الجمعة، 26 فبراير 2021

السياب في چرداغ الأعظمية


السياب في چرداغ الأعظمية .
المقال : بعد ثورة الشواف في الموصل عام 1959 فُصِل السياب من وظيفته ، ثم أُعيد محاضرا يدرس اللغة الإنگليزية في إعدادية الأعظمية للبنين أواخر نفس العام . يقول الشاعر خالد علي مصطفى :- كنا مجموعة من الطلاب في كلية الآداب لا نكاد نفترق ، نقرأ الشعر ونكتبه ونجتهد في أن نرسم خطى أحدث (المودات الشعرية) آنذاك ، و أظن أن لا يوجد مكابر يستطيع أن ينكر أن السياب آنذاك كان القمة التي يمثلها الشعر الحديث . وقد عرفنا أن السياب يجلس أحيانا في مقهى الچرداغ في الأعظمية . أخذنا نتحين الفرص ونذهب لنجلس فيها في الأماسي لعل الله يجعلنا نحظى بمقابلة السياب ومجالسته وكان ذلك شتاء 1960 فهل يمنحنا الشاعر بضع لحظات تكون شرفا لنا؟ . كنت جالسا في المقهى مع الصديق محفوظ البصري كالعادة ننتظر أن يهل علينا الشاعر كوحي الهي ، كان الجمر هو الذي يلعب دوره في هذه الجلسة ، العيون الأربع تتلفت يمنة ويسرة كانت مراقبتي عبثا ، لأنني لا اعرف شخصه . وكنت استفسرت من محفوظ ، هل تعرفه؟ نعم . وفي هذه الأثناء رأيت حركة غير عادية من محفوظ ، أيكون السياب قد قدم ؟ وعندما صوبت بصري إلى الباب الذي ركز محفوظ عيني عليه ، قال بانفعال ظاهر ، ها هو بدر قد جاء . أهذا الرجل القصير الضعيف؟ إنه هو ، انتظر، سأدعوه ليجلس معنا . وفجأة برزت الصورة المنزوية في قعر ذاكرتي التي كنت قد لمحتها مارة من أمام مكتبة فيصل حمود في البصرة. هذا هو الشاعر بدر شاكر السياب الذي أحلم بلقائه انه الآن أمامي لحما ودما . عندما دعاه محفوظ للجلوس معنا لبى الدعوة وعندما عرف منه أنه شقيق الشاعر الناقد عبدالجبار داود البصري ، استأنس بنا أكثر لأنهما كانا على صحبة وثيقة في البصرة عندما استفسرنا منه عن آخر القصائد التي كتبها ، أخبرنا أنه كتب شعرا كثيرا ، وبعد اقل من خمس دقائق طلب منا السماح بالمغادرة ، لأن لديه أعمالا خاصة ، وعندما طلبنا منه موعدا آخر قال بلهجة عامية طفولية :- انتو تعالوا هنا اگعدوا و آني من أشوفكم أجي عليكم . أيمكن أن يقول السياب ، هذا الشاعر العظيم ، مثل هذا الكلام العادي؟ ما ابعد الخيال عن الواقع . إن الذي أحسست به بعد هذه المقابلة القصيرة أن الصورة التي رسمتها في ذهني له قد زال معظمها ، لقد بدا السياب إنسانا عاديا لا يختلف عنا نحن البشر العاديين . أليست هذه خيبة أمل ؟ ومع ذلك، فحرارة الخيال مازالت تلعب دورها. وقد اعتبرنا مجيء السياب و الجلوس و الحديث معنا بهذه البساطة فضيلة نادرة . في مقهى (الجرداغ) توطدت أواصر الصداقة بيننا، وقرأ لنا آخر شعره الذي كتبه آنذاك كقصيدة (العودة إلى جيكور) و (مدينة السندباد) و(مرحى غيلان) و ( سبربروس في بابل) و (وجيكور تموز) وهذه القصائد كانت تمثل تجربته مع حكم عبدالكريم قاسم وماجره عليه من طرد من الوظيفة. لقد كان يحمل رحمه الله ردودا عنيفة ضد الواقع. ويتحدث د. جليل العطيه :- تأبط الديوان الضخم فرحاً وسرنا إلى باب المعظم حيث امتطينا الباص الأحمر المتجه إلى الأعظمية .. صعدنا إلى الطابق العلوي ، فتح بدر الديوان وراح يقرأ بصوت عال قصيدة مابال عينيكَ لذي الرمة .. كان في الباص عدة صبايا اندهشن وتضاحكن وهن يستمعن إلى السياب يحدو . .
ويذكر السيد باسم عبد الحميد حمودي :- كنت خلالها صديقاً لبدر التقيه دوماً في المقاهي العابرة وفي ملحق جريدة (الشعب) الأسبوعي مطلعاً على بعض خفايا حياة بدر حتى ذهابنا سوية الى بيت الجواهري في الأعظمية بمشاركة فؤاد قزانجي وعلي الحلي ونزار عباس وعبد الله نيازي, بعد حركة 14 تموز للإعداد لتأسيس اتحاد الأدباء العراقيين. ويتطرق الأستاذ عبد الوهاب الشيخلي قائلاً :- وكان آخر لقاء لي معه في بغداد في منطقة الأعظمية (ساحة عنتر) وبعد أن تبادلنا التحية نصحني ألا أنتمي لأي حزب من الأحزاب, قال ذلك بلهجة عراقية بغدادية!! واكتفيت بالصمت ..وعدم الرد عليه.

 

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...