الجمعة، 1 يوليو 2022

(وليديات) وليد الأعظمي


(وليديات) وليد الأعظمي .
الصورة : من اليمين ، الإعلامي عامر الكبيسي ، وفي الوسط الأستاذ وليد الأعظمي ، ومن اليسار الدكتور حسن علاوي السامرائي رحمه الله . عام 1997م .
المقال : تعرفت على الموسوعي (وليد الأعظمي1930-2004م) قبل أن أراه ، فقد كنت أسمع والدي (عوسي الأعظمي 1913-1993م) يتحدث عنه كثيراً ، فالعلاقة بينهما كانت حميمة وثيقة وطيدة ، إجتماعية ورياضية وأدبية ، فمن الناحية الإجتماعية فهما من أبناء منطقة الشيوخ في الأعظمية وتربطهما علاقة صداقة حميمة رغم فارق العمر بينهما ، وكان وليد الأعظمي يحفظ ويجمع كل شاردة وواردة من طرائف ونكات عوسي الأعظمي ، مع إضافة المقالب المتبادلة بين عوسي وأصدقائه . وكان يحدث الناس بها في مجالسه . وكنت من المستمعين لها عند حضوري لبعض هذه المجالس . فقد كنت من المواظبين على حضور مجلس يوم الأربعاء في مكتبة حمدي الأعظمي فترة التسعينات تقريباً ، فبعد قراءة ما تيسر من القرآن يبادر وليد الأعظمي بسرد إحدى هذه الطرف التي كان يضع عليها بعض الإضافات ويرفع منها بعض الألفاظ ليتلقاها المستمع على أمتع وأفضل وألطف ما يكون . وكذلك يختلق بعض القصص المرحة ويجعل بطلها غالباً عوسي الأعظمي ، حتى عرفت هذه الطرائف بين أهل الأعظمية (الوليديات) . ومن الناحية الرياضية فقد تأثر وليد الأعظمي بعوسي حاله حال كل الرياضيين في منطقة الأعظمية ، فقد أدركه وهو يعلم الصبيان السباحة على نهر دجلة وأدرك الجفرة التي كان يدرب بها المصارعين وأدركه وهو ينظم السباقات في كافة الألعاب الرياضية ، مما حدا بوليد أن يجلب الرياضيين ذوو التوجه الإسلامي ويجمعهم في نادي التربية . ومن الناحية الأدبية ، فقد كان وليد الأعظمي ومن قبله خاله مولود أحمد الصالح يكتبان لعوسي المقالات الرياضية في الصحف والمجلات ، فقد كان عوسي أمياً لا يعرف القراءة والكتابة ، ويقوما بمراسلة أبطال العالم البارزين في أغلب الألعاب . أدركته في الثمانينات وهو يرتاد مقهى 7نيسان (مقهى بيت عماد) في شارع عشرين القريب على بيته ونحن نلعب الشطرنج ونراقبه ، عندما يكتب لا يجلس مع أحد ، فهو مشغول بكتابة إحدى مؤلفاته على طاولته الخاصة في الوسط عند مؤخرة المقهى . عاصرته وفترة الوئام والخصام مع الشيخ الدكتور محروس المدرس في منتدى الإمام أبي حنيفة  . وبعد حادثة السير التي تعرض إليها عند ذهابه الى الأردن في التسعينات ، وبعد فترة العلاج أصبحت العصا رفيقته التي يتكأ عليها في حله وترحاله . وكنت أحضر له في تلك الفترة ، مجلس أدبي شبه يومي في ساحة وقوف السيارات مقابل جامع أبو حنيفة من جهة محلة الشيوخ ، يحضره الصفوة المنتقاة من مدينة الأعظمية . كانت له همة في الدعوة والإرشاد وإفتتاح المساجد في كل محافظات العراق . وقد صحبته في إفتتاح أكثر من مسجد ، فقد تشرفت بصحبته عند إفتتاح مسجد في شهربان ومسجد في ذراع دجلة في التسعينات من القرن الماضي ، وكان الإستقبال في كل مرة من أهالي المنطقة ووجهائها على أفضل مايكون . وكنت أستمع إليه وهو يُقدم لإلقاء كلمة في أي تجمع أو مجلس يحضره ، وكان غالباً مايلبي الدعوة الى مأدبة طعام ، حتى يتصدر بعدها المجلس ويتكلم . ومن أبرز كتاباته التي تأثرت بها ، في مجال التاريخ كتاب تاريخ الأعظمية وكتاب أعيان الزمان وكتاب مواقف وذكريات وسلسلة تاريخ بعض الصحابة والسيف اليماني مع ديوان شعره . وعن دعوته وتربيته من خلال جلساته في الأماكن العامة والخاصة ، فقد كان إسلوبه في الدعوة والتربية يتأقلم مع المستوى الثقافي العام ، حتى يفهمه العالم والعامل ، بإسلوب سهل ممتنع تتخلله بعض الطرائف . وعن نظرتي اليه كشاعر للدعوة الى الله ؛ فقد كان شعر وليد الأعظمي ولا زال إنموذجاً حياً في سبيل الدعوة الى الله ، فقد تصدى من خلال شعره الى الكثير من الإنحرافات في العقيدة ، ووقف شامخاً ليتصدى لكل ما يعادي دين الله ، وخصوصاً بعد أن إجتاحت وتمكنت الأفكار الشيوعية بعد إنقلاب تموز 1958م ، مما أدى الى سجنه وإعتقاله لأكثر من مرة . وعن الجانب الذي أعجبني فيه ؛ فعلى الرغم من كونه لم يتعلم تعليماً أكاديمياً عالياً إلا أنه فاق الكثير ممن يحملون تلك الشهادات في الأدب والتاريخ والشعر والخط ، بل وأصبح أستاذاً لهم وشاعراً معروفاً على مستوى لعراق والعالم العربي ، وخصوصاً في الأردن واليمن . أما عن تأثيره في مسيرتي وشخصيتي الدعوية والتربوية ؛ تعلمت منه كيف أدعو من أحب بما يُحب ، ففي إحدى الجلسات الخاصة التي حضرتها له في بيت أحد الأصدقاء ، تكلم عن دخول الإسلام الى مجاهل أفريقيا ، وكيف تمكنت فرق الصوفية المعتدلة من نشر الإسلام هناك ، حيث وجدوا أن تلك القبائل البدائية تعشق الرقص والنقر على الطبول ، مما سهل على هذه الفرق من نشر الإسلام بينهم من خلال الدفوف وبعض حركات الجسم والأذكار . زرته قبل وفاته بعدة أيام برفقة الدكتور (هشام الحداد) وكان في إستقبالنا وضيافتنا إبنه الأصغر الدكتور (مكي وليد) وجلسنا مع الأستاذ وليد الذي ظل صامتاً  لا يتكلم بسبب الجلطة الدماغية التي مات على أثرها فيما بعد رحمه الله . كان ينظر إلينا مستأنساً بنا ومرتاح لوجودنا على الرغم من سوء حالته الصحية ، فإنه لم يستطع التعرف علينا ، فقد كنت أنظر إليه وهو يطلب بالإشارة من إبنه مكي أن يكتب على الورقة أسماء الزائرين عسى أن يتذكرهم . خرجنا من عنده مدركين أنه اللقاء الأخير . لم يفصل بين وفاة الأستاذ وليد الأعظمي ووفاة الملا جبار (أبوعايشه) غير يوم واحد . دفن أبو عايشه رحمه الله من قبل بعض الأقرباء والمحبين في مقبرة محمد سكران ، أما وليد الأعظمي رحمه الله فقد دفن في مقبرة الخيزران بتشييع مهيب من جماهير أهالي الأعظمية تتقدمهم الدفوف ولفيف من الأساتذة والعلماء والشيوخ ، وأقيم له مجلس العزاء في جامع الإمام الأعظم لمدة ثلاثة أيام  
 بقلم 


 

مقامات شعوبي

 

المقال : مقامات شعوبي.
الأستاذ شعوبي أديب موهوب بالفطرة ، وقد نشأ مع أتراب له ذوي نزعة أدبية وفنية ، مثل (مولود احمد الصالح) و(حيدر العمر) والأستاذ (عبد الرحمن الريس) والمحامي (عبد الباقي العمر) و(المحامي عبد الملك إبراهيم) رحمهم الله وغيرهم ، وهو ذكي سريع الحفظ ، وقد نظم في شبابه بعض المسرحيات الهزلية ، بالمشاركة مع زميله مولود ، وصنعا لهما مسرحاً صغيراً في (بيت الحاج أحمد الصالح) وقاموا بتمثيل عدة مسرحيات . وشعوبي شاعر مطبوع ، ذو خيال واسع ، وصور فنية بارعة ، وهو ينظم القريض بكل أوزان العروض ، ومشتقاتها ، وينظم الموشحات والدو بيت ، ويجيد التخميس والتضمين ، ويبدع في الأراجيز ، كما أنه ينظم الشعر الشعبي (الزجل) من المربع وغيره ، وينظم الزهيري (الموال) والأبوذية والعتابة ببراعة تامة وإبداع في الجناس . وللأستاذ شعوبي قابلية طيبة في النثر ، وله سجع مستملح مرغوب ، وأنشا في شبابه بعض (المقامات) وأغلبها على سبيل الدعاية والمزاح مع أصحابه وأقرانه . وللحقيقة ان شعوبي ألف كتابه (المقامات) 1961م في (مقهى عباس) بالأعظمية ، كان ينشيء كل يوم مقامة او مقامتين ، يمليها إملاء ، فيها سجع أدبي ، وفيها معلومات قيمة عن الأنغام والألحان والمقامات العراقية ، ولم يرجع فيها الى مصدر يعتمد عليه ، سوى حفظه للأشعار ، ولكنه جعل في آخر الكتاب قائمة بالمصادر ، وكل إفادته منها هي تحديد تواريخ وفيات الأعلام الوارد ذكرهم في الكتاب أو الأشارة الى أرقام الصفحات في دواوين الشعراء الذين ذكر لهم بعض الأبيات أمثال ، المتنبي والرصافي وشوقي وغيرهم . وأغلب قصائد شعوبي في الأخوانيات ، ومداعبة أترابه ، وتعزية بعضهم في الرسوب أثناء الدراسة ، وكان يلمع شعره بألفاظ عامية أو إنجليزية وهندية وفارسية وكردية . فتقع تلك الألفاظ الغريبة كالشذرات البهية في أبياته . ولو أنه حمل نفسه على الجد والمداومة في نظم الشعر في شتى أغراضه ، لكان من كبار شعراء العراق . وشعوبي لا يكتب قصائده ولا يحتفظ بها ، بل ينشدها في المقهى أو الچرداغ أو مجلس من مجالس أصدقائه ، ويعطي القصيدة لمن يطلبها منه ولايسأل عنها بعد ذلك . ذكرنا أن شعوبي كان ذكياً قوي الذاكرة وكان في صباه وشبابه ، يكتفي بتقرير المعلم أو المدرس في الصف ، ولا يراجع كتب الدراسة ، ولا يقرأ إلا في أيام الإمتحان ، وحتى في أيام الإمتحان لا يقرأ ، والكل أيام الإمتحانات يخرج الى الحقول والبساتين في (شارع عمر بن عبد العزيز) للمطالعة ومراجعة الدروس ، وشعوبي منشغل بأكل المشمش والتوت والسباحة في الساقية ، ويذهب مع أترابه ويعود دون مراجعة ، بل كان يلهي أصحابه بطرائفه ونوادره وغنائه ، وعذره في ذلك ، أن كتبه ممزقة وناقصة من أولها وآخرها، لأن يده تعرق وتبلل صفحات الكتاب ، فيخلعها ويرميها وهكذا حتى يطير الربع الأول والربع الرابع من كل كتاب ، يضاف إلى ذلك أن كتب شعوبي مملوءة في حواشيها بالأشعار والأبوذيات 
والموالات ، فإذا فتح كتابه للمطالعة ، فإنه ينصرف الى مراجعة الأشعار ولا ينصرف إلى مراجعة المادة العلمية 


أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...