنحه رمضان للروح، من أنس وجمال. وتقدم مثالاً بديعاً للألفة والمحبة، وتضامن الناس وتكافلهم وتوادهم، في شهر الله، سيد الشهور.إن المسلمين، أينما كانوا، عليهم الافادة من هذا الشهر العظيم، لتأكيد تمسكهم بالقيم السامية، قيم الخير والمحبة والتسامح، والاحساس بالآخر، واحترام خصوصياته، وتمايزه الثقافي.فالإسلام، دين الرحمة والأخلاق الفاضلة. عبد الجليل زيد المرهون .
 إقتباس بتصرف  . ( خالد عوسي الأعظمي ) . .

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...