الأربعاء، 27 يناير 2021

نوري سعيد وخطيئة حلف بغداد

 



المقال : نوري سعيد وخطيئة حلف بغداد .

 كان نوري السعيد عسكري وسياسي بارع، وكان يعد من أقطاب وأساطين السياسة العراقية والعربية، وأصبح الدبلوماسي الأول والأكثر شهرة في العراق والعالم العربي، وقد ساهم في تأسيس عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة، كما كان له دور بارز في تأسيس جامعة الدول العربية ودخل في صراع مع مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر في محاولته لترؤسها وتأسيس مقرها في بغداد. 

نوري السعيد كان دبلوماسيًا مناورًا من الطراز الأول، ومؤمنًا بمبدأ “خذ وطالب” وصاحب رؤية واقعية واضحة كانت تتقاطع في الكثير من الأحيان مع سياسات الإنجليز ومخططاتهم، فكان يميل إلى مهادنتهم والاصطفاف معهم رغم حسه الوطني الجارف، إذ كان يعتقد بأن بريطانيًا لا تزال تؤلف قوة عالمية مؤثرة وأنه لابد للعراق أن يعتمد على دولة كبرى لردع أعدائه. كان نوري السعيد يبحث عن صيغة تحفظ للعراق الوليد سيادته وسلامة أراضيه، وتحميه من الخطر والمد الشيوعي الزاحف الذي كان يتخوف منه، والهجوم السوفييتي الموهوم الذي كان يتوقعه، وكان يسعى للارتباط بعلاقات حسن جوار وتحالف مع جارتيه تركيا وإيران؛ دفعًا لأطماعهما وادعاءاتهما التاريخية ببعض المناطق الحدودية مع العراق، تلك كانت بعض الدوافع والمبررات التي دفعت نوري السعيد إلى التقاط واحتضان فكرة أو مشروع “حلف بغداد” وحماسه المفرط للانضمام إليه، حيث ظن أنه وجد ضالته فيه، فقد رأى أن هذا الحلف سيضم في البداية إلى جانب العراق 3 دول إسلامية كبرى هي إيران وتركيا وباكستان بالإضافة إلى بريطانيا العظمى وبرعاية الولايات المتحدة الأميركية التي طرحت الفكرة في الأساس العام 1953 فيما عُرف بمشروع “الحزام الشمالي”؛ ليكون حلقة متممة للأحلاف التي استهدفت تطويق المعسكر الاشتراكي، ولاسيما الاتحاد السوفياتي السابق. كان نوري السعيد على قناعة راسخة بأن انضمام العراق للحلف من شأنه أن يعزز موقع العراق على الصعيد الدولي ويضمن تدفق المساعدات العسكرية الغربية له وللعرب عامة، كان قلقًا من ضعف العراق عسكريًا ومدركًا لحاجته إلى التسلح وإعادة بناء الجيش وفق الأساليب الحديثة، وأن موارد العراق الاقتصادية لا تسمح بذلك، أما إذا نجح في دفع الأقطار العربية الأخرى في الاتجاه نفسه فان ذلك قد ينال بشكل أو بآخر من حظوة الكيان الصهيوني لدى الغرب. وقد تم الإعلان عن تأسيس حلف بغداد في 24 فبراير 1955، وكان جواهرلال نهرو رئيس وزراء الهند من أوائل من عارض فكرة الحلف؛ لأن ذلك سيمد الباكستان بالكثير من عناصر القوة والمنعة، وشاركه في الاعتراض الرئيس جمال عبدالناصر لأسباب أخرى منها أن هذا الحلف يهدد الوحدة العربية، وتم الاتفاق بينهما على سحب البساط من تحت أقدام نوري السعيد بتأسيس منظومة بديلة باسم “حركة عدم الانحياز” يكون عبدالناصر من بين من سيتربع على رأسها، وانضم إليهما صديق الاتحاد السوفيتي الزعيم الاشتراكي اليوغسلافي الماريشال جوزيف بروس تيتو للمشاركة في حملات التصدي للحلف ولنوري السعيد. 

وبالفعل أدركت إسرائيل خطورة مبادرات وإستراتيجيات نوري السعيد على مصالحها، وأعلن رئيس وزرائها دافيد بن جوريون أن “مبادرة الغرب إلى عقد اتفاق المساعدات العسكرية، وتنظيمات الدفاع، مع الدول العربية، قد أخلت بالتوازن السياسي، في منطقة الشرق الأوسط، في غير مصلحتنا، وأضر بمصالحنا، وزادت من الأخطار المحدقة بسلامتنا”. شنت إسرائيل حملة مركزة ضد نوري السعيد وحلف بغداد، إلى جانب الحرب الإعلامية الشرسة التي شنها الرئيس جمال عبدالناصر ضدهما من خلال خطاباته التعبوية المؤثرة وباستخدام محطة “صوت العرب” النافذة ومذيعها العنيف أحمد سعيد بأسلوبه التحريضي اللاذع، واصطفت الدول العربية كلها وراء عبدالناصر في هذه الحرب، فسقط الحلف واغتيل نوري السعيد وسُحلت جثته في شوارع بغداد في 15 يوليو 1958. وضاع العراق بعدها، وتوسعت إسرائيل وتوثقت علاقتها بالغرب وألحقت هزيمة مؤلمة بمصر في حرب العام 1967، ولم تتحقق الوحدة العربية! هل كان نوري السعيد خائنًا وعميلًا للبريطانيين كما اتهمه أعداؤه ومناوئوه؟ أم كان سياسيًا محنكًا صاحب رؤية ثاقبة ملتزمًا بقناعاته ومتمسكًا بمبادئه ومخلصًا لقضايا وطنه وأمته . 

مقال من تأليف: عبدالنبي الشعلة .

إقتباس بتصرف خالد عوسي الأعظمي


الثلاثاء، 19 يناير 2021

شُبْهَة تَبَرُّكُ الشَّافِعِيِّ بِقَبْرِ أَبِي حَنِيفَةَ




الصورة : جامع أبو حنيفة عام ١٨٨٠م تقريباً ، وتظهر على يمين الصورة القلعة التي بناها السلطان مراد الرابع بعد إستعادته لبغداد من أيدي الصفويين عام ١٦٢٤م .      
المقال :شُبْهَة تَبَرُّكُ الشَّافِعِيِّ بِقَبْرِ أَبِي حَنِيفَةَ
 أخرجَ الخطيبُ البغدادي في " تاريخ بغداد " (1/123) بسنده فقال :- أخبرنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الصيمري ، قال : أنبأنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال : نبأنا مُكرم بن أحمد قال : أنبأنا عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال :سمعت الشافعي يقول : إني لأتبرك بأبي حنيفة ، وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائراً - فإذا عرضت لي حاجة صليتُ ركعتين وجئت إلى قبره ، وسألت الله تعالى عنده ، فما تبعد عني حتى تُقضى. • كذَّب شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية القصة ورد على ما جاء فيها فقال في " اقتضاء الصراط المستقيم " (2/692): " : أنه من الممتنع أن تتفق الأمة على استحسان فعل لو كان حسناً لفعله المتقدمون ، ولم يفعلوه ، فإن هذا من باب تناقض الإجماعات ، وهي لا تتناقض ، وإذا اختلف فيها المتأخرون فالفاصل بينهم : هو الكتاب والسنة ، وإجماع المتقدمين نصاً واستنباطا فكيف – والحمد لله - لم ينقل عن إمام معروف ولا عالم متبع . بل المنقول في ذلك إما أن يكون كذبا على صاحبه ، مثل ما حكى بعضهم عن الشافعي أنه قال : ...فذكره أو كلاما هذا معناه ، وهذا كذلك معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل ، فإن الشافعي لما قدم بغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ، بل ولم يكن هذا على عهد الشافعي معروفا ، وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين ، من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء . فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده . ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد وطبقتهم ، ولم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة ولا غيره . ثم قد تقدم عند الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية الفتنة بها ، وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه . وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف ،ونحن لو روي لنا مثل هذه الحكايات المسيبه أحاديث عمن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم لما جاز التمسك بها حتى تثبت ، فكيف بالمنقول عن غيره ؟ ا.هـ. • وقال الإمامُ ابنُ القيمِ في " إغاثة اللهفان " (1/246) : والحكايةُ المنقولةُ عن الشافعي أنه كان يقصد الدعاءَ عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر .ا.هـ. • وقال المعلمي في " طليعة التنكيل " ( ص58 - 60) بعد أن بين ضعف سندها ، وفصل فيه : هذا حال السند ، ولا يخفى على ذي معرفة أنه لا يثبت بمثله شيء ، ويؤكد ذلك حال القصة ، فإن زيارته قبر أبي حنيفة كل يوم بعيد في العادة ، وتحريه قصده للدعاء عنده بعيد أيضا ؛ إنما يعرف تحري القبور لسؤال الحوائج عندها بعد عصر الشافعي بمدة ، فأما تحري الصلاة عنده ، فأبعد وأبعد .ا.هـ. • وقال العلامة الألباني عن سند هذه القصة في الضعيفة (1/31ح22) : فهذه رواية ضعيفة بل باطلة فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف وليس له ذكر في شيء من كتب الرجال ، ويحتمل أن يكون هو " عمرو - بفتح العين - بن إسحاق بن إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسي وقد ترجمه الخطيب وذكر أنه بخاري قدم بغداد حاجا سنة 341هـ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال ، ويبعد أن يكون هو هذا إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة 247هـ على أكثر الأقوال فبين وفاتيهما نحو مائة سنة فيبعد أن يكون قد أدركه. وعلى كل حال فهي رواية ضعيفة لا يقوم على صحتها دليل . وقد رد الألباني على الكوثري في نفس الموضع فقال :- وأما قول الكوثري في مقالاته: وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح. فمن مبالغاته بل مغالطاته ا.هـ. منقول بتصرف خالد عوسي الأعظمي .

 

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...