السبت، 28 ديسمبر 2013

لو تُركت محلة أبي حنيفة.. بسلام


الأعظمية: لو تُركت محلة أبي حنيفة.. بسلام . ( الصورة بداية السبعينات أثناء عملية إعمار و تجديد جامع الإمام الأعظم ) .

الأعظمية حاضرة بغدادية عريقة، ارتبط اسمها بفقيه اتخذ من الرأي والسهولة مذهبا، وارتبط تاريخها بخلفية التأسيس العباسي. بعد اكتمال مدينة المنصور المدورة بالكرخ من بغداد، عبرَ ولي العهد المهدي (ت 169هـ) دجلة وبنى ما عُرف بمعسكر المهدي، حيث المقبرة الملكية حالياً. وقبل هذا، تقدس ثرى الأعظمية برفات الإمام أبي حنيفة النعمان (ت 150هـ)، ذلك قبل عمرانها العباسي، يوم كانت مقابر ساسانية مهجورة (جواد وسوسه، خارطة بغداد). ويعطيك جعل قبر الإمام أبي حنيفة بين قبور مهجورة، طوال أكثر من مائة عام، أي بعد سقوط الساسانيين (17 هـ) وحتى إعادة إعمار بغداد (145هـ)، إشارة لتأكيد ما ورد من رواية أن صاحب الضريح لم يكن على وئام مع السلطة، وانه قتيل الحبس، لأكثر من سبب . أحسب أن مدينة حٓوَت ضريحاً بمنزلة صاحبه الإمام أبي حنيفة، وتاريخاً روى قصة وجود بغداد الحضاري، وما مر عليها من أحداث أن تبقى ملاذاً للخائف، ومطعماً للجائع. شاهد ابن جبير قبة ضريحها (القرن السادس الهجري): «بيضاء سامية في الهواء». وشاهدها ابن بطوطة (القرن الثامن الهجري): «قبة عظيمة، وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر» (الرحلتان). إن المدن التي نشأت واحتفظت بوجودها حول ضريح أو مزار ظاهرة معروفة بالبلاد العراقية، وأراها خالفت، بأسباب نشأتها وديمومتها، ما نقله أبو حيان التوحيدي عن بعض الحكماء: المدن «تبنى على الماء والمرعى والمحتطب والحصانة»(الإمتاع والمؤانسة). والأعظمية نشأت معسكراً على الماء، وأحالها الضريح مدينة. أعيد شيئاً مما أوردته في «الشرق الأوسط» (29 أكتوبر 2004) تحت عنوان «البابلي .. الذي أسس مدرسة الرأي»: أن إمام الرأي، أو إمام أهل العراق، ليس فارسياً وليس عربياً أيضاً، إنما هو عراقي بابلي الأصل كوفي الولادة والنشأة. وربما صعب على الكثير استيعاب أن يكون إمام الرأي عراقياً لا عربياً ولا فارسياً ولا تركياً! والأهم من هذا جعله علمه «لا ينكر تبدل الأحكام بتبدل الأزمان». وأنه لم يجد في الدين ما يمنع من الجواز للمرأة أن تكون قاضياً (الماوردي، الأحكام السلطانية). أما سهولته مع أهل الأديان الأخرى فتنقص العديد من أهل زمانه وزماننا. ويكفيه وصيته لتلميذه لخالد السمتي، وهو من أهل البصرة بالقول: «عاشر أهل الأديان بمعاشرتهم». أرى لو يبقى مذهب أبي حنيفة مستقلاً، ولا تخالطه مقالات مذهب آخر، فربما تأثرت خصوصيته وابتعد فقهاؤه عن ترجيح الرأي، وتقلص انفتاحه المعروف. فما يجري اليوم بالعراق على وجه التحديد بين السُنَّة العرب هو تداخل بين المذهبين، أرجو ألا يأتي على حساب إرث أبي حنيفة. فعلى حد عبارة الشاعر صالح الجعفري (ت 1979): أن التعايش بين البشر «لا دَخل للسان كلا ولا.. يلزم أن نوحَّد المذهبا». ليس في ما أقوله رغبة بإحياء مشادات ولت واندثرت بين شافعيين وأحناف، أشعريين وحنابلة، وإنما الرغبة بإبقاء الآراء نقية، فلدى أبي حنيفة ما يُسهل التعايش بين الأديان والمذاهب، في بلد مثل العراق لا تُمنع نساؤه من ولاية القضاء، ولا تحرم المساجد والمراقد على غير المسلمين، عموماً، انها تلين القلوب وتبسط السرائر. من حق الإمام أبي حنيفة على الأعظمية، وقد انتحلت اسمه في العصر العباسي « محلة أبي حنيفة» أن تتقيد بمقالاته، وبما قدمته مدرسته، التي ما زالت مفتوحة الأبواب، للعلم والفقه من أئمة وأساطين في القضاء، ناهيك من المؤرخين والأدباء. فالأعظمية كما هو معلوم على مذهبه الفقهي، وعرفت بهذا الاسم نسبة لأحد ألقابه، منذ العهد العثماني، «الإمام الأعظم». بعد اختفاء اسم الخيزران، زوجة المهدي، ووالدة الهادي والرشيد، حيث كانت المحلة تسمى بالخيزرانية أو المقبرة بمقبرة الخيزران. شُيد المرقد والمدرسة بتوجيه من السلطان السلجوقي ألب أرسلان السنة 459هـ، وعمّره سليمان القانوني السنة 941هـ، بعد إيذائه من قبل إسماعيل الصفوي، بتبادل عنف بين الدولتين، وكانت الساحة بغداد. ولم يبتعد الشاعر الذي شهد افتتاح البناء الأول عن الحق، عندما قال: «ألم ترَ أن العلم كان مُبدداً.. فجمَّعه هذا المغيَّب في اللحد» (وفيات الأعيان). شهد مرقد الإمام أبي حنيفة، محاولات وئام طائفي بين الشيعة والسُنَّة، فحصل أن جمع المصلين من المذهبين بصلاة واحدة. وكثيراً ما عبَر وجهاء الكاظمية دجلة لأداء الصلاة الجامعة أمام محرابه. ليس لأبي حنيفة ولا لحارته الأعظمية دور في تأسيس الكراهية الطائفية، وليس له ولها شأن في العصاب القومي الذي حل عليها. ولو كان حياً ما وافق تلامذته أن يكونوا قضاة في الدولة، وأن يأخذ مذهبه صفة الرسمية، ومن بعد قام السلطان العثماني سليم الأول بتعميمه بالقوة على الآفاق، وكان الضرر في ذلك جسيماً. ما أشد الرغبة في قراءة ما أمر به الملك عيسى بن العادل(ت 624هـ) الفقهاء «أن يجردوا له مذهب أبي حنيفة، دون صاحبيه (أبو يوسف وابن فرقد)، فجردوا له المذهب في عشرة مجلدات، وسماه التذكرة، فكان لا يفارقه سفراً» (سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان). يحتضن دجلة المكان، الذي استضاف أول برلمان عراقي، من الجهات الثلاث، حتى تبدو الأعظمية وكأنها جزيرة بمحلاتها الأربع، وواحدة منها عُرفت بمحلة السفينة، وكانت مرسىً لسفن الخلافة العباسية. واحتضنت محلة الحارة منها مرقد المتصوف بشر الحافي (ت 226هـ) ومسجده الجامع. أقول: لو تُرك هذا المكان بسلام، لمنزلة دفينه، وظلت آراؤه نقية من المخالطة، ففيها ما ينفع التعايش بين العراقيين.


تأليف:  رشيد الخيون .
جمع واعداد: خالد عوسي.

تشييع علّامة العراق أمجد الزهاوي


صورة نادرة ( جماهير المسلمين تجتمع لتشييع علّامة العراق أمجد الزهاوي رحمه الله في جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان في الأعظمية عام ١٩٦٧م ) .
هناك رجال حياتهم خير، ومماتهم خير، فهم يبقون في ذاكرة الشعوب والأفراد ، يذكرون أولئك الأخيار الأبرار، ويتأسون بهم، فيستمر خيرهم زمناً طويلاً. وهناك رجال، حياتهم شر، ومماتهم شر، وقد عرفنا بعض هؤلاء. وكان الشيخ أمجد من الفريق الأول، فقد عاصر أخطر الحوادث في العالم الإسلامي والوطن العربي، وكان يؤدي دوره الكبير في هذه الحقبة الحرجة من تاريخ الإسلام والمسلمين، وتسجَّل أعماله ومواقفه بأحرف من نور، فقد عاش للإسلام وللإسلام، فكان حياً في قلوب الناس، وتجرد لله، فأحبّه الناس، ولا ينبغي إلا أن يكون حاله هكذا، فمن عمل لله، ولمصلحة المسلمين، وضحّى بعمره كله في سبيل هذين الهدفين العظيمين، أحبّه الله، وبارك عمله، وجعله محبوب الجماهير المؤمنة.
توفي الشيخ عصر يوم الجمعة، الرابع عشر من شعبان 1387هـ - 17/11/1967 وشُيّع جثمانه من داره في حي الوزيرية ببغداد، إلى مثواه الأخير في مقبرة الإمام الأعظم في حي الأعظمية في بغداد، وحضر الجنازة كل من تناهى إليه خبر نعيه، فقد أجمعت سائر فئات الشعب العراقي على محبته، فبكته وبكت فيه الرجولة والعلم والجهاد حتى آخر نفس من أنفاسه الطاهرة، رحمه الله رحمة واسعة.


جمع واعداد: خالد عوسي. 
----------------
علق أنس العساف :  أمجد الزهاوي رئيس رابطة علماء العراق, وهو أبو سعيد أمجد بن الإمام محمد سعيد مفتي بغداد بن الإمام محمد فيضي الزهاوي عائلة الزهاوي بن الملا أحمد بن حسن بك بن رستم بن كيخسرو بن الأمير سليمان بن احمد بيك بن بوراق بيك بن خضر بيك بن حسين بيك بن الأمير سليمان الكبير رئيس الأسرة البابانية والذي أنشأ حفيده إبراهيم باشا بابان مدينة السليمانية وسماها باسم جده بابا سليمان (اقرء بابانيون).وهو من ذرية الصحابي خالد بن الوليد المخزومي.
لم يكن الشيخ أمجد ينتمي إلى حركة أو حزب أو كيان، بل كان يحب الكل، ويعمل مع الكل من يعمل للإسلام أوينفع المسلمين وكان يساهم مع كل الناس ومع كل الجهات لإنجاز العمل الخير الإسلامي حتى انه كان يقول ((لست مغفلاً حتى يخدعني أحد أنا اعمل مع كل من يعمل للإسلام)).
-------------------------
علق ابو عبيدة الشيخلي:
رحمه الله . الذي لفت انتباهي بالصورة ابو سليمان انه انضباط الناس بحيث الحديقة الدائرية القديمة رغم الحشد الكبير لكن لم يدخل احد الى داخلها بحجة الازدحام فهذا يعني ان الناس كانت تحترم الاماكن العامة .
---------------------------
قال التوأم الاعظمي:
هذه الأعظمية التي فتحت عيوني عليها مهد الصبا والطفولة ياما لعبت مع أقاربي وأصدقائي في هذه الحديقة ولهونا فيها والله لا زلت أتذكرها كأنها البارحة ما أحلاها من أيام بارك الله فيك أخي ابن عوسي على هذه التحف .
 

جسر الموصل العتيق


صورة قديمة ( لجسر الموصل العتيق ) جسر الملك غازي مع القناطر الحجرية التي كانت موجودة ثم ازيلت فيما بعد .
شيدت مدينة الموصل التي انتقل إليها العرب من قبائل الأوس والخزرج على ربوة في الجانب الايمن من نهر دجلة. ولهذا فهي كانت دائما في مأمن من مياه فيضان النهر. اما الضفة اليسرى فهي عبارة عن سهل منبسط يمتد حتى خرائب نينوى او ما يسمى ـ (بتل قوينجق)، ولهذا كان ذلك الجانب معرضا دائما لطغيان مياه الفيضان الذي اذا ما ارتفع في احدى السنين طغى على ذلك السهل وانقطعت بسببه المواصلات واصبحت المدينة في عزلة عما جاورها من القرى والمدن في تلك الناحية حتى شهر نيسان، حيث يقل منسوب المياه.ـ كانت لظاهرة فيضان نهر دجلة وانقطاع سبل التنقل بين إدارة المدينة وقراها وتأثر قطاع الزراعة الذي كان يشكل عصب حياة الدولة وقتذاك الأمر الذي دفع السلطات العثمانية الحاكمة بالتفكير لإنشاء جسر يربط المدينة بقراها في الجانب الآخر. وقد بوشر بتنفيذه في سنة 1854 وكان عبارة عن مجموعة قناطر تتصل مع بعضها يمتد إلى منطقة مرتفعة في جانب نينوى لا تصل إليها مياه النهر عند فيضانه.ـ وصل طول القناطر المنفذة تلك الى حدود كيلومتر واحد تقريبا وبعرض 8 أمتار، أما ارتفاعه فكان بحدود 10 امتار. وقد صممت ونفذت بحيث ينخفض ارتفاعها لتصل لتلك الربوة التي يصل إليها الجسر. ومن الطرف الثاني لذلك الجسر فقد ربط به جسر خشبي عائم يصله بالجانب الأيمن حيث تقع المدينة.ـ ان هذا المشروع وان كان قد قلل من بعض المصاعب التي كانت تقاسيها مدينة الموصل الا انه لم يف تماما بالغرض المطلوب وذلك ان الجسر العائم كثيرا ما كان ينقطع عند اشتداد الفيضان فكان الناس يضطرون الى العبور من طرف الجسر الحجري بواسطة القوارب. ولا يخفى ما في هذه العملية من مخاطر وتأخير في نقل الاموال، لكنه كان حلا لمعضلات كبيرة. وبرغم تلك الصعوبات والعراقيل بقى الحال على هذا المنوال حتى زمن الاحتلال البريطاني حيث قامت السلطات العسكرية بتشييد جسر عائم محكم مربوط بعوامات ثقيلة واسلام فولاذية عائمة فوق العوامات الخشبية لمقاومة مياه الفيضان عند اشتداده وقد ظل هذا الجسر يقاوم لطمات الامواج وشدة جريان المياه بضع سنين بعد تأسيس الحكم الوطني في البلاد حتى طغى النهر ذات مرة طغيانا شديدا جرف معه الجسر الخشبي فعادت المواصلات سيرتها الاولى اي رجعت الى ما كانت عليه في الزمن العثماني.ـ وعندئذ فكرت الحكومة العراقية في ضرورة انشاء جسر حديدي ثابت يربط كلتا الضفتين فقررت القيام به على الفور وعهدت بتنفيذه الى مديرية الاشغال العامة فقامت المديرية بذلك وشرعت اولا بسير غور قعر النهر وبعد ان عينت الموقع والطريقة التي يجب ان ينشأ بموجبها وحجم الهيكل الحديدي الذي يجب تشييده باشرت بالعمل في اوائل سنة 1932 وانجزت تشييده في شهر حزيران 1934 حيث افتتحه المغفور له جلالة الملك غازي. وقد قابل اهل الموصل اتمام هذا المشروع بانتهاج منقطع النظير حيث تجلت في الحفلة الفخمة التي اقيمت بمناسبة افتتاحه آيات السرور والابتهاج.ـ وعلى اثر ذلك رفع الجسر العائم القديم وبقيت القناطر الحجرية على حالتها اذ كانت تبعد عن الجسر نحوا من نصف كيلومتر حدر النهر. ولقد ارتأى المهندسون فيما بعد ان بقاءها في وسط النهر خلال موسم الفيضان مما يعيق جريان المياه الامر الذي قد يلحق الضرر بسلامة الجسر الحديدي فتقرر القيام بهدمها وقد هدمت فعلا.ـ وخلال سنة 1935 حدث فيضان هائل لم يسبق ان شاهده أهالي الموصل منذ زمن بعيد ومع انه لم يطرأ على الجسر اي حادث الا ان المياه طغت على الضفة اليسرى بحيث حالت دون الوصول اليه من تلك الناحية، فتعرقلت طرق المواصلات وقطعتها تماما واصبح مدخل الجسر في تلك الضفة محاطا بالمياه من جميع اطرافه غير ان تلك الحالة لم تدم غير بضعة ايام أعيدت بعدها المواصلات الى حالتها الاولى حالما انخفضت المياه قليلا ومن اجل ذلك قامت مديرية الاشغال العامة بإنشاء قناطر حجرية على مجرى نهر الخوصر الذي يبعد عن مدخل الجسر حوالي مائة وخمسين مترا ثم قامت بتعلية الطريق بين الجسر وبين تلك القناطر وبذلك زال كل خطر على قطع المواصلات مرة ثانية. ومما يلاحظ ان مديرية الري العامة قامت بإنشاء سدة على ضفة نهر الخوصر اليسرى منعا لتدفق المياه.ـ هذه إلمامة وجيزة عن تطور حالة المواصلات بين ضفتي بلدة الموصل وترى من الفائدة ان نذكر فيما يلي اوصاف الجسر الفنية اتماما للبحث:ــ يتشكل الجسر من ثمانية هياكل حديدية طول كل منها (120) قدما ترتكز على سبع دعامات متشكلة من اسطوانتين حديدتين متقابلتين قطر كل منها تسعة اقدام وقد ركزت تحت قعر النهر بعمق (44) قدما تقريبا بواسطة عملية الهواء المضغوط وقد وضعت اسسها على طبقة قوية من الصلصال الازرق والصخور.ـ أما عرض سطح الجسر فبلغ (18) قدما وبذلك جعل معدا لمرور وسائط النقل ذهابا وايابا في آن واحد كما خصص ممر في كلا الجانبين عرض كل ممر خمسة اقدام لمرور الاشخاص.ـ ويبلغ النقل الذي يمكن ان يتحمله الجسر المذكور (25) طنا موزعة على (30) قدما من طول الجسر.ـ وقد بلغت كلفته (665515) دينارا، ومما يذكر بفخر ان مديرية الاشغال العامة هي التي قامت بتشييده بطريقة الامانة بإشراف المهندس المستر ماتيك ومساعده المهندس السيد فخر الدين الجميل وبعض المهندسين الاخرين من العراقيين.

تاليف: وسيم الشريف / نقلا عن نشرة (العراق الجديد) لسنة 1940

جمع واعداد : خالد عوسي

دموع الغربة


دموع الغربة و - كلمات طبيب عراقي - الصورة / بغداد/ ساحة التحرير عام ١٩٦٠م .
لم يكن خياري يوما ان اترك وطني وأعيش غربتي.. لا أعرف من خطط وأراد واتخذ القرار.. لا أعرف من نفذ وبأي قلب وبأي دم بارد.. لا أعرف على أي قانون استندوا في اصدار أحكامهم الجائرة.. لا أعرف لماذا ولأي سبب وتحت أي ذريعة وبأية شريعة.. ليتني أعرف لأرتاح . كل يوم أصعب من السابق.. وانا لا أعرف مصير بيتي بيت عمري وشقى سنين خدمتي لوطني... من دخله وأي أيادي حقيرة سرقته وخربته.. وعملي الذي فقدته ورزقي الذي قطعوه والاطفال الذين شردوهم . رحل كل شئ مع من رحل.. اصبح كله ذكرى.. ولكنها ذكرى لا تبارح خيالي.. تعيش معي وتغلغل في دمي في غربتي ووحدتي . أقف على شاطئ البحر ومع كل جماله يرحل بي الى دجلة وشارع ابي نؤاس والسمك المسكوف والجراديغ وكورنيش الأعظمية والعطيفية والكريعات وجزيرة الاعراس ومدينة الزوراء.. فيزداد ويشتعل شوقي الى أيام شارع الرشيد والشورجة وكل ما فيه من خيرات وسوق السراي وشارع النهر وسيد ادريس وكمب سارة والعشار والميدان وسوق المنصور والعامل وبغداد الجديدة وعلوة الدورة والشعلة وعلوة السمك.. والى أيام نادي الصيد والعلوية والاثوري والارمني والهندية والمشرق والمسبح والبنكو وسينما الاطفال وقهوة عزاوي . اشتاق الى استكان الشاي المهيل وشربت جبار ابو الشربت وكيمر السدة ودليمية الانبار وكباب الفلوجة وكباب السليمانية وكبة الموصل وكص قاسم وهمبركر الساعة وكباب الموال وبرتقال كربلاء ورمان شهربان ومانغو ابو الخصيب وبرحي البصرة وزهدي الناصرية وزبيدي وصبور البصرة ودهين كربلاء وكبة الموصل وسمك السدة.. وكعدات جاي العباس والمولد النبوي والزردة والدولمة ومرقة الطرشانة (الحامض حلو) والشربت وخبز العباس والواهلية وكعك السيد والجرك والكاهي والكيمر والخبز المكسب والصمون الحجري ولفة بيض وعمبة ام الشريس وايام عاشوراء والقيمة والهريسة والتمن والدجاج وبط الصبة المحشي وكبة اليخني والقيسي للمسيحين والدليمية والتكة والمعلاق والفلافل . وعندما يأتي رمضان احن الى كعدة الفطور بأنتظار مدفع الأفطار وصوت المؤذن وما تعقبه من السهرات الرمضانية والمحيبس والزلابية والبقلاوة وزنود الست ومن السما والسجقات والروبة والتمر وشربت الزبيب والقمردين والتمرهند ولبن اربيل وحلاوة الراشي والجزر والطحينية وهنا يدخل الشهر وينتهي ولا احد يعرف . وفي العيد الكاهي والكيمر والبورك والكليجة والبيت الكبير الذي يجمعنا بأبهى الحلل والملابس كبارا وصغارا . ومدينة الألعاب والمراجيح والعرباين والحامض حلو والشعر بنات . اشتاق الى صوت (الهورن) الممنوع هنا وضجيجه في شارع الرشيد والكفاح والجمهورية والمنصور وصوت ابو اللبلبي وابو الشلغم وهو ينادي مايع مايع . اشتاق الى حي السلام وحي الاطباء وحي الجهاد والبياع والعامرية والغزالية والمنصور واليرموك وحي الجامعة وحي العدل والسيدية والجادرية والكرادة والدورة والاعظمية والشعب وشارع فلسطين وحي البنوك وكم سارة الحرية والكاظمية والشعب وعرصات الهندية وحي سومر والعطيفية والفضل وجسر الجمهورية والاعظمية والصرافية والجادرية والكسرة وشارع المتنبي والمدرسة المستنصرية واورزدي باك ووووووو . اشتاق الى رؤية الشباب وهم يرقصون فرحين عندما يفوز المنتخب العراقي في المنصور والعرصات والجادرية والكرادة والاعظمية والى الفرق الرياضية وهي تتبارى في ملعب الكشافة وملعب الشعب . أحن لحر بغداد والى اللالة واللوكس والمهفة والسرة على البانزين والنفط والجليكانات وصوت المولدة والوايرات.. وراحت الوطنية أركضوا شغلوا الجنريتر . مع كل جمال الطبيعة أحن الى ياسمينتي والنرجس والرازقي وكاردينيا بيتي . يا لها من ذكريات تربطني بتربة وطني الغالي ولكنها أجمل من العسل على قلبي . وهنا.. الكل يركض الى العمل مسرعا.. لا وقت حتى لأبسط العلاقات الانسانية خلال ايام العمل . الزيارة بموعد بعد ان كانت بيوتنا مفتوحة.. والأكل ليس كما كانت موائدنا تمتد مما لذ وطاب من الخيرات.. والجار لا يعرف من جاره.. وقلبي يتقطع وانا أرى عامل محل الشاورمة (الكباب) طبيب عراقي يقطع اللحم والمرضى في وطني يموتون لنقص الكادر الطبي . قلبي يتقطع وانا أرى خيرة شبابنا المتعلم عمال بناء او مصلحي سيارات او عمال غسل الصحون في المطاعم . قلبي يتقطع وانا ارى خيرة اطبائنا وكبار عقول الطاقة واكفأ المهندسين والكيماويين والصيادلة واساتذة الجامعات يعيشون على معونة دولة المهجر لأنهم لم يعادلوا شهاداتهم ووطني بأمس الحاجة الى خبراتهم لبنائه . قلبي يتقطع وانا أرى فنانيننا عمال في مضخات البانزين او مسوقي البيتزا والكي اف سي . نعم لم يكن خياري.. ولكنه كان قدري . أظناني الخوف من غد بلا أمل ... هدني التعب مع وقع الصفعات وأنا أرقب جراح وطني وهي تنزف . والحياة تسير ولا أعلم ما هي النهايــة واين ستكون . نبقى نحلم ونعيش مع الحلم في مخيلتنـا.. ومع صدمة الواقع وألم الفراق وعذاب الوحدة.. ينزف القلب الكلمات على الورق ليخطها بالدم . بعد ان اصبح الفراغ صديقا.. والنسيان رفيقا.. والذكرى طريقا.. لعلها تداوي جرحا . إذا كُتب لي أن أعود . والحساب ليوم الحساب . 

تأليف: ( د.اسامة نهاد رفعت ) .

جمع واعداد: خالد عوسي.

إختفاء جثة صاحب الفخامة ( جعفر باشا العسكري )



إختفاء جثة صاحب الفخامة ( جعفر باشا العسكري ) .
 القاتل يؤكد:- أديت له التحية ثم اطلقت عليه النار من مسدسي . 

تيسرت لديّ رواية مُحَّققة باعتبار خبر الآحاد عن مقتل الفريق جعفر العسكري، ومن اجل عرضها على القراء الاعزاء لا بد من تقديم موجز بالروايات الاخرى التي سردت الحادث والتي انتزعتها من كتاب (جعفر العسكري) لمؤلفه علاء جاسم، وكتاب (ذكريات) للواء الركن ابراهيم الراوي ، وكتاب (تاريخ الوزارات العراقية) لمؤلفة عبد الرزاق الحسني . 


وابدأ بقولي ان الفريق جعفر العسكري كان اول وزير دفاع في العراق الحديث ، وقد شارك في تأسيس الجيش العراقي ووضع لبناته الاولى في 6 / 1 / 1921م ، وسعى في تطويره وحرص على نقائه واهتم بمشاكل منتسبيه ، وقد رفض اية فكرة باستخدام الجيش في اية مهمة سوى الدفاع عن البلاد . عُيّن العسكري يوم 29/12/1934م عضوا في مجلس الاعيان ولم يلبث طويلا فيه اذ اسندت اليه وزارة الدفاع في وزارة ياسين الهاشمي الثانية التي تشكلت في 17/ 3/1935. اطاح الانقلاب العسكري الذي جرى في 29/10/1936م بقيادة الفريق بكر صدقي بوزارة الهاشمي الثانية ، وكان اول انقلاب من نوعه في تاريخ العراق الحديث استغل فيه الفرق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية تعيينه وكيلا لرئيس اركان الجيش العميد (المشير) طه الهاشمي الذي سافر بمهمة رسمية الى خارج العراق في 29 / 7 / 1936م ، وحين سمع الملك غازي بوقوع الانقلاب استدعى كل من ياسين الهاشمي ونوري السعيد وجعفر العسكري والسفير البريطاني الى قصر الزهور ، وقبل وصول العسكري الى القصر كلّف كل من النقيب عبد المطلب الامين، والنقيب حسين الربيعي بنقل اوامره المكتوبة الى قادة الوحدات والتشكيلات لإيقاف الزحف على بغداد ، كما حمّل حسيب الربيعي رسالة خاصة الى الفريق بكر صدقي المعروف بطموحه . وعندما كمل نصاب المؤتمرين في قصر الزهور الملكي قرر الملك غازي ان يذهب العسكري لمواجهة رجال الانقلاب وايقاف زحف الجيش نحو العاصمة عن طريق بعقوبة – بغداد وذلك لإنقاذ شرف الجيش مما يسبب الاضطرابات والفوضى وسفك الدماء غير المبرر . استقل العسكري سيارة ومعه كتاب الملك غازي الى بكر صدقي يطالبه بإيقاف اية حركة تضر بسمعة الجيش ومستقبل البلاد ، وقبل وصوله منطقة خان بني سعد بثلاثة اميال اوقفته مفرزة مسلحة بامرة الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي الذي قام بتجريد الفريق جعفر العسكري من سلاحه واركبه سيارة عسكرية ورافقه فيها إحكاماً للسيطرة عليه ، وقبل هذه الساعة كان قد وصل النقيب حسيب الربيعي برسالة العسكري الى بكر صدقي، فلما قرأها تجهم وغضب وانتزع منه سائر الرسائل وطفق يقرأها بوجه محمر ويدين مرتجفتين ، وبعدها مباشرة وصل موفد عباوي الى بكر صدقي يعلمه بوصول جعفر العسكري وبموقع حجزه. ازداد هياج بكر صدقي بقدوم العسكري الى المنطقة التي هو فيها، فجمع ثلة من الضباط وصرخ بهم : من يقتل العسكري؟.. لم بنبس احدهم ببنت شفة ونكسوا رؤوسهم فاضطر ان يختار منهم اربعة ، هم : المقدم جميل فتاح ، والرئيس الاول ( الرائد ) لازار برودروموس ، والملازم الاول الطيّار جواد حسين ، والملازم جمال جميل ، وأمرهم بالذهاب لقتله في منطقة حجزه . ووصل الضباط الاربعة الى موقع حجزه ، فوجدوه بصحبة اسماعيل عباوي ، فتقدم الملازم جمال جميل نحو الفريق جعفر العسكري واطلق عليه النار فارداه قتيلا . وفي رواية مزدوجة للواء عبد المطلب امين قائد الفرقة الاولى ، واللواء خليل جميل أن النقيب حسيب الربيعي هو الذي نفّذ عملية القتل بنفسه وان بقية الضباط الاربعة اطلقوا عليه النار وهو جثة هامدة امتثالا لأمر بكر صدقي. والرد على التقولات الآنفة وغيرها مما شاع هو ما أثبتته التحقيقات التي جرت عام 1937م من انّ الذين قتلوا الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع هم الضباط الاربعة الذين اختارهم حصرا الفريق بكر صدقي ، فضلا على الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي خامسهم . وختاما بعد هذا العرض الموجز لإطار الحادث المنجز انتقل الى الرواية المفصّلة المحققة بشهادتين والخاصة بخبر الاعتراف كما سمعتها يوم 24 / 9 / 1995م في الموصل الحدباء من العقيد المتقاعد محمد نايف، حيث قال: روى لي الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي – المعروف باسماعيل توحلة – كيفية قتل الفريق جعفر العسكري وزير الدفاع فقال : استدعانا الفريق بكر صدقي انا والمقدم جميل فتاح والرئيس الاول ( الرائد) لازار برودروموس ، والملازم الاول الطيار جواد حسين ، والملازم جمال جميل ، وقال : من منكم يقتل جعفر العسكري؟.. فلم يتقدم احد من الاربعة ، فتقدمت وقلت : انا يا سيدي ، فقال : اذهب واقتله ، فذهبت واستقبلته واديت له التحية فنزل من السيارة ومشى وانا اصحبه فاطلقت عليه النار من مسدسي في صدغه (في رأسه عند الزلف من خده) فسقط على الارض ثم ارسلت نائب العريف فحل فزع برسالة الى آمر سرية الرشاشات ماجد سليم طلبت منه ان يزوده بمشمّع واداة حفر ، فأتى بهما فلففنا القتيل بالمشمع وحفر فحل فزع حفرة لطمر الجثة ، ولمّا اتمّها نظر اليّ والشرر يتطاير من عيني – حقا كنت اريد قتله ودفنه مع جعفر – فانهزم مسرعا وولى مدبرا ولم يعقب. وبعد مدة قصيرة وصل الموقع الذي فيه الجثة الضباط الاربعة ، جميل ولازار وجمال وجواد الطيار فاطلقوا عليه النار وهو ميّتا ، ووضعنا الجثة في الحفرة ودفناها وتركنا حافة المشمع بارزة كدلالة من اجل ان ناتي ليلا فننقل الجثة الى مكان مجهول ، ولكن لمّا اتينا ليلا لم نجد الجثة في مكانها بفعل فاعل مجهول لدينا . واردف العقيد المتقاعد محمد نايف : ذلك ما رواه لي شخصيا الرئيس (النقيب) اسماعيل بالتفصيل، وبعد مرور بضع سنوات صار نائب العريف فحل فزع رئيس عرفاء في الفوج الذي انا آمره فسألته عن الحادثة ذاتها فأكد لي ما قاله لي الرئيس (النقيب) اسماعيل عباوي ، وكذلك ايضا التقيت الضابط ماجد سليم فقصّ عليه القصة ذاتها ، فصار اسماعيل راويا لا يُدان ، اما هذان الشاهدان فداعمان لروايته ، ومع كل هذا التبيين فالتاريخ ضنين بالخبر اليقين .


كتبها عبد القادر التحافي.

جمع واعداد خالد عوسي الأعظمي. 
------------------------------
علق الأعظمي: التاريخ السياسي في كل زمن تاريخ اسود تغلب عليه المصالح الشخصية اكثر من الوطنية ....... عاشت ايدك ابو سليمان على المقالة.
---------------------------------
 اضاف خالد بن الوليد صورة:





علق ستار الاعظمي:
في يوم الخميس ٢٩ /١٠ /١٩٣٦وقع انقلاب بكر صدقي قتل فيه جعفر العسكري خال صباح ابن نوري السعيد الآن نوري السعيد كان متزوج أخت جعفر العسكري اهم ماكان يصبو اليه لانقلاب هو التخلص من الرموز الوطنية وإنشاء دوله كردية في المنطقة وتبين ذالك من خلال نقل الضباط من مواقع حساسه واستبدالهم بضباط أكراد واستغلال بكر صدقي منصبه الجديد بقبول دفعه من طلاب الكليه العسكرية اغلبهم أو ٧٠٪من الأكراد ...عند سماع الملك غازي بنقلاب طلب من نوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي بالسفر خارج العراق حفظاً على سلامتهم :::وعنده مصرع جعفر العسكري تم تعين حكمت سليمان رئيساً للوزراء من قبل الملك غازي وذالك بطلب من الانقلا بيون ومن الغريب ان حكمت سليمان هو عديل نوري السعيد اي زوج أخت جعفر العسكري ان أشار الى شى ان بكر صدقي لم يكن أكثر من أداة لقوى خارجه أرادت استعماله لتخلص من الشخصيات الوطنية الشريفة.

 جعفر العسكري هو جعفر مصطفى عبد الرحمن جعفر النعيمي من قريه عسكر في كركوك مواليد ١٨٨٦م درس في الكليه العسكرية العثمانية عام ١٩٠١ في إسطنبول وفي عام ١٩١٤ خدم في الجيش العثماني أثناء الحرب العالميه الأولى شارك في الثورة العربيه الكبرى بقيادة الشريف حسين وشغل منصب الحاكم العسكري في حكومه الفيصلية في عمان وحلب كانت له علاقه قويه مع الملك فيصل الأول من مؤسسي الجيش العراقي الحديث وأول وزير دفاع في العراق خدم في ستة جيوش وقاتل في ثمانيه بلدان وحصل على العديد من الأوسمة من ضمنها الصليب الألماني الحديدي ( المعكوف).

 
 

الأحد، 22 ديسمبر 2013

جعفر أبو التمن ... شخصية منسية


جعفر ابو التمن .. الزعيم الوطني المنسي  
 
حفل تاريخ العراق المعاصر بالعديد من الشخصيات الوطنية التي أعطت للقضية العراقية جلّ وقتها وجهدها بُعيد الاحتلال البريطاني للعراق وضحت بالغالي والنفيس من اجل تحقيق المطاليب الوطنية بالحرية والاستقلال إلا أنها أصبحت منسية تعيش بين ثنايا كتب التاريخ وتختزنها ذاكرة بعض الناس. من بين هذه الشخصيات يبرز أسم الزعيم الوطني جعفر أبو التمن الذي كان أحد أبرز قادة الحركة الوطنية أثناء العهد الملكي وقبله. هو الحاج محمد جعفر جلبي أبن الحاج محمد حسن أبن الحاج داؤد أبو التمن ولد ببغداد عام 1881م في محلة صبابيغ الآل (سميت بهذا الاسم لأنها كانت تشتهر بصناعة خيوط القز بالألوان لاسيما الأحمر) وهو من أسرة عراقية عريقة من اسر بغداد القديمة، نشاء في أسرة تجارية وبرز جده من بين هذه الأسرة في حقل التجارة لاسيما تجارة الحبوب، أما لقب أبو التمن فجاء من جده الحاج داؤد الذي كان يملك مخزناً للرز. فلقب بـ (أبو التمن) أي تاجر الرز.
نشأ جعفر أبو التمن في كنف جده الحاج داؤد وكان يرعاه رعاية خاصة لما أنسه فيه من مخايل النباهة والذكاء، وأشرف على تعليمه وتثقيفه، لم يتجه جعفر أبو التمن إلى الوظائف الحكومية وإنما بدأ حياته بالتجارة. برز أسمه كأحد العناوين الوطنية مع بدء الاحتلال البريطاني للعراق إذ كلف بعد سفر جده إلى ساحة الحرب في البصرة مجاهدا ضد الغزاة البريطانيين بمهمة تزويد المجاهدين بالمؤن والأموال اللازمة للجهاد، وعندما التحق بالخدمة العسكرية لبلوغه السن القانونية بقي في بغداد ليقوم بمهمة الارتباط بين السلطات العثمانية والمجاهدين. ومع أكتشاف العراقيين لزيف الوعود البريطانية اشتدت المطاليب الوطنية المنادية بالحرية والاستقلال وظهر جعفر أبو التمن أحد أبرز قادة الحركة الوطنية فله الفضل الكبير في توحيد الطائفتين الشيعية والسنية ونبذ الخلافات الطائفية، وعرف عنه مقته الشديد لها، وبهذا الصدد يقدم عنه حنا بطاطا الصورة المعبرة الآتية (يعود إليه الفضل في المقام الأول، فضل الجمع بين الشيعة والسنة عند ذلك المفصل التاريخي (ثورة العشرين) وتحويل رص الصفوف المؤقت هذا إلى حقيقة سياسية دائمة إذا لم يكن هنالك في رأيه سبيل أخر إلى كسر شوكة الانكليز).
لم يقف جعفر أبو التمن عند هذا الحد بل تعداه إلى الطوائف الأخرى، فعلى وفق ماأوردته جريدة الاستقلال في عددها الصادر بتاريخ27تموز1932، ذكرت إن الوطنيين استغلوا عيد الجسد عند الطائفة المسيحية فذهبت إليهم وفود من المسلمين وزعمائهم وكان في مقدمتهم جعفر أبو التمن إلى الكنائس يقدمون التهاني لإخوانهم المسيحيين في عيدهم، وقد القيت الكلمات التي تحث على الوئام والوفاق.
ولما أشتد غضب السلطات البريطانية على مناوئيها أثناء ثورة العشرين كان جعفر أبو التمن أحد أهدافها فقررت إلقاء القبض عليه فداهمت مسكنه الواقع في الزقاق المعروف بأسم جده (دربونة داؤد) فتمكن من الهرب بتسلق سياج المسكن إلى مسكن جيرانه الخلفي، وهي مسكن عبد الهادي حبة وأختفى فيها ليلة واحدة، ثم أنتقل إلى مسكن محمد جواد الحلي ومنها إلى مسكن محمود الاطرقجي الذي لم يوافق على بقائه في مسكنه فهرب إلى مسكن صديقه مهدي الخياط الذي أخلى له المسكن فمكث فيه قرابة الأسبوع ومن هنالك وضعت له خطة للهروب إلى منطقة الفرات الأوسط، وقد اشرف على الخطة وتنفيذها مجيد كنة، فقام بتهريبه بواسطة زورق انطلق من مشرعة سيد سلطان علي مع بدء ساعات حظر التجوال الليلي ليوم الخميس 19آب 1920م، فوصل ساحل بستان مجيد كنة في منطقة الدورة بجانب الكرخ من بغداد وبعد استراحة قصيرة غادر إلى مسكن الملا خضير شيخ الجبور، وقبل أنبلاج الفجر غادر مضيف الشيخ يحف به ثلاثون فارساً من فتيان عشيرة الجبور مدججين بالسلاح من بنادق وسيوف اتجهوا على ظهور الخيل نحو مسكن شيخ عشيرة الغرير علوان الشلال ومنها اتجهوا إلى الجانب الأيمن من الفرات إلى مسكن عاصي العويض، شيخ عشيرة الجنابيين في منطقة جرف الصخر بقضاء المسيب ثم إلى كربلاء ومنها إلى النجف إذ كانت أحداث الثورة على أوجها، وبذا تم إنقاذه.
التحق جعفر أبو التمن بالثورة في ميدان الفرات الأوسط واسهم مساهمة فعالة في دفع الثورة وتوجيهها وقد احتل مركزا قيادياً فيها ولما أضحت الثورة بعيدة عن النجاح ترك البلاد مع عدد من زعماء الثورة إلى الحجاز فنزلوا ضيوفاً على ملكها الشريف حسين.
أسس جعفر أبو التمن حزباً سياسياً باسم الحزب الوطني وأوقف الحزب عن العمل بعد حادثة البلاط الشهيرة، وعاود الحزب نشاطه مرة ثانية عام 1928، أنضم إلى جماعة الاهالي من بوابة جمعية السعي لمكافحة الأمية، أستوزر مرتين الأولى في وزارة عبد الرحمن النقيب الثانية وزيراً للتجارة والمرة الثانية في وزارة الانقلاب عام 1936وزيراً للمالية، أتهم بتأييده للشيوعية فرد على متهميه بالقول: (إذا كانت الشيوعية تسعى لترفيه الفقير ومساعدة المحتاج وتنظيم المجتمع بشكل مفيد أويدها، وهذه هي شيوعيتي).
خرج جعفر أبو التمن من تجربته في العمل السياسي بخيبة أمل بمعظم الأشخاص الذين عمل معهم فقد كانوا يريدون اتخاذ المبادئ سلماً للوصول إلى مآربهم الشخصية بينما كان هو رجل مبدأ يريد عن طريقه تحقق خدمة البلاد.
توفي بتاريخ20تشرين الثاني 1945م، بعد مرض التهاب أغشية الدماغ (السحايا) وقد شيعت جثمانه جماهير غفيرة من داره الواقعة في شارع أبو نواس إلى جسر الخر ومنها إلى مدينة النجف الأشرف حيث دفن هنالك.
أن الأوان للحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين أن يبدوا اهتماماً برموز العراق الوطنية وإبراز دورهم الوطني ومواقفهم في بناء الوحدة الوطنية لما لذلك من أهمية كبرى في بناء الهوية الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية.


جمع واعداد: خالد عوسي

من قتل الملك فيصل الأول ؟



بريطانيا قتلت الملك فيصل الأول بمساعدة شاه إيران رضا بهلوي .

( الصورة ) - اثناء زيارة الملك فيصل الأول ملك العراق للندن عام 1932 التي استقبله فيها الملك جورج الخامس والملكة ماري ملكة إنجلترا، خرج ملك العراق بصحبة وزيره نوري السعيد باشا ليطوف بلندن ويختلط بمواطنيها، حيث ارتدى ملابس عادية، وها هو يركب الأتوبيس في أحد شوارع لندن ومعه وزيره نوري باشا.
سافر الملك فيصل الاول الى (برن) في سويسرا في 1/9/1933م للعلاج ولكنه بعد سبعة أيام أُعلن عن وفاته وكانت بريطانيا وراء عملية قتل فيصل الاول خِلسة وبشكل دقيق ومدروس , لأنه أصبح يشكل خطرا على مصالحها ألاستعماريه في المنطقة ولاسيما في العراق وفلسطين ,حيث دست له السم مع العلاج بواسطة فتاة باكستانية , مما أدى الى وفاته بسرعة .
الصحف العراقية ... بريطانيا هي القاتل
اتهمت الصحف العراقية وقتها بريطانيا بأنها هي التي قتلته وأنها كانت وراء عملية الاغتيال المبطنة, حيث كانت وفاته في برن في الساعة 11.45 من مساء الخميس وعمره لا يتجاوز 49عاما… وعلى الفور حُنطت جثته وأُرسلت الى ايطاليا ومنها الى ميناء حيفا ومنه الى (عكا) ومنها الى مدينه الرطبة العراقية عن طريق الجو… والى بغداد حيث وصلت بغداد في 15 أيلول 1933م , أي بعد ثمانية أيام من عمليه الوفاة المدبرة على أيدي عملاء بريطانيا في سويسرا ... ووقتها هاج الناس وأكدوا بان (فيصل الأول ) مات مسموما ودُفن في المقبرة الملكية في بغداد , وكان المشيعون يرددون إثناء التشييع :-

 ( ساعة يا لندن مرهونة)
( يا سفينة التايههْ وطَْرَهْ الفلكْ انغدرْ فيصل, يا غريبْ اذكرْ هَلَكْ )


الأسباب التي كانت وراء قتل فيصل الاول .لقد عمل فيصل ما بوسعه لإعادة الحرية والاستقلال الى العراق , لهذا فان جهوده الحثيثة أسفرت عن إنهاء الانتداب البريطاني على العراق في 3 تشرين الاول 1932م .
ان هناك كثيرا من الأسباب التي دعت الانكليز لكي يتخلصوا من فيصل الاول منها:-
* انه ملك ذو شخصيه قويه ويرفض الانصياع لأوامر الانكليز وسياستهم .
* انه ملك وطني يحب شعبه ووطنه وأمته وانه غير مستعد للتفريط بأي حق من تلك الحقوق .فيصل يرفض الانتداب ، لم يرضَ فيصل الاول عن الانتداب البريطاني وهيمنة الانكليز على مقدرات العراق, ففاوض الانكليز عام 1927 في بغداد لإنهاء هذا الانتداب , كما انه في الوقت نفسه رفض رفضا قاطعا تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين , مما أثار نقمه الانكليز عليه .
*انه كان يعادي التوسع الصهيوني في فلسطين وكذلك التغلغل اليهودي في العراق .
* انه التقى بالشاه الإيراني ( رضا بهلوي ) … وانه ربما عرض عليه كثيرا من أفكاره أعلاه , حيث قام ( رضا بهلوي) وعلى الأرجح بإيصال تلك الأفكار والتطلعات التي تخص العراق والمنطقة الى أسياده الانكليز ,مما دعاهم لان يعجلوا بتنفيذ خطة التخلص منه , وكان سفر فيصل الأول بعدها الى سويسرا للعلاج فرصة ذهبية لتنفيذ تلك الخطة .


الباحث المؤرخ / جاسم محمد صالح - ( منقول بتصرف ) .


جمع واعداد: خالد عوسي

ناظم كزار



(ناظم كزار) كبير الأشقياء/الفتوة والشقاوات في أحياء بغداد كيف إبتدأت و كيف إنتهت .

لحد نهاية الستينيات من القرن الماضي .. كانت هنالك و في أكثرية المحلات البغدادية عدد من الفتوة والشقاوات ..وهؤلاء البشر كانوا مشهورون في مناطقهم وبقية المناطق ألأخرى .. ولعل سبب وجود هؤلاء هو ضعف الحكومة والسلطات ألأمنية..لاغير !
نعم كانت لمناطق / باب الشيخ .. الفضل .. قهوة شكر .. باب المعظم ..الكسرة .. الأعظمية .. الكاظمية .. وباقي المناطق ألأخرى شقاواتهم .. وكان لكل واحد منهم عدد من أتباعه يحركهم كما يحرك اللاعب أحجار الشطرنج ..وواجباتهم كانت كالآتي :-
ــ أخذ ألأتاوات من أصحاب المحلات وألأثرياء في المنطقة .
ــ حماية أهالي المنطقة من الغرباء .
ــ اللجؤ الى أجراء المصالحة بين المتخالفين على أمر ما .
للتأريخ كان هؤلاء الناس متمسكون بعدد من العادات والتقاليد الجميلة ..منها عدم ألأعتداء على الضعفاء وإحترام النساء وألأطفال والشيوخ والفقراء. سمعت من أكثر من جهة بأن أحد أشقياء منطقة / ساحة الفردوس في شارع الكفاح كان يوزع ألأتاوات على العوائل الفقيرة ..لذلك كانت له شعبية منقطعة النظير بين تلك الشريحة الواسعة في ذلك الوقت !!. قرأت بأن الذي قضى على ظاهرة الشقاوات في بغداد ، هو ( ناظم كزار ) ـ مدير ألأمن العام ـ ألأسبق ..نظراَ لخبرته في مجال الأشقياء وأساليبهم .لقد أمر أتباعه بجمع كل الشقاوات وأمرهم أن يختاروا طريقين :-
1 / ألأنضمام الى جهازه الأمني .
2 / أحالتهم الى المحاكم المختصة لينالوا عقوبة كبيرة .
أختار ألأكثرية ألأختيار ألأول وأصبحوا من رجال ألأمن والتقيد بأوامر كبير الأشقياء / ناظم كزار .. والبقية قتلوا بشتى الوسائل !!!. حول ظاهرة الشقاوات وظهورها قرأت للدكتور / محمد الدعمي .. مايلي :-
[مع انهيار الدولة العباسية على أيدي هولاكو خان سنة 1258 ووقوع العراق على الطريق الدولية )العامة( للغزوات، خاصة من القبائل التركمانية، كالجلائريين وقبائل آق قوينلو وقره قوينلو، الخروف الأبيض والخروف الأسود، وسواها)، أخذت ظاهرة العيارين بالاضمحلال لتسمح ببروز ظاهرة الأشقياء، وهم أفراد يبسطون سطوتهم وسيطرتهم على إحدى محلات (أحياء) بغداد، كنوع من أنواع التعويض عن غياب السلطة المركزية وكإجراء لحماية الذات. لذا فقد احتفظ كل شقي بمنطقة نفوذه الخاصة، حيث كان يسلك سلوكاً يذكرنا بسلوك روبن هود في التراث الانكليزي، لأن الشقي هو أصلاً خارج عن القانون حيث يشكل تحدياً للسلطة المركزية من خلال العلاقة التنافسية مع هذه السلطة غير القادرة على بسط نفوذها في مختلف زوايا بغداد وأحيائها. إذاً، الشقي كان لصاً، وبنفس الوقت، كان الشقي لصاً مهذباً ملتزماً بعدد من مبادئ الفروسية الوسيطة لأنه كان يسرق من الأغنياء والميسورين ولا يتردد في مساعدة الفقراء ودعم المظلومين ومد يد العون للنساء، باعتبارهن جنساً مستضعفاً في مجتمع ذلك الوقت. كما أنه كان هو المسؤول غير المعلن والضمني عما يحدث في منطقة سيطرته، فإذا ما حدث شجار أو حدثت سرقة، غالباً ما يذهب المتخاصمون أو الضحايا إلى الشقي لإحقاق الحق أو لحل المشكلة أو للتحكيم، ولكن بطريقة قسرية لا يجرؤ أحد على مناقشتها أو الاعتراض عليها. هذه هي الآلية التي اعتمدتها أحياء أو محلات بغداد كتعويض عن غياب السلطة وضعف أدوات القانون] .

مقالة من تأليف: ( جلال چرمگا ) / زيورخ . 

جمع واعداد: خالد عوسي

سوق حنون في بغداد محلة قنبر علي عام 1950م




الصورة - ( سوق حنّون ) محلة قنبر علي عام ١٩٥٠ م .

كان يأتي بسلال البيض القادمة من الريف الى المنطقة المحصورة بين قنبر علي والمدرسة المحمدية. “حنون” الرجل البغدادي البسيط، لم يكن ليشهد هذه السوق التي عدت من اشهر أسواق بغداد الشعبية ، وقد حملت اسمه في منطقة كان أمتلكها اليهود العراقيون تجارا وواجهات اجتماعية وحتى سياسية لعقود مضت. وهي امتداد لسوق قنبر علي بقسميها سوق حنون الكبير وسوق حنون الصغير والتسمية حديثة نسبياً ترقى إلى العصر العثماني. تميزت السوق بمعروضها الرخيص، وطيبة المتعاملين فيها من الذين كانوا كسبة في الغالب، واذ كان البغداديون فضلوا الدجاج الحي والسمك والبيض، فقد لجأ حنون الى بيع البيض الذي اقبل عليه سكنة المنطقة غير منتظمة المحال المعروفة بالبقالة والقصابة. وحتى قامت، فيما بعد، مكاتب لبيع الدجاج قبل انتقالها الى المنطقة القريبة من مرآب النهضة.. ثم الى منطقة الشعب، ولا يعرف مصيرها اليوم. أما الآن فقد أصبحت سوقاً عامرة تباع فيها الخضراوات والفواكه واللحوم والسمك. أحد وجهاء سوق حنون قال: “معروفة السوق في انها أحدى محلات بغداد الأولى، شهدت نهاية الاحتلال العثماني، وبعده البريطاني ومن ثم الملكية مرورا بالجمهورية التي أسسها الزعيم عبد الكريم قاسم”. مهدي فليح الخالدي استدرك: “عندما نقف عند ذكرى الزعيم، فالراحل كان ينتمي لهذه المنطقة ومثيلاتها، جولاته استقصاءاته الميدانية ومعايشته ابناءها والمساكين منهم، من خلال الوقوف على معاناتهم، وهناك مواقف يطول الحديث عنها، لكن سوق حنون يتذكرها، لاسيما عند المقارنة بين حكم قاسم وبين حكم من قبله او من خلفه”. يعود الخالدي ليقول: “عندما بدأت هجرة اليهود بعد العام 1948 ، استوطن المنطقة العرب المسلمون الذين ابتاعوا الأملاك والبيوت فيها”. شوارع السوق لاسيما الفرعية والـ “عكود” بحسب الخالدي هي ذاتها منذ تأسيسها، مع بعض التحديثات والملاحظات البنائية التي يعتبرها ابناء المنطقة القدامى “نشازاً في لحن (حنون) الأول..”، ومن ابنائها القدامى “ابو غسان القصاب، بيت فرهود، جبار السماك الذي يعتبر من أشهر وأقدم الاسماء في (عكد السمك) العكد الذي تحول اليوم الى مجموعة محال ليبع المواد الانشائية. مؤكدا: “ذلك لأنها لم تلق اهتماما حرفيا يذكر، يمكن ان يحافظ على هويتها العمرانية والثقافية”. مشيرا الى ان “السوق تحمل دلالات شعبية خالدة كالفنون العمرانية (الشناشيل البغدادية)، عادات المناسبات وتقاليدها الشعبية، و(المقامات والجالغي البغدادي) وغيرها، علاوة على مقام الشيخ اسحاق شيخ التوراتيين، والذي لم يتأثر سلبا خلال الحقب الماضية، لكن يحزننا الاهمال الذي يعانيه الآن، ناهيكم عن دلالات المكان الانسانية”. ويذكر الخالدي ان “أحد ابناء سوق حنون ويدعى (شمعون) عندما توفي قبل عامين حسبما أذكر، سلم منزله الى طائفته حيث لم يترك وريثا، وذلك دليلا على تلاحم الأفكار والمعتقدات والديانات فيها”. سوق حنون التي تكاد تتوسط المحلتين الأشهر، الفضل وأبو سيفين، بكل ما تحمله من ذكرى لبداياتها، للثورة، للبناء، للولاء، لا تريد ان تتنصل عن ميزتها الأولى، فالحشرات والزواحف (الأفاعي والعقارب) مازالت تقطنها، واذا ما أراد أحد أن يكتشف علة المنطقة وقدمها ورطوبتها فما عليه سوى ملاحظة انعدام شبكات الصرف الصحي وشح مياه الشرب واستفحال ظاهرة البطالة بين صفوف ابنائها ومعاناتهم في سكنهم لأماكن غير مؤهلة كالمطابع والمدارس، ومنازل آيلة للسقوط وأخرى مهدمة والتي أغلبها (أموال مجمدة). وحيث كانت السوق قبلة للمتبضعين القادمين من جميع أنحاء وأطراف بغداد، أصبحت اليوم تعاني المشاكل ومنها الأمنية التي اثرت على حركة العمل ومصدر معيشة المواطنين، وتجريف معالمها العمرانية. حتى ان أحد مثقفيها، وما أكثر الذين قدمتهم للمشهد الثقافي، قال “نخشى ان نعود أدراجنا يا حنون. من قبل من، يا حنون، البيضة أم الدجاجة؟”.


 جمع واعداد: خالد عوسي

بغداد الأم الحنون - صورة ساحة التحرير بداية الستينيات



بغداد الأم الحنون - أيام لها إيقاع / صورة ساحة التحرير في بغداد بداية الستينات .

عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدرى (علي بن الجهم)
لقد شاء الله أن أحظى خلال خمس سنوات ونصف في سبعينيات القرن الماضي بالسكنى فى تلك "الرَصَّافة" وبالتحديد فى حى "العِواضِّية" جوار بيت صادق رافع الزهاوى الأديب المشهور والجسر علي نهر الدجلة. تكثر في بغداد الأحياء السكنية الراقية مثل حي الضباط وحي الأطباء والكاظنية والأعظمية .... إلخ. أما حى العواضية المعني فيحد شمالاً بمبانى كلية طب جامعة بغداد العريقة التى سعدت بالدراسة فيه وكذلك وزارة الدفاع. أيضاً يحد من ناحية الشمال الغربى بباب المعظم وباب المعظم والباب الشرقى كانتا من ضمن عدة أباب لبغداد وقد كان لبغداد آنذاك سور عظيم يحميها من العداء أيام الخليفة جعفر المنصور. الصيف فى العراق شديد اللهيب. للعراقين مثل يردد مع قدوم الصيف الحار، يقولون: "شهر تموز يغلى المى فى الكوز!!" تنضج فيه ثمار النخيل ويلين من حره أسفلت الشوارع. لكن برغم ذلك فلليالى صيفك يا بغداد طعم خاص ونكهة أشورية بابلية. إننى لا أنسى بهجة تلك الليالى المقمرة أو تلك التي تنيرها الثريات اللألاءة على ضفتى نهر دجلة العظيم الذى دوماً يحكى للعالم أجمع ذكرياته القديمة والجديدة حلوة كانت أم مرة!. أيام خلت قضيناها و نحن طلاب علم و معرفة شغوفين فى كنفك الرحيم وكرمك الفياض. كانت ملؤها الأمل المصحوب بالجد والصبر والكفاح فى ظروف جداً صعبة من دراسة طب مضنية بل تحمل كل مسؤليات الحياة فى أيام نحس فيها لأول مرة مرارة الغربة والبعد عن الوطن بل الأهل والأحبة و نحن لا نزال صغار السن بل صغارالتجربة. لكن وبرغمها فقد كانت ولاتزال لتلك الأيام إيقاعات وذكريات جميلة خالدة تجيش فينا أشجاناً توقظ المشاعر من نومها "فياضةًً" تغلب صبرنا وتقربنا منها رغم البعد. كيف لا ولبلد الرشيد نكهة خاصة و طابع مميز حيث لا تشابهها أى مدينة أخرى فى العالم العربى قاطبة. لبغداد جمال أخَّاذ يمتلك عقل الزائر لأول وهلة. مثلاً إذا تأملت فى معمارها وأسواقها القديمة ذات الأزقة الطويلة المتعرجة فإنك لتجد فيها ذلك الأثر و ذاك العطر الشرقي الضواخ حتى لكأنك تعيش تلك العصور ذات الرخاء الوفير العميم و ثروة فى المال و الأدب والفن والجمال وعلوم الطب والرياضيات والفلك. أعود إليك شوقاً يا ليالى بغداد حيث كنا ننعم فيك بؤنس أوإسترخاء ساعة صفاء فى إحدى مقاهيك الكثيرة أو كازينوهات شارع أبى نواس البهيجة. هناك يجد المرء الحالم اليقظ متعة الراحة والتأمل كأنه مليك ألف ليلة وليلة!. حتى الفلوكات ومن عليها تضفى زيادة على جمال تلك الليالى زينة رائعة الشكل واللون فتحيلها لوحة تشكيلية جميلة تشد إنتباه الناظرين إليها تعجباً فإنها بحق رائعة تثرى الخيال. كنت أغلق الكتاب عندما يضيق صبرى من جراء عناء مذاكرة دروسى. كنت أنطلق راجلاً ماراً بساحة الميدان التى لا تبعد من باب المعظم سوى نصف الكيلومتر والتى تؤدى بدورها إلى آثار مدرسة المستنصرية العريقة ومن ثم بدايات سوق الكتب وشارع الرشيد الذى يتميز بشكل معماره الفريد ذى الطراز القديم. أما سوق الكتب يؤدي عند نهايته إلي سوق النساء وكلاهما عبارة عن أسواق عامرة بالكتب والقرطاسية وكل لوازم النساء من ملابس وأحذية أو حلى ذهبية كانت أم فضية وأشتهر بالأخيرة من الصاغة أصحاب الأقليات الإثنية خاصة من الأرمن والآثوريين. هذا الشارع الرائع يحاذى نهر دجلة ويوازى شارع الرشيد من الناحية الأخرى فكلاهما ينتهيان عند الباب الشرقى الذى يؤدى بدوره إلى شارع عبدالمنعم السعدون أكبر شارع تجارى حديث المعمار فى مدينة بغداد. كنت أجد متعة عظيمة في ذلك التجوال راجلاً متأملاً فى تاريخ كل تلك الحضارات العظيمة وحكايات ألف ليلة و ليلة التى يحلو للمرء تردادها وشعر رصين وأدب عربي تألق في زمانه. كان ينتهى بى السير عند شارع أبى نواس السياحى المشهور بروعة مقاهيه و كازينوهاته التى تجد فيها النفس راحة البدن والبال. وكانت تروق إلى نفسى أكلة الدجاج المشوى على الفرن أو "اللحمة بالعجين" وهى تقدم عادة ساخنة من على الفرن البلدى مصحوبة بمشروب "الروب" البارد (المثلَّج) وكمية كبيرة من سلطة الخضار. تلك لمحة صغيرة من أيامك الحلوة التي أسعدتنى بها يا بغداد!. كانت حافلة بكل جميل وجمعتنى بزملاء وأصدقاء أعزاء من العراق نفسها ومن الذين قدموا من بلاد الله الواسعة ينشدون العلم والمعرفة. فاجتمع عندك أبناء السودان مع أبناء كل من بلادالخليج واليمن والشام ومصر والمغرب العربى والصومال وإريتريا فكونوا كياناً هو الصورة الحقيقية لجامعة الدول العربية والأفريقية !. كانت تجمعنا الإحتفالات الطلابية فى حى الوزيرية البهيج حيث الفلل الراقية التى تفوح من حدائقها الغنّاء نفحات عبير وردها من فل وياسمين وروز . أما إسم الوزيرية فيعود إلى ذلك العهد القديم حيث كان يسكن فيها كبار القوم وذو الشأن خاصة الوزراء وغيرهم إنه بحق حيٌ جميلٌ أبداً لاينسى جمال قاطنيه. أيضاً من الأحياء السياحية الهامة جداً حى "الأعظمية" حيث مرقد الإمام الأعظم أبوحنيفة وحى الكاظمية الذى فيه مرقد الإمام الأعظم "موسى الكاظم" حفيد سيدنا على بن أبى طالب كرم الله وجهه. أما إذا كنت من الذين يحبون أهل المتصوفة فحدث ولا حرج! فبغداد معروفة بمرقد شيخ الصوفية المشهور "الشيخ الجنيد"، و أيضاً مرقد العلامة الشيخ عبد القادرالجيلانى والكثير من العلماء الأجلاء. كنا نحرص علي أداء صلاة الجمعة مرة في جامع أبو حنيفة ونتغذي بعد الصلاة بطبيخ الملوخية المجففة في مطعم فلسطيني أما الجمعة الأخري فكنا نقضيها في جامع الشيخ عبدالقادر الجيلاني عليهما رضوان الله. وفي الكوفة والنجف الأشرف حظينا بزيارة مراقد سيدنا علي وأبنائه رضي الله عنهم. أترحم علي روح السودانيين الذين كانوا يمثلون ويرأس ومن منظمة الزارعة والغذاء العالمية ( ألفاو) علي رأسهم الدكتور الزراعي صلاح نوح والسيد عمر عديل ممثل اليونيسكو عليهما رحمة الله والتحية للسيد البروفيسور البيطري الدسوقي الذي أتي وأسس كلية البيطرة في حي أبي غريب وأخرين لم تسعفني الذاكرة بذكرهم مثل محمد داؤد الخليفة.....إلخ . والحديث ذو شجون إنني اليوم أذرف دموع الحسرة عليك يا بغداد. يا مدينة سمحة مريحة رحيبة حباك الله بجمال الطبيعة وجمال خلق الله فى خلقهم وأخلاقهم. فوالله أشهد أن فيك أهلاً لهم سماحة نادرة وصدق و شهامة وكرم حاتمى لا يبارى!. إننى اليوم أذرف عليك الدمع السخين والعالم كله يتفرج وهو مكتوف الأيدى على مآسيك وجراح أهلك الطيبين. تلك الجراح المتجددة فى كل يوم جديد!. إننى لا أملك شيئاً سوى الدعاء لك سائلاً المولى "جل شأنه" أن يقيك من كل الشرور وشر كل فتاك ظالم من شياطين الإنس وأن يجمع شمل أبنائك علي المحبة والسلام والتحية لكل الذين قد تخرجوا في جامعتك العالمية الفتية .


بقلم د. عبدالمنعم عبدالمحمود العربيي/لندن

جمع واعداد: خالد عوسي

استفتاء عام 1919 حول استقلال العراق


استفتاء عام 1919 حول استقلال العراق . الصورة - بغداد عام ١٩١٩م .
هذا الاستفتاء (كتب بعضه باللغة العربية وبعضه باللغة الإنكليزية) ، والذي اجرته سلطات الإنتداب البريطانية في شهر مايو 1919 حول استقلال العراق من عدمه، وفي حالة استقلاله من سيحكمه. وفيه سجل لمواقف واسماء وتواقيع وجهاء المدن والمناطق التالية: القرنة، الجبايش، العمارة، الكوت، الناصرية، السماوة، الشامية، الحلة، الهندية، المسيب، الديوانية، كربلاء، بعقوبة، دلتاوة، بلدروز، شهربان، خانقين، مندلي، كفري، كركوك، بغداد، الكاظمية، الموصل، البصرة. والخلفية السياسية وراء هذا الاستفتاء هو نشوب خلاف بين الخارجية البريطانية في لندن وإدارة الهند البريطانية حول مصير العراق إذ كانت الاخيرة تروم إلحاق ادارة العراق بالهند. يلاحظ ان معظم مناطق كردستان لم يشملها الإستفتاء لانها لم تكن تحسب ضمن العراق آنذاك وكانت متنازع عليها مع تركيا .


جمع واعداد: خالد عوسي

غروب الشمس في منطقة الأعظمية




يقول عبدالقادر الرسام وهو يرسم الغروب على شاطئ الأعظمية:- ان اجمل غروب في العالم هو غروب الشمس فوق الاعظمية.

صورة نادرة لجامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان رحمه الله عام ١٩٠٠م .


حيّ الاعظمية واحد من أقدم أحياء مدينة بغداد وسمّي بهذا الاسم لوجود قبر الامام الاعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت فيه. وينسب الى الإمام الأعظم المذهب الحنفي وكذلك مدرسة الرأي والقياس. ودفن في هذا المكان ايام الخليفة أبي جعفر المنصور في القرن الثاني الهجري ودفنت الى جانبه الخيزران والدة الخليفة هارون الرشيد. وتضم مقبرة الأعظمية قبور عدد من الرموز العلمية والدينية والاجتماعية والسياسية التي برزت على امتداد التاريخ العراقي. وقريب من المقبرة يرتفع بناء جميل تعتمره قبة زرقاء كبيرة دفن تحتها الملك فيصل الأول والملك غازي والملك فيصل الثاني والملك علي ملك الحجاز وشخصيات اخرى من العائلة المالكة السابقة. وأطلق على هذا الحي عند تأسيسه ايام الخليفة الثاني من بني العباس أبي جعفر اسم الرصافة (رصافة المهدي) وامتد جنوبا ليؤسس تاريخيا مدينة بغداد الحالية التي هي امتداد للعصر العباسي وشرقا باتجاه محاذي لنهر دجلة ليؤسس حي الشماسية الذي اصبح في حينه موطنا للأديرة والكنائس المسيحية. والأعظمية المعاصرة يبدأ تاريخها العام 1634 حين اخذها السلطان العثماني مراد الرابع من أيدي الملوك الصفويين حكام ايران وجاء بقبائل العبيد والنعيم ليتوطنوا فيها بهدف حماية قبر الامام الأعظم من العبث. ومن حينه قامت في هذا الحي أجمل البساتين والحدائق واشتهر بهوائه النقي وبانخفاض درجة الحرارة فيه قياسا الى بقية احياء بغداد، اذ ان نهر دجلة يشكل قوسا دائريا حوله. وعند قيام المملكة العراقية العام 1921 أقام الملك فيصل الاول في احد القصور المطلة على النهر وهو قصر شعشوع وشيد البلاط الملكي فيه. وخلف البلاط الملكي قامت احياء الارستقراطية السياسية العراقية التي انبثقت منها غالبية الحكومات والوزارات العراقية. وحول هذه الاحياء امتدت المحلات المسكونة من قبل كبار وصغار موظفي الدولة وكبار الادباء والعلماء والشعراء والصحافيين والكتّاب. فقد سكن هذا الحي من الرؤساء كل من الشريف شرف (الوصي على العرش العام 1941) ومحمد نجيب الربيعي والرئيسين الشقيقين عبدالسلام وعبدالرحمن محمد عارف. أما من رؤساء الوزارات فكان ياسين الهاشمي وطه الهاشمي وجعفر العسكري وحكمت سليمان ورشيد عالي الكيلاني ومصطفى العمري ونورالدين محمود ومحمد فاضل الجمالي وناجي طالب وعبدالرحمن البزاز. ومن الشعراء الرصافي والجواهري وبلند الحيدري وأحمد حامد الصراف وبدر شاكر السياب وكمال نصرت وسليمان العيسى (السوري الاسكندروني) وعائلة الخزرجي وأميرة نورالدين وغيرهم من كبار الشعراء. ومن القصصيين سكن هذا الحي رائد القصة العراقية عبدالملك نوري وعدد آخر من الروائيين والقصصيين المعروفين. ومن الادباء والمؤرخين سكن الاعظمية عدد كبير لا يحصى، نأتي على سبيل الذكر على قسم منهم امثال محمد بهجت الاثري وأحمد سوسة ومصطفى جواد وفؤاد عباس وفؤاد جميل وسالم الالوسي وحسين الأمين والعلامة منير القاضي وحامد مصطفى وعلي الوردي وجواد علي وعبدالعزيز الدوري وغيرهم من الرموز العلمية والادبية المعروفة. ومن الفنانين سكن رواد الحركة الفنية في العراق منهم جواد سليم ونايف حسن وحافظ الدروبي واسماعيل الشيخلي وعطا صبري وأكرم شكري وقاسم ناجي وزيد صالح وكذلك الرواد الاوائل أمثال عبدالقادر الرسام وصالح زكي ورؤوف الحبيبة جي وحسن سامي. ومن المعاصرين اسماعيل فتاح ونهى الراضي وسهام السعودي وغيرعم من الرسامين والنحاتين والخزافين المعروفين . أما المعماريون فقد اشتهر منهم من سكان الاعظمية رفعت الجادرجي ومعاذ الالوسي وهشام منير وهشام المدفعي وطارق الجدة وقحطان المدفعي وقحطان عوني. ومن قادة الحركة الوطنية نذكر على سبيل المثال كامل الجادرجي وصديق شنشل وجعفر ابوالتمن وفايق السامرائي وصلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان. وككل المبدعين كان لكبار الاطباء المعروفين وجودهم الواضح في الاعظمية أمثال كمال السامرائي وسامي سليمان وعبدالامير علاوي وهاشم علاوي والبحرانيان احسان وزهير والسوداني فيصل واليستاني عبدالحميد وأحمد صميم الصفار وآخرون غيرهم. ومن الموسيقيين كان روحي الخماش والهام المدفعي وسالم حسين وسعدون جابر. ومن العوائل التجارية القديمة المعروفة في بغداد سكن هذا الحي آل البغدادي وآل الجلبي وآل الشابندر وآل الخضيري وآل الرحيم وآل شنشل وغيرهم. وفي هذا الحي قامت أول جامعة في العراق المعاصر التي سميت حينئذ بجامعة أهل البيت اسسها فيصل الاول ثم قامت بعدها في الحي نفسه جامعة بغداد ثم جامعة الحكمة (الأميركية) والجامعة المستنصرية وأسس المجمع العلمي العراقي مركزه في هذا الحي وكذلك المكتبة المركزية والمعهد القضائي ومعهد الفنون الجميلة ومسرحه المعروف وأكاديمية الفنون الجميلة التي اسسها خالد الجادر. عرفت الاعظمية بطبيعة اهلها وتسامحهم فقد عاش الاعظميون على مر العصور بتآخ وألفة لا يميز بينهم دين أو عرق أو أي انتماء طائفي، فعلى رغم الغالبية العربية المسلمة فيها سكنها عدد غير قليل من اليهود والنصارى، وكان لليهود فيها كنيسان مافتآ مفتوحين لحين مغادرة اليهود العراق الى فلسطين بين العامين 1950 و1951 وفيها كنيسة مسيحية تمارس فيها الواجبات والطقوس الدينية لحد اليوم. أما المساجد المتعددة والمنتشرة في محلات حي الاعظمية فإنها تعود لمختلف المذاهب والطوائف الاسلامية. وعرفت الاعظمية بتكاتف أهلها ووقوفهم صفا واحدا تجاه جميع المواقف الوطنية والحساسة في التاريخ العراقي وكان لها الدور البارز في كل الحركات والفعاليات الوطنية عبر التاريخ العراقي المعاصر فكانت سباقة في ابداء معارضاتها لكل ما يمس سيادة واستقلال ووحدة شعب العراق. لا غرابة اذن ان نرى ابا الشعراء ابا الطيب المتنبي يقف بشموخ عند بوابة الاعظمية الجنوبية ويضع يده اليمنى على صدره ليستصرخه النحات الكبير محمد غني حكمت ويقول للملأ جميعا:- انا الذي نظر الاعمى الى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم. وأن نرى الفارس الشاعر عنترة بن شداد يمتطي صهوة جواده ليقف في منتصف الاعظمية يلقي بكلماته العذبة في أذني حبيبة قلبه تنساب عطرا مع أنغام خرير دجلة ويتذكر ما كان يقوله عبدالقادر الرسام وهو يرسم الغروب على شاطئها: ان اجمل غروب في العالم هو غروب الشمس فوق الاعظمية.


جمع واعداد: خالد عوسي

جامع الأورفلي


صورة شارع السعدون بداية السبعينات ( قبل تشييد النفق)..و يظهر فيها جامع الأورفلي و بجواره مطعم عباس تاجران . وهذه نبذة تاريخية عنهما .
يعد جامع الأورفلي من اقدم جوامع المنطقة فهو يقع في جانب الرصافة / الكرادة في محلة تسمى بـ( البتاويين ) في الباب الشرقي بجانب النفق الذي تم فتحه في الباب الشرقي في 6ـ1ـ1975م . تم تشييد هذا الجامع في أول شعبان سنة (1371هـ - 1951م)، وقد اشرف على تشيده كل من (بدرية ونجية بنتي الحاج عبد الرحمن بن عثمان الأورفلي) جعل الله الجنة مثواهما كما ورد في الوقفية المؤرخة بتاريخ 18 رمضان 1371هـ والموافق 19 حزيران 1952م، وكان أصل الجامع دارا برقم 233-157 فهدم وأنشئ عليه هذا الجامع مع دكاكين موقوفة عليه.يعد جامع الاورفلي من الجوامع المهمة بالنسبة لموقعه إلا أن مساحته صغيرة وفي 20-8-1952صدرالأمر بإقامة شعائر الصلاة فيه وتم افتتاحه في السنة نفسها. و حضر الإفتتاح مفتي الديار العراقية نجم الدين الواعظ و الشيخ عبد العزيز البدري و الشيخ محمود الصواف وامجد الزهاوي . ومن أشهر مطاعم بغداد (مطعم تاجران ) وكان بفرعين احدهما في بداية شارع المتنبي والثاني في الباب الشرقي مجاور جامع الاورفلي وامتاز مطعم ابو علي تاجران بكونه اول من قدم اكلة ( الگص ) بنكهه ايرانيه او تركيه لانها تختلف عن الشاورما اللبنانيه او السوريه وكانت تتبل بالبهارات والكركم الاصفر وتشوى على الكهرباء لعدم توفر الغاز السائل في تلك الايام وكانت تشكل اكله شعبيه جديده ولها محبيها وسعر نصف نفر كص ( 90 فلس ) اما النفر فكان (160 فلس ) وكان نص النفر يكفي لاشباع الشخص ومعه صمونه دبل وزلاطه واستكان شاي ..


جمع واعداد : خالد عوسي

الأحد، 15 ديسمبر 2013

حديث السِدارة والعمامة


صورة للملك فيصل الأول بالسدارة الفيصلية وهو يغادر فندق في لندن عام ١٩٢٩م .

لغطاء الرأس مفاهيم ورمزيات تعتز بها جميع الشعوب شرقا وغربا، بالرغم من تحولهم في هذه الأيام الى اعتياد السفور في الغرب، ولكن كانت للعراقيين تقاليدهم الرصينة في هذا الموضوع. مما اتذكره من والدي رحمه الله، انه كان يطلب منا عندما نذهب لمعايدة او زيارة اعمامنا ان لا ننسى لبس السدارة. فقد كان غطاء الرأس من اصول الادب والتقوى، على عكس الاوربيين الذين كانوا ينزعون قبعاتهم عندما يدخلون الكنيسة او عندما تمر امامهم جنازة.. وهم يفعلون ذلك عندما يحيون امرأة ايضا. فخلع القبعة عندهم نوع من التحية والاحترام. وليس الأمر كذلك في ديار الاسلام. وهي ايضا رمز للبلوغ. فمثلما يتعين على البنت ان تتحجب وتلبس "عباية" عندما تبلغ سن الرشد، او فالأقل تدخل مرحلة المراهقة، فكذلك يتعين على الصبي عندما يبلغ ذلك السن ان يعتمر بـ"عرقچين" او "چرّاوية" او "عمامة" او "كوفية وعقال" ونحو ذلك. وكان من نتائج ذلك ان تعددت اغطية الرأس، الى الحد الذي جعل المنلوجست عزيز علي يسخر من الوضع بمنلوجه الشهير؛ "شعار الناس اصبح يا ناس اشكال اجناس". وضمن مساعيه لتوحيد الشعب العراقي، حاول الملك فيصل رحمه الله ان يحقق ذلك بتوحيد غطاء الرأس فوجد ان السدارة خير اداة لتغطية الرأس لجميع العراقيين. غير انه ولسوء الحظ اساء الآختيار. فهي لا تقي الانسان من الشمس و لا من المطر، و لا هي بشيء جميل او انيق، او لها رصيد في تراثنا العربي. فلم يتحمس الناس لها، وعانى مشقة كبيرة في حمل الناس على لبسها، شق عليه بصورة خاصة ان يرى استاذ الرياضيات علي مظلوم يرفض لبسها. وكان الملك يتوقع منه أن يفعل ذلك، وهو الاستاذ الكبير ان يصبح قدوة لكل المثقفين العراقيين فيحتذون به. لكنه لم يفعل. ذهب الملك يوما لزيارته، فانبهر الاستاذ مظلوم بهذه الزيارة المفاجئة، رحب بالملك وامر بإحضار الشاي والكعك على عادة العراقيين، ثم سأل جلالته، "سيدنا كرمتنا بهذه الزيارة.. أي خدمة تريد مني؟"، اجابه الملك "نعم. أن تقبل مني هذه الهدية البسيطة"، وناوله علبة مقوى صغيرة، فتحها فاذا بها تحتوي على سدارة. قال له الملك "استاذ علي، اريد منك ان تلبسها" . اصبح الاستاذ امام الأمر الواقع. أنها بمثابة ارادة ملكية. فلبسها ووعد جلالته ان يستمر بلبسها. وهو ما فعله عمي الشاعر ناجي القشطيني ابو سعدون، عندما ترك العمامة ولبس السدارة. نصح والدي بعمل مثل ذلك ، قال له ان عهد العمائم انتهى. الآن عندنا حكومة عصرية. اذا كنت تريد ان تتجاوب مع الوضع الجديد وتتقدم في الحياة فمن الأفضل لك ان تنسجم معه. بيد ان والدي لم يقتنع. قال له انه لن يتخلى عن زي اهله واجداده من اجل الوظيفة. فقضى عمره مجرد معلم مدرسة ولكن بالجبة والعمامة. في حين ارتقى عمي ناجي بالسترة والبنطلون الى اعلى المناصب. الحقيقة ان كل افراد اسرتنا القشطينية كانوا يلبسون العمامة كسائر الناس المتعلمين. فالعمامة لم تكن لها اي منزلة دينية خاصة، وانما كانت في العهد العثماني زي الرجل المتعلم. وهذا ما حصل لإمرأة أمية وصلتها رسالة من ابنها الجندي. فأخذت الرسالة ليقرأها لها أحد يجيد القراءة والكتابة. فصادفت رجلا معمما فأعطتها له ليقرأها لها. و كانت الرسالة مكتوبة بشكل "خرابيط" فلم يتسطع الرجل ان يقرأها فأعتذر لها. "متأسف يا حرمة ما اقدر أقرأ هالمكتوب". فنظرت في وجهه وقالت: "ما تقدر تقراها؟ على ايش لعد لابس العمامة بهالكبر وما تقدر تقرا سطرين مكتوب!"، فما كان منه الا ان نزع العمامة من رأسه ووضعها على رأسها ثم اعطاها الرسالة وقال: "هه! يا الله شَوفينا شلون تقريها هسة". الحقيقة ان عدم شيوع لبس السدارة في العراق خلق للعراقيين مشكلة اخرى تضاف الى مشاكلهم العديدة. اتصل بي ذات يوم احد المسؤولين فسألني عن رأيي في الموضوع. قال اننا الآن شعب بدون غطاء رأس يعتمرون به بعد رفضهم للسدارة. العمائم اصبحت محصورة برجال الدين ولا يستسيغ لبسها اي رجل متطور. واليشماغ والعقال اصبح زي الفلاحين والبدو، والكورد لهم عمامتهم الخاصة. كيف يتحد العراق اذا كنا لم نتحد حتى في لبس غطاء الرأس؟ قلت له يا سيدي الفاضل، "انت تريد توحد العراق بـ(الشَفْقة)؟ خلينا ندبر مشاكلنا الاخرى بالأول" . 

تأليف: خالد القشطيني.
جمع واعداد : خالد عوسي.

الجمعة، 13 ديسمبر 2013

ذكرياتي الجميلة عن مدينتي الساحرة (ألأعظمية)



صورة جامع أبو حنيفة عام ١٩٥٩ 

هذه هي ذكرياتي الحية عن محلة الأعظمية ؛ او لنقل عن مدينة الأعظمية العريقة ؛ والتي أختزنتها ذاكرتي أثناء نشأتي ألأولى ؛ عن مكانتها المرموقة بين سكان مدينة بغداد وعن تراثها ألأصيل في مجالات عدة ؛ وكذلك عن الشخصيات البارزة التي سكنتها منذ عشرات بل ومئات السنين. فهي من المدن التاريخية العريقة التي عرفت على مستوى العالمين العربي والإسلامي بوجود ضريح (ألإمام ابي حنيفة النعمان) وبعدد من المدارس والجامعات الدينية الشهيرة وكذلك الكثير من الشخصيات المرموقة التي احتلت مواقع دينية وعلمية وثقافية وسياسية وعسكرية . ففي مراحل نشأتي ألأولى ودراستي الأولية دخلت مدرسة (تطبيقات دار المعلمين ألأبتدائية) عام1938. والتي كانت ترتبط بـ (دار المعلمين ألإبتدائية). وكانت هذه الدار تقع بالقرب من (المقبرة الملكية) التي تميزت بطرازها المعماري العربي – ألإسلامي الجميل (أصبحت فيما بعد مقرا لجامعة صدام الإسلامية) وقد سنحت لنا الفرصة لنتعلم فن الرسم ونتدرب في مرسمها الفسيح على يد الفنان الراحل ألأستاذ الفاضل ( قاسم ناجي). فكان يمدنا ؛ وبسخاء ؛ بألأقلام واوراق الرسم وألألوان والمستلزمات الضرورية الاخرى ؛ فضلا عن إرشاداته الفنية القيمة التي كان يوجهها الينا اثناء الاداء وحتى عن الكيفية التي يتم فيها إقتراح موضوعات الرسم وإعداد المواد والاضاءة الضرورية ومتابعته المتواصلة لإعمالنا . وبعد أن أنهيت المرحلة الإبتدائية عام 1944دخلت مدرسة (ثانوية ألأعظمية للبنين) ؛ ومن ثم التحقت بـ (كلية ألآداب والعلوم) التي تخرجت فيها عام 1954 كل هذه المدارس والكلية وحتى الكلية التي عملت بها بعد التخرج كانت في مدينة الاعظميه الراقية. ومما أتذكره عن تلك ألأيام الجميلة التي قضيتها في مدرسة ( ألتطبيقات) أننا كنا ؛ نحن الطلاب ؛ نسلك طريقا خاصا يربط ما بين (المدرسة) و( الدار) حيث تمتد على جانبيه ألأشجار الباسقة والزهور الجميلة التي تنشرعطورها الفواحة في كل مكان وبخاصة ورد الجوري (والرازقي) الذائع الصيت . ومن النشاطات أللاصفية الممتعة التي كنا نمارسها تهيئة متطلبات الحانوت المدرسي بأنفسنا إستعدادا لليوم التالي. هذا إضافة الى أعما ل وممارسة هوايات أخرى نقوم بها تحت إشراف ألأستاذ الملهم المرحوم (ابراهيم عبد الوهاب) كالرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي واعمال النجارة وسواها. كانت دارنا تقع في محلة (النصة) في الشارع الذي يربط محيط ألإمام (ابي حنيفة) بشارع (عشرين) المعروف مرورا بمنطقة (النزيزة). وكان يسكن الى جوارنا المدعو (حمدون) الذي كان يعمل في الدباغة وولده (قدوري) مصلح السيارات. وكان يسكن قريبا من دارنا أيضا الشيخ علي( ابو احمد) الذي يمتهن كتابة الأدعية والحروز للنساء ؛ والى جواره دار (ناصح) الملقب بأبي فائق. وكان يعمل حوذيا ؛ حيث يترك الحصانين وعربته الجميلة عند باب الدار والتي علقت عليها أنواع الزينة لجذب الزبائن ولفت ألأنظار. وكان من ابرز الجيران في ذلك الوقت العسكري المتألق والخطاط الشهير المرحوم (صبري) المعروف على نطاق واسع بـ (صبري الخطاط) والذي درست على يديه فن الخط العربي الجميل. وكان يصرف جهدا مشكورا في متابعة إنجازاتي للواجبات التي يكلفني بها ويرشدني الى الهفوات اوالأخطاء التي اقع فيها وكيفية تداركها ؛ ومن ثم يكلفني بواجب جديد.
وكان من ابرز أصدقائنا عالم الآثار المعروف المرحوم (صبحي أنور رشيد). وكان هناك ايضا السيد محمد عبد الجبار زميل الدراسة الجامعية وأخوه الكبير القاضي سلمان عبد الجبار وألأصغر كريم. وقد كان معي أيضا أثناء الدراسة (وليد عبد الحميد نوري) وهو شقيق الفنان المسرحي المعروف الأستاذ (سامي عبد الحميد . وكانت هوايتنا المحببة المشي لساعات طويلة بإتجاه (الصليخ) ومناطق (شارع الضباط) و(الكم) حتى نصل منطقة (الكسرة). وعند عودتنا نأخذ قسطا من الراحة فندلف الى (النادي الأولمبي) الذي يقع اليوم في (ساحة عنتر). وكان البعض منا يطفئ ظمأه بزجاجة من المياه الغازية بينما يفضل البعض الآخر الإستمتاع ببعض الاكلات العراقية الشهيرة. وقد أتخذ النادي الأولمبي مقرا لإقامة المعارض الفنية. وأتذكر جيدا اليوم الذي اقيم فيه (معرض الثورة) في اعقاب ثورة 14 تموز والذي افتتحه الزعيم (عبد الكريم قاسم). وقد شارك فيه معظم الفنانين من الرواد ؛ وفي مقدمتهم (أكرم شكري) و(عطا صبري) و(حافظ الدروبي) و(اسماعيل الشيخلي) و(جواد سليم) وغيرهم العشرات من الفنانين والهواة.
وكانت هناك أيضا (الجمعية البغدادية) التي تعد من النوادي الإجتماعية الشهيرة التي تتميز بأجوائها الهادئة وبهوائها العليل ؛ بالنظر لأنتشار الأشجار الكثيفة في حدائقها الجميلة ؛ وخصوصا اشجار النخيل الباسقة ولانخفاض مستوى ساحاتها وقربها من النهر. وبالإضافة الى ذلك كانت فيها صالة لعرض الأفلام شتاء. اما في موسم الصيف فكانت تعرض الأفلام في حدائقها الفسيحة. ويتذكر كثير من رواد الجمعية الشخص الملقب بأبي (تحرير) والذي كان المسؤول الإداري عن الجمعية وكذلك السيد (عزيز) المسؤول عن تقديم المأكولات والمشروبات. وكان من بين نشاطات الجمعية إقامة الحفلات الغنائية التي كان يحييها الفنان الكبير (يوسف عمر) الذي كان صوته يصدح حتى ساعة متأخرة من الليل. كما ساهم في إحياء الحفلات الفنان ذو الطابع البدوي (سعدي الحديثي) وغيره من الفنانين المعروفين. ولم تخل الحفلات من الحفلات الراقصة على الحان اشهر الفرق الموسيقية التي كان يستمتع بها المشاركون. اشتهرت مدينة الأعظمية بأسواقها الشعبية التي تعرض للناس كل ما يحتاج اليه اهلها من مواد وخضر وفواكه وحبوب وبقوليات ولحوم. فهناك القصاب المعروف (سبع) الذي كان يقدم الى زبائنه أجود أنواع اللحوم الطازجة. كما عرفت بمقاهيها التي كانت ملتقى لعدد من المغنين والموسيقيين المعروفين كالفنان (يوسف عمر) والفنان المحبوب (شعوبي ابراهيم) وغيرهما.
وإذا ما غادرنا السوق بإتجاه نهر دجلة ؛ مارين بقصر الوجيه (ناجي الخضيري) ينتصب امامنا قصر الشيخ (بلاسم الياسين) ودار الدكتور (كمال السامرائي). وكان هناك في الجانب الآخر بناية (الجمعية البغدادية) التي كانت قبل ذلك دارا للسياسي المعروف (أرشد العمري) على ما أظن. ثم يلي ذلك الشارع المؤدي الى (كلية بغداد) ودار الفنان (جواد سليم). ويمكننا ان نتجه من بناية (الجمعية) لنشاهد دارالسياسي المعروف (رشيد عالي الكيلاني). ويؤدي بنا هذا الشارع كذلك الى (ساحة الطبقجلي) والى دار المرحوم الفريق صالح مهدي عماش .

 وإذا عدنا الى بناية مسجد (أبي حنيفة) نجد هناك طريقا يحاذيها ويؤدي الى ( الجسر الخشبي) العائم. وكان الى جانب الجسر مقهى شعبي كبير يرتاده الفنانون والكتاب والشعراء وفي طليعتهم شاعر العراق الكبير ( معروف الرصافي). ونشاهد على امتداد ضفة نهر دجلة الخالد وعلى مقربة من الجسر ومقابل ما يسمى (المسناية) ؛ صف من البيوت البغدادية ذات الطراز البغدادي الجميل ؛ نذكر منها الدار العائدة الى (مجيد علاوي) والد كل من (موسى) و(محمد علي) ودار (صالح زكي) ودار اسماعيل الصفار) ؛ والد كل من (غانم) و(هاني) و دار القاضي الشهير عبد العزيز الخياط) ؛ والد كل من (يونس) و(عامر) ؛ ثم يأتي دار (الوادي). وإذا ما استمرينا في السير على طول (السدة) المحاذية للنهر نشاهد انتشار المروج والبساتين الغناء التي حوت الوان الفاكهة اللذيذة والمزروعات المألوفة. ومن المشاهد الجميلة التي تأسر القلوب انتشارمزارع الخضراوات على شاطئ النهر تتخللها (العرائش) المسماة بـ (الجراديغ) التي إتخذ الناس منها ملاذات للراحة وألإستجمام واللهو البرئ في موسم الصيف. ونجد هناك ايضا الساحة المجاورة لدار (عثمان نوري). ونحن نسير بإتجاه (الكسرة) نشاهد دارالسياسي المعروف (الدكتور فاضل الجمالي).
وتنتشر في منطقة (الكسرة) البساتين الجميلة التي تقع خلف بناية ( البلاط الملكي) الذي تحول الى مقر (للنادي العسكري). ونحن نسير بإتجاه ساحة (باب المعظم) ؛ وبمحاذاة نهر دجلة ؛ تواجهنا محلة (العلوازية اوالعيواضية) بقصورها الجميلة التى تعود الى علية القوم منذ قيام الحكم الوطني في العراق. والى جوارها تقع بناية (نادي المحامين) الذي يأمه القضاة والمحامون والكتاب والشعراء والفنانون وغيرهم. وعند نهاية محلة (العيواضية) تبدأ أبنية المجموعة الطبية وهي كلية الطب وطب الأسنان والصيدلة والطب العدلي والمختبر الكيمياوي والمستشفى الجمهوري التي كانت تسمى قبل ذلك (مستشفى المجيدية) ؛ ثم تطورت الى مدينة الطب. ونجد في نهاية (العيواضية) ايضا (مقبرة الشهداء) وبناية (السجن المركزي). كما نلاحظ في ساحة ( باب المعظم ) حدائق قاعة (الملك فيصل الثاني) التي تتصل ببناية وزارة الدفاع القديمة. لقد عاش في (مدينة ألأعظمية) أناس من شتى الطوائف والمذاهب والفئات الإجتماعية المختلفة. وكانت تسود بينهم روح المودة والجيرة الحسنة والمصاهرة المباركة. فتجد المسلم الى جانب المسيحي والى جانبهما الصابئي.

 كما تجد الوزير الى جوار الموظف البسيط ؛ والتاجر الكبير الى جانب الأجير. ان مدينتي الحبيبة؛ مدينة الأعظمية العريقة التي يعود تأريخها الى عدة قرون ؛ كانت وبحق بمثابة منزل ألأسرة الكبيرالذي يحتضن كافة افراد العائلة الواحدة ؛ حيث تسود بين أبنائها روح المحبة والتعاون والتسامح؛ وسوف تظل كذلك بالنظر لعمق جذورها الثقافية وصدق تأريخها وأصالة أبنائها الكرماء الطيبين.

تأليف : عبدالامير القزاز/ استاذ في الفيزياء/ عضو مؤسس جماعة الانطباعين العراقيين.

جمع واعداد: خالد عوسي.

مصرع الملك غازي بحادث سيارة في العام 1939 م



الله أكبر يا عرب غازي إنفقد من داره وإهتزت أركان السما من صدمته السيارة

الصورة - تشييع جثمان ملك العراق غازي بن فيصل الأول الى مثواه الأخير (المقبرة الملكية في الأعظمية ) في ٥ / ٤ / ١٩٣٩م .


الأيدي الخفية في مقتل الملك غازي :- مازال مصرع الملك غازي بحادث سيارة في العام 1939 م يحظي باهتمام المؤرخين لا سيما ان ثمة حقائق جديدة قد تكشفت إلي جانب ادلة وقرائن تشير بأصبع الاتهام نحو بريطانيا.. وضلوعها في تدبير شيء ما ضد الملك غازي .. خلعه مرة، أو تدبير حادث مرة اخري، أو ازاحته عن العرش.. ذلك بعد تمرده عليها وعدم استشارتها ليحصل علي موافقتها في العديد من القرارات التي اتخذها.. وحادث مصرع الملك كما تقول الوثائق الحكومية الرسمية كان بسبب اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه بالعمود الكهربائي في منحدر قنطرة النهر بالقرب من قصر الحارثية في الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة 3/4/1939 وقد مات في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الاربعين من الليلة نفسها متأثرا بكسر شديد للغاية في عظام الجمجمة وتمزق واسع في المخ..؟ 


الحادثة :- في الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة 3/4/1939 ..كان الملك غازي عائدا الى قصر الحارثية ..وكان معه بالسيارة الجيب الرياضية كلا من ياسين بن سلطان ومحسن بن خلف ..والذين كانا في المقاعد الخلفية للسيارة ..وكان الملك يقود سيارته بسرعة عاليه كما هي عادته ..ولما اجتازت السيارة منعطف سكة القطار الواقع بين القصرين ..اختل توازنها وانحرفت نحو اليمين خارج الطريق المعبد .. واصبحت في اراضي وعرة تغطيها الاشجار الكثيفة والسواقي واعمدة الكهرباء.. فاصطدمت السيارة بعمود الكهرباء بشدة مما نتج عنه قلع هذا العمود من الارض وسقوطه على رأس الملك ..مما تسبب في تهشم عظام الجمجمة وتمزق واسع في المخ.


تقارير الاطباء :- ويشير تقرير الاطباء الذين أجروا الفحص عليه وبينهم الدكتور (سندرسن) طبيبه الخاص والدكتور صائب شوكت إلي ان الملك فقد شعوره بعد الحادث مباشرة ولم يسترجعه حتي اللحظة الاخيرة.. وكان الدكتور (سندرسن) قد نشر مذكراته مؤخرا بعد تقاعده واشار فيها إلي تلك اللحظات الحاسمة التي واجهها في بغداد وهو يفحص الملك غازي بعد الحادث مباشرة وطلب فورا ان يساعده طبيب عراقي خوفا من اتهامهم بقتله فوقع الاختيار علي الدكتور صائب شوكت الذي افاد هو الاخر لبعض معارفه واصدقائه ان الجرح كان بليغا في جمجمة الملك حتي ان يده اخترقت العظام المهشمة؟ اما التقرير الجنائي لحاكم تحقيق الكرخ عن حادث الاصطدام فيقول انه اجري التحقيق فاتضح من شهادات الشهود الذين كانوا راكبين معه في السيارة نفسها وهم ياسين بن سلطان ومحسن بن خلف اللذين حضرا مكان الحادث ونقلا الجثة من السيارة إلي قصر الحارثية ان الشاهدين الاولين كانا في المقاعد الخلفية للسيارة وكان الملك يقود سيارته بسرعة ولما اجتازت منعطف سكة القطار الواقع بين القصرين اختل توازنها وانحرفت نحو اليمين خارج الشارع المبلط واصبحت في اراضي وعرة تغطيها الاشجار الكثيفة والسواقي واعمدة الكهرباء فاصطدمت السيارة بعمود الكهرباء بشدة اقلع من الارض وسقط علي رأسه وعليه فإن الحادث يعتبر قضاء وقدرا!.. فأغلقت الدعوي وحفظت الاوراق لعدم تحقق جرم جنائي فيها!؟.. 


قضاء وقدر ام حادث مدبر :- واذا كان كل هذا يشير إلي ان الحادث وقع قضاء وقدراً إلا ان الوثائق البريطانية التي اطلع عليها الدبلوماسي السابق والمؤرخ السيد (نجدة فتحي صفوت) تؤكد ان بريطانيا كانت تعد اجراء ما ضد الملك غازي؟... يقول السيد صفوت في بداية حديثه اذ لم يعثر علي وثيقة ما تلقي ضوءا مهما علي حادث القتل أو تتضمن دليلا علي وقوعه بتدبير بريطاني وذلك بسبب بسيط هو انه ليس من شأن امثال هذا الحادث ان تكون مدونة في وثائق أو مراسلات رسمية. ومع ذلك، فهنالك بعض الوثائق التي تحتوي علي (قرائن) معينة في هذا الشأن وهي في حد ذاتها لا تشكل دليلا ثابتا يدين الانكليز.. ولكنها تساعد علي استنتاج بعض النتائج المهمة، ويظهر من تلك الوثائق بصورة قاطعة ان بريطانيا كانت لا ترتاح إلي الملك غازي ومواقفه وتصرفاته السياسية والشخصية وقراراته السريعة في الامور المهمة بطريقة لم تتعود بريطانيا في تلك المرحلة من تاريخ العراق ان تسمح باتخاذها، من دون استشارتها وموافقتها.. ويبدو ان هذا الموقف قد تفاقم في السنوات أو الشهور الاخيرة من حكم الملك غازي الي درجة اصبحت الحكومة البريطانية تفكر معها في ازاحته بطريقة ما..؟ ويظهر من تلك الوثائق ايضا ان نوري السعيد كان مؤيدا لهذه الفكرة، وفي بعض الفقرات متحمسا لها أكثر من الحكومة البريطانية نفسها.. وهنالك ــ مثلا ــ وثيقة مهمة هي عبارة عن دراسة اعدت في وزارة الخارجية البريطانية عن الاشخاص الذين يمكن احلالهم محل الملك غازي في حالة ازاحته!! وقد اعدت هذه الدراسة في تموز (يوليو) 1936 أي قبل مقتل الملك غازي بثلاث سنوات. وهنالك تعليق دونه المستر (وارد) المسؤول عن الشؤون العراقية في وزارة الخارجية، علي تقرير بعث به السفير البريطاني في بغداد عن انقلاب بكر صدقي في سنة 1936 واثاره ونتائجه المحتملة.. وجاء في الفقرة الخامسة من هذا التعليق المطول، مايدل علي ان بريطانيا كانت تتوقع ازاحة الملك عاجلا أم آجلا.. (ان هذا التقرير يؤكد الانطباع (الذي تكون لدينا في البداية والذي سبق ايضا ان اكدته الملاحظات التي أبداها ياسين الهاشمي ونوري السعيد لدي هروبهما من العراق) بضلوع الملك غازي المباشر في التدخل العسكري، ان مستقبل الملك غازي يجب ان يعد الآن غير مضمون اكثر من أي وقت آخر، لان جماعة بكر صدقي اذا قبضوا علي زمام السلطة الكاملة فإنهم ربما سينحونه جانبا، بينما اذا عاد ياسين باشا واصدقاؤه فمن الواضح انهم سيخرجونه.. ولذلك فإن حكومة جلالته قد تواجه في المستقبل ليس فقط مشكلة العراق السياسي، بل كذلك مشكلة العائلة المالكة، وفي هذا الشأن فإننا سبق ان نظرنا بصورة مبدئية في امكانية البدلاء الذين يمكن ان يحلوا محل الملك غازي).. ومن جهة اخري هنالك تقرير (سري وشخصي) آخر كتبه السر (موريس) وهو اكثر سفراء بريطانيا نقمة علي الملك غازي، والسفير البريطاني الوحيد الذي لم يرتح إلي نوري السعيد، جاء هذا التقرير الذي كتبه (بيترسن) عن الوضع السياسي في العراق وحالة البلاط الملكي ما يأتي:- إن النقطة التي يجب علينا ان نحاول الضغط فيها علي المكابح هي فكرة خلع الملك غازي. فإني لن استبدله بعبد الاله. وانني لست واثقا بأنني اريد استبداله بزيد.
وفضلا عن ذلك، كان خلع الملك قد يحدث في هذا البلد انشقاقا مزعجا وخطيرا.. وذلك ليس لانه محبوب فقط (وان كانت ذكري فيصل عالقة في الاذهان) ولكن نوري السعيد سيكون له اعداء كثيرون خلال شهور قلائل، وان إزاحة الملك غازي قد توفر لهم مجالا أو وسيلة للتجمع، في حين ان المشكلة ستنشأ بشأن مصير الملك غازي ستكون محرجة جداً... كتب هذا التقرير في 31 كانون الاول (ديسمبر) 1938، أي قبل مقتل الملك بثلاثة اشهر فقط. وقد ذكر هذا السفير نفسه في ما بعد. في كتاب له منشور عنوانه (جانبا الستار) ما يأتي...؟ (.. وقد اصبح من الواضح ان الملك غازي يجب ان يسيطر عليه أو يخلع، وقد لمحت إلي هذا كله في زيارة توديع قمت بها للامير عبد الاله..) . ويمضي بترسن قائلا:- (... ان الحل ــ لو كنت اعلم ــ كان سيأتي بعد شهر واحد فقط، وقد كنت جالسا في فندق كوند ستابل) في (بورغورس) حين أخبرني صحفي انكليزي ان الملك غازي كان في سيارة السباق التي يقودها بنفسه كالعادة، وانه اصطدم وقتل.. حياة يرثي لها انتهت بصورة يرثي لها...

-----------------------------------------------------------------------------
 علق (عوسي الأعظمي): الملك غازي :- أصغر ابناء الملك فيصل ، وولده الوحيد . ولد في مكة المكرمة سنة 1911. جاء إلى بغداد في سنة 1923 مع أمه و اخوته . تلقى تعليمه في البداية على يد مربية إنكليزية ، ثم الحقه ابوه بكلية (( هارو )) لكنه لم يسجل ألا تقدما قليلا في دراسته ..بسبب عدم إعداده إعدادا كافيا قبل دخول المدرسة .فعاد الى العراق ، لدى عودته إلى العراق أكمل دورة الدراسة الإعدادية في الكلية العسكرية العراقية . أصبح فارسا جيدا ولكنه كان طالبا ضعيفا في العلوم العسكرية . ترك الكلية في أوائل سنة 1933 وأصبح مرافقا لوالده الملك فيصل . كان نائبا للملك خلال غياب الملك فيصل عن العراق في صيف سنة 1933 ، وعلى اثر وفاة والده الملك فيصل في 8 أيلول سنة 1933. ارتقى غازي ليصبح ملكا على العراق وكان عمره حينئذ 22 عاما ، بعد تتويجه بفترة قصيرة تزوج من عالية ، كبرى بنات الشريف ( علي ) حاكم الحجاز السابق ، واخت الامير عبد الاله ، كان مولعا بالرياضة والصيد ، وقد كانت فترة عهده فترة اضطرابات وإنقلابات عسكرية ، كثورة الفرات وإنقلاب بكر صدقي في 29-10-1936م.وقد كان على الملك غازي أن يتحمل مسؤوليات ثقيلة بالنسبة لشخص تجربته في الأمور قليلة بهذه الدرجة . ولد له ابن في مايو 1935 سمي فيصلا ، على اسم جده .
 ------------------------------------------------------------------------------
علق (موفق محمد آل شاكر) : الله يرحم ألملك غازي .. كان أبوية ألله يرحمة يقول مقولة لاءحد ألمشاهير أذا سمكتين في ألبحر تعاركت ألسبب { بريطانيا }.
-------------------------------------------------------------------------------
علق (ثامر السامرائي) : طبعا هذه المقوله ألي تفضل بيه الأخ موفق محمد ال شاكر سمعتها من زوج خالتي الله يرحمه الذي كان يعمل مع الإنكليز لأكثر من أربعين سنه في شركة النفط في كركوك وكان يردد نفس المقوله . وهذه المقوله انقالت ليس اعتباطاً.
-------------------------------------------------------------------------------
علق (ستار الأعظمي) :  دفع حياته ثمن وطنيته
 




صورة سيارة الملك غازي بعد الحادث
------------------------------------------------------------------------------
 جمع واعداد: خالد عوسي.

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...