الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

رثاء السندباد



المقال / رثاء السندباد.
الصورة : (سينما السندباد/الأورفلي سابقاً) صاحبها السيد (ضياء سامي الأورفلي ) إبن عم الفنانة التشكيلية (وداد الاورفلي) أُنشأت مكان (مقهى الأورفلي) و هنا تعرض الفلم الأمريكي ليلة كازانوفا الكبيرة (Casanova's Big Night) منتصف السبعينات ، الفلم من إنتاج بول جونز سنة 1954 وهو فيلم فكاهي من اخراج نورمان مكليود وتمثيل بوب هوب وجوان فونتين، يحكي الفيلم قصة الخياط الذي ينتحل شخصية جياكومو كاسانوفا، العاشق الكبير. وهو محاكاة ساخرة للفرسان الثلاثة (المتعنترون) الذين تم تجسيدهم في مجموعة من أفلام المغامرة التاريخية. وقد ضم الفيلم أيضا كلاً من أودري دالتون وفنسنت برايس الذي ظهر على انه كاسانوفا الحقيقي .
عشقت السينما منذ طفولتي ، فكنت غالباً ما أرتاد (سينما الأعظمية) مع أصدقائي كل يوم إثنين و خميس عند نزول الفلم الجديد، لكننا لم نكتفي بما تعرضه لنا هذه السينما من أفلام ، لذلك حرصنا على مشاهدة الأفلام في سينمات (شارع الرشيد) و (الباب الشرقي) و (شارع السعدون) وفيما يخص سينما السندباد ، فقد كانت لهذه السينما ذكريات جميلة ، من خلال كثرة إعادة فلم (القرصان الأحمر) و تميزها بكثرة عرض الأفلام الهندية ، والتي شاهدنا منها الكثير ، مثل فلم (اليتيم) و (الشعلة) و (قربان) و غيرها العشرات ، ولا أنسى مأكولات (أبو يونان)والتي تقع في الجهة المقابلة من السينما ، فقد كنا لا ندخل السينما إلا و معنا الكثير من لفّات الهمبرگر اللذيذة . يقول الكاتب و المترجم (صادق باخان) :- هل يعقل ان بغداد تصبح خاليه من دور السينما وهي موجودة كبنايات بعدما كانت تزدهر منذ السنوات الممتدة من العهد الملكي الى العهود الجمهورية . دعونا نذهب في نزهة بشوارع بغداد لننعش بها ذاكرة من تقدم بهم العمر وفي قلوبهم حنين الى الماضي في رومانسية عذبة . وقبل ذلك اسمحوا لي ان ابدا حديثي بهذا الايقاع الجنائزي وهو ليس بعيدا عن جوهر الموضوع .... ضاقت به سبل العيش وهو من عائله معدمة وعاطل عن العمل وهارب من اداء الخدمة العسكرية فكيف بمستطاعه الحصول على جواز سفر ليسافر به الى ارض الله الواسعة ولم يكن ينتمي الى حزب سياسي وانما كانت الثقافة حزبه . وتمكنت جماعه معينة من تهريبه الى (بيروت) مشياً على الأقدام عام 1968 حيث عمل في مجلة الشعر مع الشاعرين “أودونيس وانسي الحاج” وهناك التقى بامرأة اميركية متقدمة في العمر واشترطت عليه ان يتزوجها لتنقله الى اميركا وهكذا صار فألقى مرساته في خليج سان فرانسسكو لولاية (كاليفورنيا) ولما استيقظ من اوهامه بشأن اميركا راح الندم يكسر عظامه وكان في حينها يتابع اخبار بغداد وما اصاب الثقافة والمؤسسات الثقافية من دمار وانحطاط وتساءل في احدى قصائده هل صحيح انهم هدموا دار السينما السندباد ؟ هذا لأننا كنا انا وهو نرتاد هذه الدار لعرضها اروع الافلام . من هذا الانسان الذي عاش حياة حافلة بالأحزان والخسارات ؟؟؟انه الشاعر الصديق الراحل (سركون بولس 1944 الحبانية -2007 برلين) .
قالوا لي…
إنهم هدموا سينما السندباد!
يا للخسارة.
ومن سيُبحر بعد الآن؟
من سيلتقي بشيخ البحر؟
هدموا تلك الأماسي؟
حجرًا على حجر؟
قمصاننا البيضاء، صيف بغداد
حبيباتنا الخفراوات حتى
التجلي…
سبارتاكوس، شمشون ودليلة
فريد شوقي، تحية كاريوكا،
ليلى مراد؟
وهل يمكننا أن نُحبّ الآن؟
كيف سنحلمُ بعد اليوم
بالسفر؟
إلى أي جزيرة؟
هدموا سينما السندباد؟
ثقيلٌ بالماء شعرُ الغريق
الذي عاد إلى الحفلة
بعد أن أطفؤوا المصابيح
وكوموا الكراسي
على الشاطئ المقفر
وقيّدوا بالسلاسل أمواجَ دجلة . إقتباس بتصرف خالد عوسي الأعظمي 

الأحد، 25 نوفمبر 2018

ومضى قطار العمر




المقال : و مضى قطار العمر .
حجز الباشا (نوري سعيد) رئيس وزراء العراق (ڤارگون) عربة قطار صالون ، للقيام بسفرة خاصة غير رسمية من بغداد الى البصرة ، و كانت أجرة العربة حينذاك (15) دينار ، لم يجرؤ مدير المحطة الى مطالبة الباشا بالمبلغ المذكور ، مما حدا به الى تحرير فاتورة الى السيد (موفق القشطيني) مدير في السكك يبلغه بذلك (حتى يخرج المبلغ من ذمة مدير المحطة) ، و هنا أيضاً أصبح المدير (موفق) في حرجٍ شديد حول كيفية إسترداد المبلغ من الباشا ، فإن لم يفعل فسيكون هنالك نقص في حسابات المديرية ، يتحمل تبعتها هو . رجع المدير الى البيت و هو حزين مرتبك لا يعرف كيف يتصرف . فلما رآه والده (القشطيني) مهموما و عرف السبب ، قال له ، إليك الحل . إفعل كما فعل بك مدير المحطة ، و إبعث بالفاتورة الى مجلس الوزراء . أعجبته فكرة أبيه و قام باللازم . و بعد أيام رجع المدير الى البيت مبتسماً سعيدا و أبلغهم بما حدث . فقد دفع الباشا نوري سعيد الصك من حسابه الخاص و إستلمها (موفق) بنفسه من !!عنده و بتوقيعه !!! . و هكذا ... مضى قطار الخير
 . ( خالد عوسي الأعظمي ) . 

السبت، 24 نوفمبر 2018

أحبك يا أعظمية





المقال : أحبك يا أعظمية 


الصورة : المراحل الأخيرة من توسيع جامع الإمام الأعظم منتصف السبعينات  

انا بغدادي اصيل من عائلة كرخية عريقة عمرها الموثق 400 سنة في الكرخ . كرخي الاصل والولادة . انتقلت العائلة عام 1939 الى الاعظمية بسبب امتلاك البيت لغرض اقامة الجسر الذي ما يسمى اليوم بجسر الشهداء .كان عمري اقل من عام فبدأت انمو واكبر في الاعظمية والان عمري ثمانون عاما وانا اعيش في الاعظمية افلا يعني ذلك انني احب الاعظمية وانني افضلها على كل احياء بغداد بما فيها كرخنا العريق . كانت بغداد قبل ذلك محصورة بجانبيها بين البابين اي الباب الشرقي جنوبا وباب المعظم شمالا وطبيعي كان مايقابل البابين في جانب الكرخ مشمولا بهذا النطاق . وحين بدأت تتطور بغداد ما بعد نهاية الحكم العثماني بدأ اليهود والنصارى يتجهون نحو الجنوب خلف الباب الشرقي اما مسلموا بغداد فبدأوا يتجهون نحو الشمال باتجاه ما خلف باب المعظم فبدأت احياء جديدة في الظهور شمالا وجنوبا . كانت الاعظمية مدينة حضرية صغيرة يسكنها لفيف من عشيرتي العبيد والنعيم جاء بهما السلطان العثماني مراد الرابع بعد فتحه لبغداد المحتلة من قبل الحكم الصفوي في ايران وهدفه كان حماية قبر الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان بن ثابت الكائن في مقبرة العجم المنعزلة عن بغداد المنصور التي بنيت عام 145 للهجرة ..وفي العهد العثماني كانت مجموعة من البساتين تفصل بين بغداد والاعظمية اهمها بستان الخفاجي وبستان ال نجيب باشا وبستان الدفاعي وبستان الدركزلي وبستان الرزنلي وبستان البغدادي وبستان ال رئيس الكتاب والجوربه جي...ان اول حي انشئ خارج السور والباب باتجاه الاعظمية كان حي العلوازية ثم جاء بعده حي نجيب باشا المسمى بشارع طه وهو يشكل بداية الاعظمية الحالية وتفصل بينهما قرية صغيرة يسكنها بعض الزرّاع من عشائر العبيد وخفاجة وسميت بالكسرة وامتد العمران باتجاه قبر الامام الاعظم فتأسست شوارع جديدة كالحريري وسيف الاسلام وعقمان نوري وعمر بن عبد العزيز وكذلك احياء جديدة كهيبة خاتون وراغبة خاتون والصليخ وامتلأت الشوارع والاحياء بالقصور الفخمة وحدائقها وبالبيوت الجميلة صغيرة وكبيرة وبالاسواق والمحلات التسويقية . في البدء بدأت بعض العوائل الارستقراطية البغدادية ببناء القصور الفخمة والانتقال للسكن فيها كناجي الخضيري وكامل الجادرجي وطه الهاشمي والحاج محمد صالح البغدادي وعبد الهادي الجلبي وسامي سليمان وجمال بابان وعبدالله الدملوجي وعائلة محمد فاضل باشا الداغستاني وعزت كركوكلي زادة وابراهيم الاوي ومصطفى العمري ومحمد فاضل الجمالي وعبد المجيد محمود وعبد العزيز البغدادي ومحمد حسن البغدادي وجودي البغدادي وعبدالله لطفي وحكمت سليمان ورشيد عالي الكيلاني وعبد الوهاب باشا الشركسي ونور الدين محمود ومحمد جعفر ابو التمن وعبد الامير علاوي وعائلة الجوربه جي وغيرهم الى جانب جمهرة من كبار الموظفين والضباط بعد ذلك بدأت الطبقة المتوسطة من موظفين وتجار وطبقة المثقفين من شعراء وادباء واساتذة وكتاب ومهندسين ومعماريين وكبار الفنانين بالانتقال الى الاعظمية والسكن فيها حتى اصبحت الحي او المدينة التي يتسم اهلها بالوعي والثقافة والابداع والاناقة . منطقة مزدهرة بحدائقها انيقة بمقاهيها تزهو بصباياها وشبابها لها طعم مميز ورائحة مميزة وجو مميز ورب سائل يسألني لماذا تحب الاعظمية ؟ اجيبه بأنه يجب ان يسأل الملك فيصل الاول لماذا اختار قصر شعشوع الكائن في الكسرة سكنا له ولماذا اختار البلاط الملكي في الاعظمية ولماذا أسس أول جامعة فيها وحتى قبره اختاره في الاعظمية وفيصل الاول هو باني العراق ومؤسسه ....ليسأل السائل لماذا اختار الشريف حيدر الاعظمية ليشيد فيها معهد الفنون الجمبلة وخالد الجادر الذي اختار الاعظمية لتكون مقرا لاكاديمية الفنون الجميلة ولماذا اختيرت الاعظمية لتكون اول مقر لجامعة بغداد وكل مباني الكليات ولماذا اختير اول نادي ملكي رياضي اجتماعي في ساحة عنتر وبني اول ملعب رياضي في الاعظمية ولماذا بنيت ثانوية كلية بغداد وجامعة الحكمة والمعهد البريطاني في الاعظمية . لقد تكون وعيي السياسي في الاعظمية وبدأت ملكتي الشعرية تتفتخ في الاعظمية وتزوجت في الاعظمية وجاء اولادي الثلاثة في الاعظمية واحلى واوفى اخوتي واصدقائي في الاعظمية ، فهل بعد ذلك كله يسألني السائل لماذا احبك يا اعظمية ؟


 مقال من تأليف :  د. طالب البغدادي 
منقول بتصرف خالد عوسي الأعظمي .

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...