الجمعة، 23 مايو 2014

الباشا وسباق الخيل



 صورة للباشا في شمال العراق

في 2 حزيران 1931 شرعت وزارة نوري سعيد قانون رسوم البلديات الذي جوبه باحتجاج من النقابات العمالية التي كانت خاضعة لتأثير الحزب الشيوعي العراقي ممثلا برئيس جمعية أصحاب الحرف الصناعية محمد صالح القزاز. وفي 5 تموز أعلن الإضراب العام في بغداد والعديد من المدن العراقية بتأييد من حزب الإخاء المعارض الذي أيد مطاليب المضربين التي تعددت لتخرج عن سبب إعلان الإضراب أصلا. وفي احد الأيام عندما كان نوري باشا في سوق الأمانة (يقع هذا السوق في محلة الحيدر خانة على اليسار من شارع الرشيد باتجاه باب المعظم) ومن عادته الذهاب إلى هذا السوق لشراء الفواكه والخضر حيث يتبادل النكات والاستماع إلى آخر إشاعات الشارع من صديقه (ابن كنو ) وهو صاحب أول دكان يمين مدخل السوق.. وأثناء وجوده مرت مظاهرة قادمة من القشلة (دواوين الوزارات ومقر مجلس الوزراء) فاخذ نوري يتفرج وهو داخل السوق مستمعا إلى هتافاتهم (يسقط نوري .. يا .. يسقط) فسأله ابن كنو: باشا خاطر الله يعني ما راح نخلص من هل هرج ومرج ..؟ أجابه نوري: راح نشوف .. وانصرف عاد نوري إلى مكتبه وأمر بفتح ساحة سباق الخيل (الريسز) بعد أن كانت مغلقة بمناسبة أشهر الصيف. انقطعت المظاهرات في شارع الرشيد وبعدها أراد أن يقطع الطريق على معارضيه فقدم استقالته وكان هذا احد مطاليب المضربين وأنصارهم وتوقف الإضراب . ولتبريد الأجواء استمرت محاولات تشكيل الوزارة لأيام هدأ فيها الشارع وانتهى الإضراب واستمر سباق الخيل والكلام في المقاهي هو عن المراهنات والجوكية.. ويبرز نوري باشا بعد حين ليشكل الوزارة الجديدة بكل هدوء. 

مقالة من تاليف: جواد عزيز.

جمع واعداد/ خالد عوسي.

الرسم الكاريكاتيري للباشا و الجمالي



نوري مع  فاضل الجمالي في الوسط .
في الثمانينات حين كنت مسؤولا عن جريدة (الاتحاد) البغدادية . و رشيد الرماحي سكرتير التحرير . أقنعنا الصحفي الكبير صادق الازدي صاحب مجلة (قرندل) الساخرة بنشر مذكراته وفعلا بدأنا النشر وكانت تحت عنوان (خمسون سنة صحافة) ولم تعجب المذكرات وزارة الاعلام يومها واضطر الازدي لحذف الكثير منها وقد حدثني الازدي يومها عن نوري السعيد وتحمله للنقد فقال : كان الرسام غازي الذي يرسم اغلفة قرندل قد تمكن من تجسيد كاريكاتير لنوري باشا يظهره قصيرا جدا بشكل قزم وهو يرتدي السدارة البغدادية وكرشه يتدلى امامه من قميص تفتحت ازراره وصادف ان نشر له غلافا بهذا الكاريكاتير وهو يحاور فاضل الجمالي الذي اعتنى غازي كثيرا برسمه و اظهار اناقته وصادف ان كنت مدعوا في حفل دبلوماسي لاحدى السفارات وجاء الباشا وشاهدني ومعي ناصر جرجيس محاسب المجلة فناداني : ابوجعفر اشلونك ؟ ورددت له التحية الحمد لله باشا .. ابو جعفر شنو القصة يبين اخونا غازي مالاگي احد يشتغل بي غيري ؟ وضحك واستطرد : گُله يتوصى بيّه مثل مامتوصي بمعالي فاضل الجمالي تره آني هم حلو !!

جمع واعداد/ خالد عوسي

الباشا نوري سعيد :- لماذا يا إبني بصقت عَلَيْ ؟



عندما كان نوري السعيد يستقل سيارته السوداء رقم (1) دفاع ، ماراً بشارع غازي (الكفاح حاليا) دون أن تصاحبه المصفحات ورجال الحمايات الخاصة . فإذا به يفاجأ بتقدم شخص مجهول من إحدى المناطق الشعبية في الشارع المذكور نحو سيارته ويبصق بوجه الباشا من نافذة السيارة . والباشا بقي محتفظاً بهدوئه ولم يعير اهتماما للفاعل وبعد مضي ساعتين أو أكثر . حتى القي القبض على الجاني من قبل العميلين السريين المعروفين في تلك الفترة بذكائهما ودهائهما وهما ( صبري وزنه ) و ( كاظم الأسود ) وهما وكلاء في التحقيقات الجنائية ( الأمن حاليا ) واقتادوه إلى جهة مجهولة .... وظل أهل وأصدقاء المتهم يترقبون بقلق عودة هذا الشخص ومعرفة مصيره فإذا به يعود إليهم سالما غانما مستبشرا فرحا لم يصدق احد عودته وإذا به يسرد لهم قصته مع الباشا وكيف استقبله في مكتبه بوزارة الدفاع وقال : (( لم أكن اصدق باني سأعود إليكم سالما بعد الفعلة الشنيعة التي ارتكبتها )) استطرد في وصف دخوله على الباشا والخوف الشديد الذي كان ينتابه وكيف استقبله الباشا وكيف اختلط عليه الأمر بين الخوف والرجاء حتى بدد الباشا الخوف بعد أن طلب منه الجلوس فاستغرب من موقف الباشا ولم اصدق ما يجري أمامي والخوف يهز بدني و ويدق قلبي . بقيت واقفا لم احرر جوابا او اجلس فطلب مني الباشا الجلوس وقدمي ترتجف من هول الموقف ، وسألني بهدوء ورفق : (( لماذا يا ابني بصقت علي !!!! )) فأنكرت وصرخ في وجهي : (( لا تنكر فاني شاهدتك وأنت تفعل فعلك هذا الشنيع .... )) وهنا انهارت قواي وقال اجبني بصراحة وطمئني بهذا الكلام فأجبته بصراحة ووضوح سيدي ليس لي عمل ولا مال وقد اقترب موعد العيد وزوجتي وأولادي يطالبونني بملابس ونقود وفي حالة من اليأس الشديد أقدمت على فعلتي هذه فقال الباشا :(( وهل هذا يستوجب البصق في وجه رئيس الوزراء........ ؟ )) وهنا لم أتمالك نفسي فبكيت وطلبت العفو فاستجاب الباشا وزودني بكارت شخصي منه يوصي فيه بخياطة بدلة رجالية لي وبدلة نسائية إلى زوجتي وملابس لأطفالي ومنحني مبلغا خمسين دينارا عيدية وودعني كضيف وأمر بتوصيلي إلى داري معززا مكرماً .

جمع واعداد/ خالد عوسي

العشاء الأخير


الصورة : الباشا نوري سعيد منهمك بتقديم الطعام الى الملك السعودي سعود بن عبد العزيز في مأدبة عشاء بحضور ولي العهد الأمير عبد الإله . أثناء زيارة الملك السعودي الى العراق للفترة من 11 الى 18 مايس 1957 .

سنة 1958 قامت الوحدة بين سوريا ومصر . كانت في ذلك الوقت تجاذبات سياسية كثيرة . وعند ذلك جرى الاتفاق على اقامة الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن وحضر الوفد الاردني الى العراق واختتمت المباحثات يوم 13 تموز 1958 وفي ساعة متاخرة من ليلة 13/14 تموز1958 ذهب السكرتير الشخصي العقيد الركن فاضل احمد عبد العزاوي الى بيت نوري السعيد لغرض توقيع محضر اجتماع مباحثات الاتحاد الهاشمي من قبل الباشا نوري السعيد . و عند دخوله الى البيت . يقول العزاوي وجدت الباشا يرتدي بجاما وجالس على الزولية وامامه صينية وفي الصينية ماعون كبير فيه طعام فقال لي اتفضل فاضل خوش (ثريد بامية) يقول العزاوي جلست معه وتناولنا ثريد الباميا وكانت هذه اخر وجبة عشاء يتناولها بهدوء وفي صباح اليوم التالي حدثت الثورة وهرب نوري السعيد ولم ينفذ الاتحاد الهاشمي بسبب قيام الثورة وقتل نوري السعيد.

جمع واعداد: خالد عوسي.

الملك فيصل الأول و السيرك البلجيكي


كأي حدث سياسي، انتقل الجدل واللغط والاتهامات بالخيانة والبطولات بشتم الانكليز حول بنود المعاهدة العراقية - البريطانية الأولى التي عقدتها وزارة عبد المحسن السعدون، انتقل الكلام عنها من أروقة المجلس النيابي والمجالس السياسية إلى مقاهي بغداد الشعبية وتصاعد شعور العداء للإنكليز عندما صار شباب المقاهي يتركون اندماجهم بلعبة الطاولة أو الدومنة عندما يمر جنود انكليز أو سيارة عسكرية أمام المقهى فيقوم الشباب باستفزازهم قائلين: صاحب ، صاحب ، وين شارك يتبعها "عفاط" وضحك وهرج وصياح، وكثيرا ما نتج عنه هذه المداعبات السمجة شجار ينتهي بتدخل رواد المقهى . ولكون هذه الظاهرة لم تكن قبل التوقيع على المعاهدة فقد اهتمت بها الجهات البريطانية وأبلغت دوائر الشرطة العراقية بعد أن تكرر حدوثها سمع الملك فيصل بما يجري في محلات بغداد من شجار مع الجنود والأفراد الانكليز فتساءل عن حل يشغل به الناس بعيدا عن كلام السياسة فقص عليه وزير المالية ساسون حسقيل ما سمعه من (ضجة) في سائر الأوساط في استانبول وقد عاد لتوه منها حول عرض السيرك البلجيكي هناك، وانه أصبح حديث الكبار والصغار الجندي والوزير بحيث عندما ذهب لزيارة نظيره الوزير التركي فان أول سؤال وجهه إليه هو فيما إذا شاهد السيرك؟ تشجع فيصل كثيرا لسماعه هذه الأخبار من وزيره ساسون وطلب منه العمل على جلب السيرك إلى بغداد بأي طريقة كانت فوصلها بقافلة عظيمة تضم هذا المهرجان المتنقل، وكان فيها عدد من الفيلة والأسود والنمور المدربة على القيام بالعاب خارقة مع مدربيها واتخذ من الساحة الترابية الواسعة أمام جامع السيد سلطان علي في شارع الرشيد مقرا لنصب الخيام منها خيمة عظيمة السعة للعرض وفيها مدرجات للجلوس كما انتشرت حولها أقفاص الحيوانات وعربات النقل، امتدادا إلى الموقع الحالي لسينما الرشيد ووصولا من الجانب الآخر إلى سينما الزوراء في محلة المربعة وخلفها باب الشيخ وجامع الكيلاني. كانت الألعاب الخارقة التي أدتها فرق الاستعراض مع الحيوانات المفترسة كوقع المعجزة بحيث اذهلت الجماهير التي لم تشاهد في حياتها (سبعاً - أبو خميِّس) أو فيلاً تسوقه (بنات إحديثات) او نمراً يقوده (صبي مثل الوردة)، بهذه التعابير وأكثر كان أهالي بغداد في بيوتهم وخانات المدينة ومقاهي الضواحي يلغطون عجبا بما شاهدوه وكنت عندما تذهب إلى أي دائرة حكومية كنت الموظفين لا يدور إلا عن السيرك. لقد نسي أهل بغداد وشبابها المعاهدة بوصل ما أسموه (عجايب السركس) التي يستذكرونها بالأزمات بقولهم: يا ريت يجي السركس ونخلص من هل المشكلة).


جمع واعداد / خالد عوسي

من ذرائع الطغاة .






ذهب القرد منفعلاً الى الأسد ,,, و سأله:
 ألست أنت كبير الغابة ؟ 
فأجاب الأسد: بلى ماذا حدث ؟ 
.. فقال القرد : النمر يلطمني على وجهي كلما رآني و يسألني لماذا لا ترتدي القبعة ؟؟؟ لماذا يلطمني ؟ ثم أي قبعة تلك التى يتحتم عليَّ أن أرتديها ؟ .
.. فأجاب الأسد : إترك لي هذا الموضوع ... وعندما إلتقى الأسد و النمر سأله ما هو موضوع القبعة تلك ؟؟؟ .. فأجاب النمر : مجرد سبب لكي ألطمه . فقال الأسد : إبحث عن سبب وجيه ، مثلاً أطلب منه إحضار تفاحة فإذا أحضرها صفراء إصفعه ، وقل له لماذا لم تأتي بها حمراء ؟ و إذا أحضرها حمراء إصفعه و قل له لماذا لم تأتي بها صفراء ؟؟... فأجاب النمر : فكرة جيدة .. وفي اليوم التالي طلب النمر من القرد إحضار تفاحة . فنظر له القرد و سأله : أتريدها حمراء أم صفراء ؟؟؟... صرخ النمر و قال : أريد تفاحة و كفى . ذهب القرد و أحضر تفاحتين صفراء و حمراء بعد أن خبأهما و ذهب بهما الى النمر . فلما سأله النمر أين التفاحة ؟ أخرج له القرد التفاحة الصفراء ، فلطمه النمر و قال أردتها حمراء ، عندئذٍ أخرج القرد التفاحة الحمراء ، و قال أيهما تريد ؟ الصفراء أم الحمراء ؟ ، عندئذ تمتم النمر وقال : حمراء ام صفراء ، حمراء أم صفراء ؟؟... وفجأةً لطم القرد و قال له : لماذا لا ترتدى القبعة ؟؟؟

جمع واعداد/ خالد عوسي

الاثنين، 19 مايو 2014

أمين العاصمة و تقرير صراع الحمير


 الصورة : جيل الأطباء الأول في العراق . من اليمين إلى اليسار. د. هاشم الوتري, د. فائق شاكر, د. سامي شوكت, د. شاكر السويدي, د. أسماعيل الصفار, د. صائب شوكت ود. شوكت الزهاوي .

 أول تقرير وجده أمين العاصمة الجديد, الدكتور فائق شاكر, في ديوانه الرسمي في اليوم الأول من بداية دوامه كان من الطبيب البيطري لأمانة العاصمة إلى أمين العاصمة, وهو كما يلي:
سعادة أمين العاصمة المحترم.
الموضوع: التقرير اليومي للحيوانات التابعة لأمانة العاصمة والتي تستخدم في نقل الأزبال والأوساخ وجر عربات الگير إلخ.
مساء البارحة, وبعد غروب الشمس بقليل, قام البغل الأسود رقم (73) بممازحة رفيقه الحمار الأبيض رقم (201) المربوط بجانبه بالاسطبل الواقع بالنزيزة مال الشيخ عمر. وقد أدى هذا الشقة على غير العادة كل يوم إلى العراك أمام زملاء البغل والحمار, وأسفر – مع الأسف الشديد – عن فچخ الحمار بگوگة راسه نتيجة ضربة زواج رداف قوية ومعاندة البغل مما دفع زميله الحمار إلى أن يخرج عن جادة الصواب, ويملخ البغل بعظة قوية شلعت وصلة من كتفه الأيمن. وعند قيام النوبچي السايس رقم (11) جبار الأعور, بالمفازعة امام أنظار بقية الحيوانات, أتته ضربة تياه غير مقصودة في بطنه وانطرح على الفِشقي يتلوّى من شدة الألم. وقد أُدخل المصابون المستشفى البيطري بموجب ورقة الفحص الطبي رقم 93 في 25/9/1946. أما السايس, فقد قام بعدها سلامات. تقدم بالتفضل بالاطلاع, والأمر بما يلزم وإعلامنا والأمر منوط بسعادتكم.
التوقيع ، الطبيب البيطري
وعلق الدكتور أمين العاصمة على التقرير بما يلي:
1. الحمد لله على سلامة السايس جبار الأعور.
2. يغرم البغل والزمال بقطع العليج عنهما لمدة ثلاثة أيام حتى يتأدبا من الآن فصاعدا ويكونا عبرة لغيرهما من الحيوانات وليفهم كل من تسول له نفسه الخربطة. إن الحكومة ساهرة وفاكّة عينها على الزغيرة والچبيرة ولا يتصورا الدنيه عفرته كلمن بكيفه.
3. يمنع الشقة بين الحيوانات بالشغل وأثناء الراحة منعاً باتاً, بأمري. وتعلق قطعة بذلك.بالاسطبل.
4. يربط الطبيب البيطري بين الزمال والبغل حتى إشعار آخر حتى يتأكد الطبيب – وهو الأب المسؤول عن أبنائه – أن البغل والحمار قد صفت قلوبهم وما بقت بيناتهم عداوة تؤدي إلى القتل والمقتول.
5. على مدير الإدارة في أمانة العاصمة أن يكتب إلى معالي وزير الداخلية ليفاتح الجهات المسؤولة لنقلي فوراً إلى أي وظيفة ما عدا أمانة العاصمة لأن ما عندي خلك للزمايل والبغال. إحنا ويا الأوادم هلـّه هلـّه, عاد ويه الحواوين . 


الدكتور فائق شاكر ، أمين العاصمة 

جمع واعداد / خالد عوسي

الجمعة، 16 مايو 2014

من التمر للشاي


الصورة / الشاعر الملّا عبود الكرخي و السيد حسن فهمي سعيد .

كما اتضح الآن، لم نتعلم من الغربيين الكثير من العادات الاجتماعية، ولاسيما فيما يتعلق بحقوق المرأة ومساواتها. وبقينا نتعثر في موضوع حرية الفكر. ولكننا تأثرنا بهم كثيرا في ميادين الطعام والشراب والطبخ. حلت الكوكا كولا والسينالكو محل السكنجبيل والشربت واللبن الشنينة. سألتني الكاتبة المختصة في المطبخ العربي جل بنهام كنتم في العهد العباسي تستعملون الخردل في تطييب الطعام ومنكم تعلمنا عليه وسميناه بالماسترد. لماذا تركتم استعماله؟ قلت لها لأننا اخذنا منكم الأج بي الآن وتركنا لكم الماسترد! تعتبر الطماطا الآن من اهم عناصر المطبخ العراقي. نأكلها كمرق وكباب ونمزجها بكل انواع المخضرات المرق كالباميا والباذنجان، ونشويها على النار مع الكباب. ولا تكتمل السلطة بدونها. ولكن الطماطا في الحقيقة مادة مستوردة وغريبة عنا. و كان جدي رحمه الله يسميها "باذنجان أفرنج"، وهي التسمية التي اطلقها عليها العراقيون عند دخولها. ربما نجد ان الشاي اكثر شيوعا بيننا حتى من الطماطا. وتقلص استعمال القهوة العربية المرة والتركية الشكرلي وانحصر تقريبا في البدو والمناسبات كالفاتحة. ولكنني لم اعد استيطع ان اتصور عراقيا يقضي نهاره بدون عدة استكانات من الشاي او يتناول الفطور بدونه. الفقير يفطر بالشاي وخبز والمتمكن يفطر بالشاي والخبز والقيمر والجبن. ولكن الشاي مع ذلك مادة غير وطنية في الواقع دأبنا على استيرادها من سيرلانكا والهند. لدى مراجعتي لديوان الكرخي، عثرت على هذه القصيدة الشعبية التي يشير فيها الشاعر الى تحول الجمهور من اكل التمر الى شرب الشاي. فالظاهر ان الناس كانوا يفطرون بالخبز والتمر واللبن الشنينة كمادة شرب ولم يعرفوا الشاي حتى وقع العراق في ظل الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الاولى وجاؤا به من الهند واشاعوا استعماله في البلاد. ولكن العراقيين لم يقتبسوا من الانكليز عادة شرب الشاي مع الحليب وفضلوا شربه اسود مع كثير من السكر القند. وبالروح الوطنية والشعبية التي كان الملا عبود الكرخي يتميز بها، انتقد العراقيين على هذه النقلة فقال:
مت لا يا مقصوف العمر
ليش إتركت أكل التمر
أسباب تركه يا بعر
واعتضت بالچاي وشكر
والتمر نفعه للبشــر
زايد ولا قابل يضر
بتركك أخي أكل البلح
إنت خسرت غيرك ربح
قربك حزن بعدك فرح
موت اليطمك بالقبر
مت لا يا مقصوف الأجل
ليش تركت زرع النخل
إِشْوَهْدَنَكْ مال الثول
ظل عاد كاس اجرع صبر
هذي دسيسة واضحة
من الغرب صارت فاضحة
يلزم انشرع لائحة
من اجل تشجيع التمر
ومن الطريف ان نسجل للكرخي كيف كان سباقا في جلد الذات وشتم النفس بعنف وإقذاع الذي تعود العراقيون عليه "قربك حزن بعدك فرح! مت لا يا مقصوف العمر". 

مقالة من تاليف: خالد القشطيني .

جمع واعداد: خالد عوسي

شروط الترشيح للبرلمان العراقي في العهد الملكي.


شروط الترشيح للبرلمان العراقي في العهد الملكي. أن لا يكون مزوراً ولا سارقاً وليس من أقرباء الملك.
نص الدستور الاساسي العراقي في 10 تموز 1924 وفي فقرة قانون انتخاب النواب في 2 آب 1924 انه لايحق الترشيح للبرلمان العراقي في ذلك الوقت لمن كان مزورا او سارقاً او من أقرباء الملكّ. لقد "نشر القانون الاساسي العراقي في 21 اذار 1925 وقد جاء هذا القانون بـ (123) مادة ، والذي يهمنا منه الباب الثالث السلطة التشريعية ومن المادة (27) حتى المادة (63) تختص بمجلس الأمة (الأعيان والنواب) نصت المادة (30)لا يكون عضوا في مجلس الاعيان أو مجلس النواب
من لم يكن عراقياً
من كان مدعياً بجنسيته أو حماية اجنبية
من كان دون الثلاثين من عمره في النواب ودون الاربعين من عمره في الاعيان
من كان محكوماً عليه بالافلاس، ولم يعد اعتباره قانونا
من كان محجوزا عليه ولم يفك حجره
من كان ساقطا من الحقوق المدنية
من كان محكوما عليه بالسجن مدة لا تقل عن سنة بجريمة غير سياسية ، ومن كان محكوما عليه بالسجن للسرقة ، أو الرشوة ، او خيانة الامانة ، او التزوير، او الاحتيال ، او غير ذلك من الجرائم المخلة بالشرف بصورة مطلقة
من كان له منفعة مادية مباشرة او غير مباشرة ناشئة عن كونه مساهما ويستثنى من ذلك ملتزموا الاعشار ومستأجروا اراضي الحكومة واملاكها
من كان مجنونا أو معتوها
من كان من اقرباء الملك في الدرجة التي تعيّن بقانون خاص ، وعلى كل حال لايجوز اجتماع عضوية المجلسين في شخص واحد
مجلس الاعيان :نصت المادة المعنية به بالدستور .
يتألف مجلس الاعيان من عدد لايتجاوز العشرين يعينهم الملك ممن نالوا ثقة الجمهور واعتماده بأعمالهم، ومن لهم ماض مجيد في خدمات الدولة والوطن . ونصت المادة (32) ان مدة العضوية في مجلس الاعيان ثماني سنوات ، على ان يتبدل نصفهم في كل أربع سنين ، ويجوز اعادة تعيين الاعضاء السابقين والنصف الأول لأجل تبديل الأول بفرز الاقتراع.

جمع واعداد : خالد عوسي

عين العراق

الصورة / رئيس الوزراء ياسين الهاشمي ( احب ان ارفع عين العراق ولا اريد ان اكسر عين العراق ) .

عندما دخل الانكليز العراق لم يكن هذا البلد معروفا بهذا الاسم. كان العثمانيون قد قسموه الى ثلاثة اقسام: ولاية الموصل ثم ولاية بغداد واخيرا ولاية البصرة في الجنوب. وسماه الانكليز بالاسم الذي اطلقه عليه الاغريق القدماء وهو مسوبوتيميا، أي بلاد ما بين النهرين. ولكن العساكر الانكليز دخلوا فوجدوا الحالة المؤسفة التي كان عليها البلد، ولا سيما الأوحال والأزبال، فسارعوا الى اختصار الأسم من مسوبوتيميا الى مسبوت. وهو ما يعني طنجرة اوحال. ولكن باندلاع الحركة الوطنية للحصول على الاستقلال، عمد الوطنيون الى استرجاع الاسم الذي اطلقه العرب على هذه المنطقة من عالم العرب، وهو العراق. الواقع ان العرب كانت تطلق عليه ايضا اسم ارض السواد، ولكن الظاهر ان الوطنيين لم يستحبوا هذا اللون اسما لبلدهم فاكتفوا بالعراق. كان هناك اكثر من رأي في اصل الاسم. وتفاديا لتشويش القارئ ولئلا اسبب له أي وجع دماغ اكتفي بما اورده قاموس محيط المحيط في هذا الشأن. قال:- «بلاد العراق من عبادان الى الموصل طولا ومن القادسية الى حلوان عرضا، مؤنث ويذكر. سميت بها لنواشج عراق النخيل والشجر فيها. او لأنه استكشف أرض العرب، او سمي بعراق المزادة لجلدة تجعل على ملتقي طرفي الجلد اذا خرز لي اسفلها لأن العراق بين الريف والبر، او لأنه على عراق دجلة والفرات، أي شاطئهما، او معربة ايران شهر، ومعناه كثيرة النخل والشجر. والعراقان الكوفة والبصرة». فهمنا؟ ارجو بهذه الكلمات البسيطة الواضحة، الا اكون قد شوشت القارئ الكريم واصبته بأي وجع رأس. غير ان من الواضح انه صعب على العراقيين حتى الاتفاق على اصل اسم بلدهم. المهم أن العراق كان اسما شائعا بين العرب. ورد في كثير من الأشعار والأقوال، ومنها ما قاله المتنبي:-لتعلم مصر ومن في العراق - ومن بالعواصم اني الفتى - واني وفيت، واني ابيت - واني عتوت على من عتى .
ولا شك اننا نتذكر ما قاله الحجاج عندما تولى ولاية العراق وخطب بالناس في مسجد الكوفة وقال:-يا اهل العراق. واذا كان العراقان كما يقول محيط المحيط هما البصرة والكوفة، فقد ورد ذكرهما بهذا الاطار في بيت معروف الرصافي الشهير:-
يا اهل لندن ما أرضت سياستكم ---------------

-- اهل العراقين لا بدوا ولا حضرا
ومع ذلك فقد وجد اكثر العراقيين، ولا سيما العامة منهم صعوبة في لفظ اسم العراق بصورة صحيحة. دأب الكثيرون على لفظه بالضم «العُراق» بدلا من «العِراق» بالكسرة. وما زال الكثيرون منا يقولون العُراق بالضمة من باب الاستخفاف والتنكيت. بقي هذا الخطأ شائعا ووقع فيه حتى بعض المتعلمين، ومنهم كما روى آباؤنا، ياسين الهاشمي، الزعيم السياسي المعروف ورئيس الوزراء عدة مرات ورئيسا لحزب الشعب. شهد البرلمان العراقي بمجلسيه النواب والأعيان كثيرا من المناقشات الحادة. وكثيرا ما وصلت درجة عالية من العصبية والفظاظة وتبادل الشتائم. لاحظ احد النواب أن رئيس الحكومة السيد ياسين الهاشمي كثيرا ما وقع في كلامه بهذا الخطأ ـ اقصد به نطق العراق بضم العين. فوقف وقاطع رئيس الحكومة وقال له انت تتكلم عن العراق ومصالح العراق وسياسة العراق، والى الآن انت لا تعرف حتى كيف تلفظ اسم العراق فتقول «العُراق» ( بالضمة). ضج المجلس بالضحك والاستحسان والسخرية برئيس الحكومة. ولكن سرعان ما تعالى الضحك والتصفيق من جانب آخر من المجلس عندما التفت ياسين الهاشمي وخاطب ذلك النائب المعارض قائلا: «نعم يا حضرة النائب المحترم، هذا صحيح. انا اقول العُراق ولا اقول العراق بالكسرة لأنني احب ان ارفع عين العراق ولا اريد ان اكسر عين العراق». وضج المجلس عندئذ بالتصفيق والهتاف وكان جوابا من اروع وابلغ ما سمعته او قرأته في عالم الأدب السياسي وتاريخ الحياة البرلمانية، جوابا لا يقل في روعته و لوذعيته عن ابلغ ما تفتق عنه ذهن ونستن تشرشل او دزرائيلي.
تاليف (خالد القشطيني ).
 
جمع واعداد: خالد عوسي

الوجه الآخر للمهاتما غاندي وابنه الأكبر «حارلال» الذي ثار ضد أبيه واعتنق الاسلام .


إنه الأب المقدس للشعب الهندي وهو شخصية معروفة عالمياً ومحترمة جداً ولكنه ذاق فشلاً مريراً كأب وخصوصاً بعلاقته مع ابنه الأكبر «حارلال». الفيلم «أبي غاندي» الذي أنجز مؤخراً يعرض لنا الوجه المعتم من العظمة والعلاقة المتوترة بين المهاتما غاندي وابنه الأكبر «حارلال» الذي ثار ضد أبيه واعتنق الاسلام قبل موته كسكير ، قال حارلال: «إنه الأب الأعظم للأمة الهندية ولكن أيضاً الأب الذي لم أكن أتمناه». يظهر الفيلم حقائق ولايضع أي محاكمات ، كانت علاقة صعبة بين غاندي وأكبر أولاده الأربعة ، غاندي رفض طلب ابنه ليذهب إلى لندن ليدرس القانون كما فعل هو، مانعاً ابنه من متابعة دراسته الأكاديمية وبرأيه كان دفاعاً مشرفاً لتحدي الثقافة الغربية ولم يؤمن بمطلب ابنه للاستعداد للحياة ومتابعة الصراع من أجل الحرية، حينها ثار حارلال ضد أبيه وفيما بعد اعتنق الإسلام وأصبح اسمه «عبدالله غاندي» وهذا الأمر فُسِّر على أنه ثورة ضد أبيه أكثر من اهتداء ديني وأيضاً بحثه عن زوجة أخرى بعد موت زوجته اعتبره الأب شيئاً غير منطقي. في إحدى رسائله المرة إلى أبيه كتب حارلال:«في مختبرك للتجارب لسوء الحظ أنا الحقيقة الوحيدة التي بدت خطأ» وكتب عن الرجل الذي عرفه الهنود كأب «كان الأب الأعظم لكم ولكن كان الأب الذي لاأتمناه». استنكر غاندي بشكل علني عادة الشرب عند إبنه وأيضاً عادة زيارة البيوت السيئة السمعة «بيوت الدعارة» عندما أصبح حارلال مسلماً كتب غاندي بأن ردة حارلال ليس خسارة للهندوس وليست إضافة للإسلام وصرح أنه بسبب مشاكل مالية «ديون» تحدث عن اعتناق المسيحية . عبر غاندي عن حالة ابنه من ناحية تغيير ديانته «إذا كانت هدايته من كل قلبه وخالية من أي اعتبارات مادية ليس لدي اعتراض، ولكن للأسف لازال متعلقاً بالأمور الدنيوية وإذا تغير أتمنى أن يكتب لي ليفرح قلبي». لام غاندي نفسه لفشله بعلاقته مع ابنه وكانت خيبة الأمل بالنسبة إليه كبيرة كأنها جرح عميق ينزف من قلبه . وذلك بسبب الحياة العشوائية التي عاشها ابنه لاعتناقه الإسلام كثورة ضد أبيه ثم ارتداده إلى الهندوسية ككفارة وأخيراً إدمانه حتى الموت . يبدو أن الرجل العظيم المهاتما غاندي استطاع أن ينقذ روح الأمة الهندية ولكنه لم يستطع إنقاذ روح ابنه .

جمع واعداد: خالد عوسي

الزعيم الأوحد يعشق الفردوس المفقود

الصورة/الزعيم يصافح المذيعة و الصحفية اللبنانية فردوس المأمون عام ١٩٦٠م .

روت الصحفية اللبنانية فردوس المأمون انها حضرت الى بغداد عام 1960 لتغطية اعمال مؤتمر وزراء الخارجية العرب المنعقد في بغداد، والتقت الزعيم عبدالكريم قاسم واجرت معه حواراً نشر في جريدة الجريدة اللبنانية. وتقول فردوس بعد فترة قصيرة، التقيت صديقتي القاضية صبيحة الشيخ داود، وكانت رئيسة لمركز الاحداث في بغداد، وقالت لي إن الزعيم عبدالكريم قاسم يطلبك للزواج. في البداية اعتقدتها تمزح معي، وبعد حديث طويل صدقت ان هذا الطلب حقيقي، فاعتذرت بلباقة، لأني لم افكر بالزواج، ولم يخطر على بالي قط.. وفي مطار بغداد، وانا أروم العودة الى بيروت، فوجئت بأحد الضباط يقدم لي صندوقا صغيرا هدية من الزعيم عبدالكريم قاسم وقد كتب على غلاف الصندوق: (الانسة العزيزة فردوس المأمون.. مع اطيب آمالي وامنياتي)، وكان الصندوق يحتوي على عدد من المجوهرات والاحجار الكريمة ووساما اعلى لقيادة الجيش . (المذيعة الصحفية اللبنانية (فردوس المأمون) في مذكراتها التي صدرت في بيروت عام 2003 ) .

جمع واعداد: خالد عوسي

مواقف طيبة بين الشيخ ( أحمد الراوي ) و الباشا ( نوري سعيد )

الصورة/الشيخ احمد الراوي (رحمه الله) في بهو بلدية سامراء اواخر خمسينات القرن الماضي ، ويظهر خلفه في الصورة الشيخ حسين محمد عرب، ثم الشيخ ماجد العبد ربه ، ثم الحاج صبري الحداد ( رحمة الله عليهم اجمعين) .

هناك مواقف طيبة بين الشيخ أحمد الراوي المتوفي سنة1385هـ - 1966م (وهو عالم من علماء العراق الكبار) ونوري السعيد تستحق الذكر لتكون عظة للجيل الحاضر، وليعرف الناس كيف كان يسوس الحكام الناس بالرأفة والحكمة واللين.
الموقف الأول:- تولى الشيخ الراوي التدريس في المدرسة العلمية الدينية في سامراء سنة 1928م وفي سنة 1929م، أمرت الحكومة في حينها بدمج المدرسة الدينية بمدارس المعارف بسعي من البعض إلا أن الشيخ الراوي لم يسكت على هذا الأمر وبذل جهده وطرق جميع الأبواب لمنع هذا الأمر من أن يتم، وكان آخرها أن أرسل إلى رئيس الوزراء يومذاك وكان السيد نوري السعيد يشرح له الموضوع بكل جرأة وشجاعة وقد جاء في البرقية (رئيس الوزراء: عجزناكم وعجزنا فهذه آخر برقية تأتيكم من عندنا في هذا الباب، فاما أن ترجعوا المدرسة على محورها السابق وإلا فأخبرونا على لسان الحكومة المحلية، دع هؤلاء السقعاء يتركون هذه الخرافات لننزح إلى حكومة أخرى يمكننا أن نستظل تحت رايتها لنأمن على ديننا ودنيانا). وبعد يومين جاءه الرد من نوري السعيد يأمر بتسليم المدرسة إلى الشيخ الراوي ليتولى أمرها وأن لا تدمج مع مدارس المعارف، وظلت تشع بالعلم والمعرفة.
الموقف الثاني:- عندما فتحت الحكومة شارع الجمهورية كان في وسطه جامع ومرقد الرواس (كان يقع بين أمانة بغداد والسنك) فحضر علماء بغداد وأهلها ومن بينهم الشيخ الراوي وتم رفع جسده ووجدوا جثمانه مازال على حاله، وتم دفنه في جامع السيد سلطان علي قرب قبره ومن يزره الآن يجده. رغب الشيخ الراوي أن يبنى مسجدا للرواس بدل الذي أزيل فكلم في ذلك أمين العاصمة فأخبره أن هذا الأمر يحتاج إلى موافقة رئيس الوزراء فذهب الشيخ الراوي لمقابلة رئيس الوزراء نوري السعيد ويذكر تلميذه الدكتور حسيب السامرائي هذا اللقاء فيقول (وكان بيته -رئيس الوزراء- بالقرب من السفارة البريطانية مطلا على نهر دجلة، وصلنا الدار، فوجدنا شرطيا يجلس بباب الدار للحماية، وهو الوحيد لحماية رئيس الوزراء، طلب الشيخ أن يبلغ الرئيس بالأذن بالدخول ذهب الشرطي وبعد برهة قدم الرئيس نوري بالبجامة وعلى وجهه الفرح: أهلا بالسيد الكريم تفضل. دخلنا الصالون، قنفات قديمة، انظر يمينا وشمالا فالدار في غاية التواضع. عرض عليه الشيخ مسألة جامع الرواس ونقل إليه قول أمين العاصمة، قام من مكانه إلى التلفون واتصل بأمين العاصمة ويأمره أن يبني الجامع فوراً بعد أخذ الخرائط من الأوقاف ... وعلى أحدث طراز وأن تكون المساحة للجامع كالسابق). ويوجد اليوم جامع للرواس في حي القاهرة وافتتح سنة 1964م، هكذا كان الناس وهكذا كان الحكام.

مقالة من تاليف: د. هيثم عبدالسلام .
جمع واعداد: خالد عوسي

نوري سعيد :- سيأتي بعدي من يحكم العراق وآنذاك تعرفون من هو الدكتاتور !


(الباشا) مصطلح لم يلتصق الا بشخصه ، وكأنه لم يصلح لغيره ، بحيث بقي يعرف به حتى بعد إبطال الرتب المدنية، شارك في تأسيس الدولة العراقية وزيراً ، وترأس الوزارة أربعة عشر مرة ، ومع ذلك لم يملك بيتاً في حياته ، أو يترك ثروة بعد قتله .سياسي من طراز خاص ،يحسب له ألف حساب، وإن أخذ عليه البعض تأكيده على أن العراق يحتاج إلى ظهير قوي يسنده لحين إبرائه من أمراضه ، لذلك بدأ يغازل أمريكا بعد عام 1955 ، وكان سبباً كبيرا في سفرة الوصي إلى أمريكا .شخصية بغدادية حميمة ,لم تغيرها المناصب ,يتبضع الفاكهة من (ابن كنو) في سوق الأمانة والذي كان يخاشنه في المزاح,ويحمل الخبز بيده إلى بيته ,ولا يطيب الطعام عنده الا بوجود (تشريب البامية) ,التي لا يفارقها حتى وهو في أوربا كما ذكر طالب مشتاق في مذكراته.دعاه المرحوم عبد الهادي الچلبي إلى وليمة في بستانه الواقع بالقرب من ساحة عدن الآن,فتجمع أطفال المنطقة أمام باب البستان ,وحين ترجل الباشا من سيارته سارعوا بالصياح (نوري سعيد القندرة وصالح جبر قيطانها) فتحرَّج المرحوم الچلبي كثيراً فسارع ووزع عليهم النقود ليسكتهم ويفرق جمعهم ,وحين انتهت الوليمة لوحظ أن الباشا عند خروجه ظل واقفاً يتلفت,وعندما سئل عن سبب ذلك اجاب مبتسما أين الأطفال الذين كانوا يرددون الأهزوجة !َ!! . أغضبه احد السياسيين العراقيين حين قال له :- أنت دكتاتور ,فرد عليه سيأتي بعدي من يحكم العراق وآنذاك تعرفون من هو الدكتاتور !!!وتحدث عن سياسة العراق أزاء البلدان المجاورة قائلاً ( يتضح لكم من هذا اني اوضحت ان العراق كدولة عربية تعاونت وستظل متعاونة مع الدول العربية الشقيقة الى ابعد الحدود ، والعراق المجاور لدولتين بينه وبينهما حدود طويلة مشتركة ، تربطهما به مصالح مشتركة اقتصادية واجتماعية وعقائد دينية وتأريخية وغير ذلك من الاوضاع الخاصة التي يحتم عليه ان يتعاون معهما بسلامته وسلامة جيرانه .

جمع واعداد: خالد عوسي

من طرائف العلّامة الدكتور ( مصطفى جواد ) . قل و لا تقل .

المقال/من طرائف العلّامة الدكتور ( مصطفى جواد ) . قل و لا تقل .
 الصورة/
العلّامة يتوسط الفنان التشكيلي نوري الراوي على يساره و على يمينه الممثل العراقي الكبير أسعد عبد الرزاق .

كان العلامة الدكتور مصطفى جواد دائرة معارف تمشي على قدمين، فهو علم اللغة العربية في العراق والوطن العربي . كان فن مصطفى جواد هو التصحيح اللغوي فهو في العربية لم يسبقه سابق على الرغم من كونه تركمانياً من عشيرة صارايلو، وكانت حافظته عجيبة وشخصيته طريفة وقلبه سليما نقياً أبيض.
يقول طبيبه الخاص شوكت الدهان:-أخبروني
بأن العلّامة صحته متدهورة فذهبت الى داره، وفحصته فوجدته يعاني صدمة وضيقاً في التنفس وألماً شديداً في الصدرفاتصلت بالاسعاف من فوري، ونقلته الى مستشفى (ابن سينا) واجريت له تخطيطا للقلب، فلم أستطع أن اخفي عنه شيئا، واخبرته بأنه يعاني من (جلطة قلبية) وكنت أتوقع ان يحزن مصطفى جواد لهذا الخبر وينزعج منه، ولكنه ابتسم وقال لي: (يا دكتور... قل غلطة قلبية... ولا تقل جلطة قلبية)! ومما نقله إليّ من اللطائف أن العلامة جواد ركب إحدى سيارات الأجرة في بغداد، يوماً، وفي الطريق شغل السائق المذياع، وكان برنامجه من الإذاعة (قل ولا تقل) يذاع، فضجر السائق وأغلق المذياع وقال باللهجة العراقية العامية: (اسكت گوّاد)، فطلب مصطفى جواد التوقف ونزل من السيارة وهمس في أذن السائق: (قل قوّاد ولا تقل گوّاد)، فسارع السائق للاعتذار منه وقبل مصطفى جواد اعتذاره وضحك. ومرة التقى العلامة جواد الزعيم عبد الكريم قاسم وقال له: (أرجو أيها الزعيم أن لا تقول: “الجَمهورية“. بفتح الجيم، بل قلْ الجُمهورية بضم الجيم) وتقبل الزعيم النصيحة، لكنه تساءل عن السبب، فقال له مصطفي جواد: (لأن المأثور في كتب اللغة هو “الجُمهور” بضم الجيم ولأن الاسم إذا كان على هذه الصيغة وجب أن يكون الحرف الأول مضموماً لأن وزنه الصرفي هو فعلول كعُصفور. ومرة أخطرته وزارة المعارف بكتاب رسمي بضرورة عدم نشر المقالات في الصحف استنادا للقوانين التي لا تجيز للموظف المشاركة في الأمور العامة والنشر في وسائل الإعلام، فقام بتصحيح الأخطاء الواردة في الكتاب بالقلم الأحمر وأعاد الكتاب إلى الوزارة داعيا أن تقوم بتقويم كتابها قبل أن تقّوّم الآخرين. وذات يوم كان مسافرا خارج العراق وعند وصوله مطار البلدة التي يروم السفر إليها طلب منه الموظف المسؤول إبراز وثيقة التطعيم ضد الجدري فأخطأ في نطق الكلمة بكسر الجيم ورفع التشديد فرد عليه الجواد قل الجُدَّري برفع الجيم وتشديد الدال فهز الموظف رأسه مستغربا وسمح له بالمرور. وكان العلامة جواد بعيدا عن السياسة ومشكلاتها ولا يعنى بمتابعة مجرياتها حتى قيل إنه لو سئل عن مدير شرطة بغداد لصعب عليه معرفته ولكن لو سئل عن رئيس الشرطة في زمن هارون الرشيد لقال إنه فلان ابن فلان عين لرئاسة الشرطة سنة كذا وعزل من عمله عام كذا وتوفي عام كذا واستخلفه فلان الذي... الخ ولأورد تاريخ الشرطة في ذلك الزمن من دون أن يعنى بالحاضر لاشتهاره باهتماماته التاريخية وانصرافه للعلم وحده. ولا بد أن أذكر أن (العائلة المالكة) انتقته لتدريس الملك (فيصل الثاني) درس اللغة العربية . لقد كان وداعه الأخير تظاهرة كبرى سار في توديعه جمهور كبير من محبيه والمعجبين بأحاديثه التلفازية عن محلات بغداد القديمة وكان في مقدمة مشيعيه (احمد حسن البكر) رئيس الجمهورية آنذاك... وبرحيله فقد العراق علماً من أعلامه البارزين ورمزاً من رموزه الخالدين.
 
جمع واعداد: خالد عوسي

تاريخ كذبة نيسان... يعود إلى زمن شارل التاسع!!


في الأول من نيسان نقف مع كذبته التي أصبحت تقليدا سنويا ينتظرها البعض بفارغ الصبر.. وقد مارستها اغلب شعوب العالم ولا تزال تمارسها حتى الان، فبعضهم يعتبرها (مزحة بريئة) مسلية، الغاية منها الضحك والفرح واللعب بأعصاب الأصدقاء. أما تاريخ هذه المناسبة التي تعرفها وتحتفل بها كل الشعوب تعود إلى الزمن القديم، فعندما جلس ملك فرنسا شارل التاسع على العرش عام 1560، وكان في العاشرة من عمره ودام ملكه أربعة عشر عاما حيث مات عام 1574م. في عهده كثرت الاضطرابات والحروب والفوضى في البلاد، وذلك لان شارل التاسع كان كاذبا وتاريخ الكذب يشير إلى انه عام 1560، كان معظم الناس غير متفقين على تقويم واحد للسنين والشهور والأيام.
وفي أول نيسان من كل عام كان الغربيون يحتفلون بعيد رأس السنة ويتبادلون الهدايا والتهاني. فما كان من شارل التاسع إلا أن أصدر مرسوما ملكيا يقضي بنقل رأس السنة إلى الأول من كانون الثاني وكان الذين أيدوا التغيير يرسلون في أول نيسان إلى معارفهم هدايا كاذبة. فيضعون لهم في علب جميلة قطعا من الحلوى ممزوجة بالملح والخل أو يرسلون إليهم رسائل من أشخاص وهميين وكان الهدف هو (غيظ) المتمسكين بالتقويم القديم ومن هنا ولدت كذبة نيسان وغزت العالم وقد أطلق عليها الفرنسيون اسم (سمكة نيسان)، وقد جاء الاسم من أن الشمس في أول نيسان تخرج من برج الحوت واسمه عند الغربيين "برج السمك" فأطلقوا على كذبة نيسان (سمكة نيسان)


جمع واعداد: خالد عوسي

رواتب و صرفيات العائلة المالكة بين الحقيقة و الخيال


المقال/ رواتب وصرفيات العائلة المالكة بين الحقيقة والخيال.
الصورة / العائلة المالكة في عام 1947م.

لقد بحثت في تاريخ رواتب حكام العراق، فوقعت بيدي وثيقة تكشف عن رواتب الاسرة المالكة ، وملخصها الآتي: الملكة: 476 روبية. أبناء الملك: 180 روبية. الطباخ: 250 روبية رئيس الاسطبل: 200 روبية. كانت الروبية تعادل 75 فلسا. ولما حل الدينار محل الروبية، أصبحت الرواتب: 28 دينارا راتب الملكة. 9 دنانير راتب الأمير غازي. 10 دنانير و950 فلسا راتب شهري لكلا الاميرتين. وفي تفاصيل الصرفيات على العائلة المالكة وجدت ان وزارة المالية رفضت الصرف على ولي العهد (الامير غازي) عندما كان يدرس في لندن وقالت انها مسؤولة عن مصاريف تدريسه فقط. ومن غرائب ما قرأته ان وزارة ناجي السويدي رفضت الصرف على علاج الملك خارج العراق في العام 1929، وقالت في حينها بان مخصصات الملك كافية لعلاجه من جيبه الخاص. ثم قرأت حديثا لمحمد شفيق العاني رئيس محكمة التمييز ومسؤول شؤون الأوقاف في فترة وزارة نوري السعيد، قال فيه ان الأخير طلب منه ان يدبر له مبلغ مئة دينار لأن الملك غازي سيسافر الى الموصل ليوزعها على الفقراء عند وصوله اليها، لكنه اعتذر له عن عدم قدرته على اجابة طلبه. وان الملك فيصل كان يطلب سلفة عندما يسافر ويسددها بأقساط شهرية.

جمع واعداد: خالد عوسي

من بغداد الرشيد الى (سبتتنگ) نوري السعيد .


لم يشتهر ساسة العراق بالظُرف، لكن وردت عن ذلك السياسي الذي أشبعه العراقيون شتماً [في حياته و نبشاً و سحلاً بعد مماته]ثم ندموا [أكثرهم] عليه مؤخراً . نوري السعيد، بعض القفشات الجديرة بالتسجيل. البرلمان في كل الدول هو المسرح السياسي الملائم للسخرية. وقد تألق نجم (ابو صباح) في لحظات من ذلك. تصدى له يوماً النائب عبد الجبار جومرد فقال هذا البلد الحضاري، بلد هارون الرشيد، انظروا ما آل اليه على يد هذه الحكومة الفاشلة! وقف الباشا يرد عليه فقال: حضرة النائب يشير الى بلد الرشيد. يا سيدي المحترم نحن لم نستلم حكم العراق من يد هارون الرشيد. استلمناه من يد العثمانيين! .وضج المجلس بالضحك والتصفيق. ومن كلماته البليغة التي شاعت مؤخرا قوله [ للشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلس النواب بلسان غاضب ومتشنج (ياشيخنا إنني جالس على سبتتنك وليس على كرسي رئاسة مجلس الوزراء)] إن [ في ] العراق برميل نجاسة ونحن جالسون على غطائه نمنع جيفته من الانطلاق. [و الجِيَفْ من تحته تقول ]: أزيحوا غطاءنا وسترون كيف ستخنقكم روائحه. وفي المجلس ايضا، حدث أن شن محمد رضا الشبيبي حملة شعواء على حكومته. رفعت الجلسة والتقى الاثنان في الممر. قال له نوري السعيد معاتبا: اسمع شلبي، والله اذا سقطنا واجا غيرنا يحكمكم، راح تشوفون كيف شرطتهم تجي في منتصف الليل وتاخذ بناتكم من بيوتكم وما تقدرون تفكون حلوقكم. مرت سنوات وسقط النظام الملكي وتسلم [ الإنقلابيون ] الحكم. قاموا بحملتهم الرهيبة. وكان من ذلك ان دهموا بيت الشبيبي وأخذوا ابنته. لم يملك الشيخ غير ان يذهب الى عبد السلام عارف ليوسطه في الموضوع. كان من اول ما قاله له ان استذكر كلمات نوري السعيد فرواها له. يا سبحان الله. صدق من قال ابو صباح. راح يجون لبيوتكم وياخذون بناتكم وما تقدرون تفكون حلقكم وتعترضون. شاعت هوسة «نوري السعيد القندرة وصالح جبر قيطانها» بعد وثبة 1948. ويظهر ان نوري السعيد استأنس بهذه الهوسة الشعبية، كيف لا وهي تجعل صالح جبر قيطاناً له؟ يروي السيد شاكر الملاحظ في مديرية الدعاية انه ذهب يوما الى بيت نوري السعيد ليعرض عليه نصا سياسيا معدا للنشر لاطلاعه واعتماده. فيما كان جالسا معه دخل احمد مختار بابان، احد وزرائه، يرجو منه تدخلا في قضية شاب كردي اعتقلته الشرطة. قال له: هذا الشاب مرشح للبعثة وبقاؤه في السجن سيفوت عليه الفرصة. احسن شيء اطلاق سراحه ليسافر للبعثة ونخلص من شره. اتصل ابو صباح بالسجن وطلب احضار الشاب. جاؤا به فقال له انت شاركت في هذه التظاهرات وكنت تهتف فيها. اصعد على هذي الطاولة واهتف كما كنت تفعل. حاول الشاب التملص من الطلب ثم صعد على الطاولة وهتف هتافات وطنية بسيطة. قال له: لا مو هالشكل. اهتف الصدق. اضطر اخيرا لأن يهتف ذلك الهتاف: نوري السعيد القندرة... الخ. فضحك ابو صباح وصفق له ساخرا. ثم اطلق سراحه. تكرر مثل ذلك في بيت الشيخ فرحان العرس الذي اعتاد على تنظيم قبول في بيته مرة في الشهر. و حضر الحفل صديقه نوري السعيد. سمع حفيد الشيخ الطفل بذلك فراح يغني ببراءة الاطفال نوري السعيد القندرة...الخ. فمسك به وقال له تعال اش قلت؟ فردد الطفل الكلمات مرتعبا. فقال له من هو القندرة؟ ارتبك الطفل وتخوف، لكنه اصر عليه ولم يفكه حتى رفع اصبعه في وجهه وقال أنت! وضج الحاضرون بالضحك. إقتباس بتصرف (نوري السعيد ساخراً / خالد القشطيني).
جمع واعداد: خالد عوسي

(نوري سعيد) و الكبابچي (كاكا حمه)


قال الوالد رحمه الله سأحكي لكم هذه الطريفة التي مرت بي يوما من أيام سنوات الأربعينيات. كنت ضابط الخفر في مطار الهويدي حيث مقر طائرات القوة الجوية العراقية حينئذ, وكان يوما رتيبا من أيام الخميس الذي كنا نحن الضباط نضطر لقضائه في المطار بسبب المسؤولية.كان اليوم مكروها والضباط مع عوائلهم يقضون عطلة نهاية الإسبوع وأنا وضابطين معي في المعسكر لوحدنا مع الجنود والمراتب مشغولون بتنظيف وتزييت الطائرات القديمة في أربعينيات القرن الماضي.جاءت مكالمة من بوابة القاعدة (الرشيد) تفيد بوصول مسؤول مهم, لم يعلنوا عنه فتذمرنا نحن الضباط من هذه الزيارة ومن يقوم بها اليوم وفي هذه الساعة من الظهر.وقفنا أمام المكتب بإنتظار الشخصية التي وصلت بالسيارة وبدون حراسات وفتح الباب وترجل الباشا نوري السعيد رئيس الوزراء منها وفوجئنا بهذه الزيارة غير المتوقعة أو التي لم يعلن عنها بعد ظهر يوم الخميس.ترجل الباشا ونظر إلي وقال, رؤوف بيگ عندك طيارة جاهزة للإقلاع ؟نعم سيدي الباشا. كم دقيقة ونملأ الخزان بالوقود.ووقف معنا ينتظر ولا أحد يسأله عن المهمة ومن سيذهب ومتى بل إنتظرنا أن يبدأ هو الكلام.رؤوف بيگ يالله خذ لك واحد من الطيارين معك ونطير إلى السليمانية.نعم سيدي الباشا .بدأنا تجهيز الطائرة وكأن على رؤسنا الطير وكنت لا أتأمل خيرا من هذه الزيارات والطلعات السرية والمفاجئة بعكس ما كان يحدث أيام المرحوم الملك غازي. الملك غازي كان إبن صنفنا ويتبسط ويتسلى بالمجيء والسهر معنا نحن ضباط القوة الجوية, بعكس من ضباط الجيش الذي كان قدر الإمكان أن يتحاشا الميانة معهم.جهزت الطائرة و الباشا يتفرج علينا ونحن نجهزها ونتفانى في التحضير لها وركبنا الطائرة وطرنا بها نحو السليمانية, التي وصلناها بدون مشاكل في الجو تذكر.وجدنا في المطار على مشارف المدينة ضابط القاعدة ومتصرف اللواء بإنتظار الطائرة والضيف . تركنا الطائرة وإتجهنا مع الركب بناء على رغبة الباشا الذي رافقه متصرف اللواء (المحافظ) بالسيارة وسرنا خلفهم بالسيارة التابعة ووصلنا المتصرفية وبعد إنتظار بعض الوقت الذي إجتمع فيه رئيس الوزراء بالمتصرف تحركنا نحو بيت المتصرف.دخلنا حديقة البيت الرحبة وجلس الجميع يتسامرون وقد عض الجوع بطوننا بإنتظار طعام العشاء الذي مضى وقته, و الباشا يتسامر وينكت مع المتصرف, وبطوننا تصفر من الجوع.كنت أتساءل مع جليسي عن شكل ونوعية وأصناف الأكل الذي سيقدمونه للضيوف لقضاء الوقت وأخيرا جاء الأكل وإذا به من أصناف وأنواع عديدة من المأكولات ووقعت عيننا على كباب سليمانية والذي كان الباشا من عشاقه.بدأت الأكل من الكباب, وبصورة لا إرادية أخبرت زميلي الضابط الذي يجاورني على الطاولة بأن هذا الكباب مو أحسن من كباب كاكه حمة في السوق.وكنا بين الحين والآخر نزوغ من بغداد لنأتي إلى السليمانية ونعود بنفس اليوم في رحلة تدريبية, بعد أن نذهب لمحل كاكة حمة لأكل كباب السوق المشهور.سمع الباشا تعليقي الذي جاء بصوت عال وسألني مباشرة:هل هذا صحيح رؤوف بيگ؟؟؟فإعتذرت من الباشا والمتصرف على هذه الهفوة, خاصة وإن بيت المتصرف وعائلته هم الذين جهزوا وطبخوا الكباب في البيت. وإنتهت الحفلة وأنا خجل من المتصرف و الباشا وهفوة الكباب.طلب منا الباشا المكوث في القاعدة لليوم التالي والقدوم مساء على العشاء, وهكذا كان.كان العشاء كبابا كالعادة وقامت نساء بيت المتصرف بأخذ الحيطة وعمل المستحيل ليطلع الكباب أحسن من مال السوق.جلسنا للأكل وبعد تذوق لقمة أو إثنتين فوجئت بالباشا وهو يوجه الحديث لي.رؤوف بيگ شنو رأيك بالكباب اليوم؟أجبته فورا وأنا مستعد للسؤال, سيدي الباشا , هذا الكباب لا يعلا عليه.جاءني الجواب بكل حزم, لا تنافق رؤوف بيگ وقل الحقيقة هل هذا الكباب أحسن أم كباب السوق؟إحمرَّ وجهي ولم أستطع بلع اللقمة ثم بعد لحظات قلت له سيدي الباشا مع الإعتذار للمتصرف , كباب كاكة حمة أطيب. قلت هذه الجملة رغما عني وفي داخلي أكفر باليوم الذي صحبنا به الباشا في هذه السفرة المنكودة .كانت الجلسة سقيمة والمتصرف ينظر لي من زاوية عينه ونفسه تقول من أين الله جاب هذا غير الرؤوُف؟؟بتنا الليلة الثانية وكنا بإنتظار الباشا للرجوع إلى بغداد صباح السبت وإذا بخبر من الباشا يقول إنتظروا يوما آخر بناء على رغبة المتصرف.طلبنا الباشا ونحن متلكئون على الذهاب معه للعشاء في بيت المتصرف وللمرة الثالثة وياللطامَّة السوداء.دخلنا حديقة البيت وفوجئنا بوجود كاكا حمه بشحمه ولحمة , كبابچي السوق واقفا في جانب من الحديقة وهو يقوم بتحضير الكباب هناك . جلسنا للعشاء وجاءوا بالكباب للباشا. فقال للنادل خذ هذا الكباب لرؤوف بيگ وخجلت من نفسي وقد جاء صحن الباشا لي لتجربته وإبداء الرأي!!!تذوقت الكباب ولا إراديا قلت للحاضرين , هذا كباب سليمانية الصدك.أخذ الباشا قطعة منه ثم تذوقها وقال للمتصرف:لا تعزمني بعد اليوم على كباب البيت بل هات لي كاكا حمه ليعمل الكباب في الحديقة.ضحك الجميع وسهرنا للفجر ورجعت مع الباشا لبغداد ومعي أطيب ذكرى لكباب السوق من السليمانية.

 إقتباس بتصرف/ليث رؤوف حسن ... مقالة: نوري السعيد و كباب سليمانية .

المقال : بين غزو الضفادع و غزو الجراد " لن يخلصنا منها سوى الأفاعي "

                          الصورة : أسراب الجراد العملاق تجتاح العراق عام 1937 .
في إحدى السنوات المطيرة [نهاية الثلاثينات] سرت شائعة بين الناس ، أن الدنيا مطرت " عگاريگ " ، وكانت الضفادع تملأ المستنقعات بشكل لا يصدق ، وكانت تلك الشتوية قد سبقت موسم الحصاد الأخير الذي إنتشر فيه الجراد بكثرة . كان الجراد كبير الحجم بعكس الضفادع الصغيرة جداً وكان الناس يسمونه "المكن" ويطبخونه على البخار أو يشوونه على الرماد الحار فيما راح البعض يتفنن في طبخه وعمل أطباق و أرغفة محشاة بلوز الجراد كما يروق للمتذوقين أن يدعونه . لم تكن الضفادع تأكل شيئاً من مزروعاته بشكل واضح وعلني مقارنة بالجراد الذي يلتهم الزروع إلتهاماً ، لكن الناس كانوا أكثر فرحاً بآفات الجراد لأنها حين تأكل حقولهم فإنما تسمن ليقتاتوا عليها بعد ذلك ، لقد إستغنى الناس في ذلك الربيع عن اللحوم والأسماك تماماً . كان زاير فلاح يحاول أن يربط بين غزو الضفادع وغزو الجراد ، لكنه كان يتحسر طويلاً لمجرد تذكره قوالب المكن اللذيذة والمحمصة فيما الضفادع الصغيرة لا فائدة منها سوى "الفالول " والتبول بمجرد ملامستها ! الناس قضت على الجراد تماماً ليس حباً في مقاومته وإنما طمعاً في أكله ، ودون أن تنتبه الى أنه ربما سيخلصها من الضفادع القادمة التي حلم بها الفلاح زاير ذات ليلة. الضفادع بدأت تكبر ولا من أحد ينتبه ، وبدأت تأكل وتخرب كل شيء وكلما كبرت كبرت معها الدمامل و الثالول الذي جاء معها ، كان زاير يهرش ساقه المدمى وهو يسمع أصواتها المتصاعدة من كل مكان . لكن إمرأته الذكية قدمت له الحل الناجع " لن يخلصنا منها سوى الأفاعي " .

جمع واعداد: خالد عوسي

اليعقوبي الساخر الجريء


يتبلور الظرف الحقيقي في العراق في شعر الشعراء وليس في صحافته الهزلية او مسرحياته الكوميدية او حتى في ما وردنا من الظرف والنكات في النثر الشعبي. هكذا برز الشاعر محمد علي اليعقوبي الذي ولع بغرس انيابه في ساسة العراق وحكامه. نظم اولو الشأن حفلة الاربعينية لتأبين الملك فيصل الاول في العام 1933، وتولى مسؤولية ذلك السياسي المعروف صادق البصام و الصحافي القومي عبد الغفور البدري، صاحب جريدة «الاستقلال». دعوا الى الحفل شتى الشخصيات العراقية كما يلزم، لكن خانتهم الذاكرة فنسوا دعوة هذا الشاعر، محمد علي اليعقوبي . بيد ان الشاعر لم ينس ان يرد عليهم بقصيدة نظمها لهذه المناسبة واستهلها بهذين البيتين:
إن الذي فجع العراق بفقده
وبكت عليه العرب والاسلام
اسفا تقوم على رثاه عصابة
اعضاؤها البدري والبصام
ويظهر ان الشاعر لم ينس لعبد الغفور البدري هذه الهفوة، فالعفو ليس من طباع العراقيين فلاحظ ان البدري كان يعاني من شلل في يديه فقال فيه:
قد قيل ما ليد البدري ما برحت
شلاء لم يستعن فيها على عمل
فقلت: تلك يد كانت مســخرة
للانكليز رماها الله بالشــــــلل
بعد نحو عامين، اجتاحت العراق المنازعات الحزبية والعركة على الكعكة، كما الشأن الآن، فلا جديد في شمس العراق. أسفرت الخلافات عن تسليم الحكم لياسين الهاشمي، في شهر آذار (مارس) 1935، رئيسا للوزراء. جاء بقريبه طه الهاشمي، ربيب آخر من بقايا الحكم العثماني، وأسند اليه وزارة الدفاع. تلقى اليعقوبي النبأ فأوحى له بما أوحى:
قالوا وزارتكم ياسين يرأسها
وقائد الجيش طه في الميادين
يا رب طه وياسين بحقهما
اجر عبادك من طه وياسين!
بيد ان وزارة ياسين الهاشمي لم تدم طويلا في الحكم فتآمر عليها الجنرال بكر صدقي، رئيس اركان الجيش، واعوانه من الضباط في اول انقلاب في تاريخ هذا البلد المعذب، في العام 1936. في صبيحة يوم الجمعة 30 كانون الأول (ديسمبر)، ألقت الطائرات العراقية قنبلة على مجلس الوزراء فهرب ياسين الهاشمي وزمرته الى دمشق حيث كان يتمتع بشعبية خاصة بين ابنائها. انطلق محمد علي اليعقوبي ليعلق على الخبر متشفيا بما حصل:
ابلغ اذا جئت ياسينا ومن معه
رســــــــالة كلها لين وتعطاف
اضحى بكانون في الشام اصطيافكما
والناس في آب او تموز تصطاف
كثيرا ما أصبحنا نترحم في هذه الأيام على ايام ذلك العهد الملكي. بيد ان شاعرنا اليعقوبي فطن الى ذلك قبلنا بكثير. فما ان وقع انقلاب عبد الكريم قاسم (ثورة 14 تموز) وتسلم الحكم بعد ابادة الاسرة الملكية، حتى انطلق هذا الشاعر ليقول كلمة الفصل في الموضوع:
شكا الناس يا نوري السعيد وزارة
ترأستها والعهد اذ ذاك مظلم
ولكنهم لما ابتلوا «بإبن قاسم»
ومن بعده صلوا عليك وسلّموا
ولكنني اجد حكمة بليغة في ما قاله الشاعر يوم أمر محمد فاضل الجمالي، رئيس الوزراء بغلق «الكلچية»، المبغى العام في بغداد، فقال:
وقالوا ببغداد الجمالي قد محا
منازل قوم دنستها العواهر
لقد طهرت منها الديار ولم يكن
لتطهر من ابنائهن الدوائر
وهو ما يذكرنا بما كتبته مومسات روما على صدورهن: «اقسم بالله هؤلاء الساسة الذين يحكموننا ليسوا اولادنا!».
إقتباس بتصرف / خالد القشطيني .

جمع واعداد: خالد عوسي الأعظمي
----------------------------------------------------------------
 
Abbas Naji
شكرا جزبلا للخالدين ، الاعظمي والقشطيني.

خالد عوسي الأعظمي
تشرفت بعطر مرورك الكريم ، أخي العزيز ( Abbas Naji ) ، مع إعتزازي و تقديري .

Islam Mubarak
عمي خالد يعني شكلك تدري كمت أترقب منشوراتك وأتشوق حتى أعرف شراح تنشر وأتمنى لو ينجمعن هاي المنشورات بكتاب للمطالعة لما تحتويه من تاريخ ومعلومات قيمة

ابو يوسف النعيمي
جميل جميل يا فنان

Ali Abualkheel
روووووعه ابو الوليد

خالد عوسي الأعظمي
أخي العزيز ( Islam Mubarak ) ، أنت في مرورك نسمة و في حضورك بسمة و في كلامك نغمة ، و السلام عليك و من الله رحمة .

خالد عوسي الأعظمي
تحية طيبة عطرة و سحابة صيف ممطرة الى الأخ العزيز ( ابو يوسف النعيمي ) ، و أشكره على مروره الكريم ، تقبل تحياتي .

الجاكي (منفي) يشتم صباح نوري سعيد

                                             الصورة : زفاف صباح نوري سعيد
نالت سباقات الخيل (الريسز) في العهد الملكي شعبية كبيرة بين صغار القوم و كبارهم. اصبحت في الواقع هوساً عند البعض. كان منهم السيد صباح ابن رئيس الوزراء نوري السعيد. اشتهر بحبه للقمار و المقامرات ، و لكن الرهان على سباق الخيل كان شغفه الأول. ربطه ذلك بصداقة خاصة مع الكثير من الجوكية ، الفرسان الذين يركبون الخيل في المباريات. جاء على رأسهم الجوكي المعروف السيد منفي الذي نال بطولات عديدة جلبت اليه شهرة واسعة بين الجمهور. منفي، و من لم يسمع بمنفي في تلك الأيام. اصبح مثل ابو حقي في كرة القدم. التقى به صباح نوري السعيد ذات يوم و سأله عن إحتمالات السباق التالي. كان من ممارسات الجوكية ، وهم اعرف القوم بالخيل و السباق، ان يعطوا اصحابهم المقربين ما كانوا يسمونه بالچانص، أي فرصة احتمال. يقولون لك ، او بالأحرى يهمسون بإذنك، خلي بالك، حصان ابو شليلة راح يفوز اليوم. حط فلوسك عليه. و لكنهم كانوا احيانا يغشونهم و يعطونهم چانص مغلوط. إنه جريمة غش وممنوع و لكنه شائع. إنه جزء من عالم سباقات الخيل. التقى منفي بصباح عندما كان هذا مدير السكك الحديدية العام، فضلا عن كونه ابن رئيس الوزراء. فسأل منفي عن احتمالات نتائج سباق ذلك اليوم. فأعطاه هذا الجانص. قال له مؤكداً ، الحصان عنتر ابن شداد راح يفوز اليوم. حط كل ما عندك من فلوس عليه و لا تخاف. سمع نصيحته و فعل ذلك. قامر بكل راتبه لذلك الشهر. ركضت الخيل و تعالى الصياح و الهتاف و لكن عنتر جاء في آخر الجوقة و لم يفز بأي منزلة. لا اول ولا ثاني و لا عاشر. و بالطبع احتد صباح على ما حصل و اعتبر ان منفي قد غشه عن قصد و جعله يخسر كل راتبه. ما ان التقى به حتى انهال عليه بالشتائم يا كلب ويا ابن الكلب. احتد منفي بالمقابل و رد على ابن رئيس الوزراء قائلا ، لا . انت الكلب و ابوك الكلب. احتدم الصياح و العراك بينهما حتى تدخل الآخرون للفصل بينهما. و لكن ما ان عاد منفي الى بيته و هدأت اعصابه ، حتى تذكر ما فعله و قاله. لقد شتم رئيس الوزراء، و امام كل الحاضرين. ماذا سيفعلون به ؟ لم يستطع النوم مطلقا و قضى ليلة من أسوء ليالي حياته. قرر أنه حالما يطل الصباح ، يذهب الى مجلس الوزراء في السراي و ينتظر حتى يصل نوري السعيد فيتخضع اليه ، يبوس يده ، و يعتذر عن ما صدر منه. وهو ما فعله بالضبط . ما ان نزل فخامة رئيس الوزراء من سيارته، حتى هرع اليه ليقبل يده ، و لكن ابو صباح اقتاده الى مكتبه و طلب له فنجان قهوة و سأله عن خطبه. حكى له الحكاية و كيف انه فقد اعصابه و صدرت من لسانه تلك الشتيمة المؤسفة. قال له ابو صباح: اسمع ابني منفي، بمدينة الحلة اكو واحد عربنچي ينقل الناس بين المحطة و المدينة. قالوا لي كلما يعثر الحصان عنده بسبب حفرة بالشارع او طسَّة ، يكفر بالله[والعياذ بالله] و ينزل على الحكومة و عليَّ بالشتائم ، و يقول الله يلعنك يا نوري السعيد انت و حكومتك. و هاي كل يوم و(هذا فنَّه. و إحنا ساكتين عنَّه). لا احد سأله و لا احد اخذه للشرطة. روح ابني منفي . لا تقلق بالك. اشتم مثل ما يعجبك . العراقيين هذا اسلوبهم.

جمع واعداد: خالد عوسي

هل الملك (فيصل الثاني) - دُمْيَة ، رجعي ، عميل - وِفْقَ (سياسة الممكن) ؟


في سنة 1956 كنت أحد خريجي كلية التجارة والإقتصاد ، كما كان إسمها آنذاك ، تقرر أن تجري لنا حفلة رسمية لتوزيع شهادات التخرج يحضرها الملك فيصل الثاني تقام في حديقة القاعة المسماة باسمه والتي بنيت على أحدث نظام وسميت لاحقا بـ (قاعة الشعب) مغلفة بالخشب الصاج ومدفأة بـ ( الفاير بليس ) ويستقبلك عند المدخل التشريفياتي ليستلم المعطف أو القبعة أو السدارة أو ما شابهها ! والإنارة والموسيقى التصويرية كأحدث ما يمكن وأكثر تمثليات فرقة المسرح الحديث بقيادة الأستاذ (يوسف العاني) كانت تجري فيها وقد حضرت أكثرها . أما هذه الأيام . ايام السواد والخراب والغم والتكلم بالديمقراطية بملء الفم ! الذي أصبح شعار " الدولة " فلا أعرف مصير تلك التحفة وأٌقصد تلك القاعة . كانت حديقة جميلة تتكون من حلقات نصف دائرة من الياس والورود وبين تلك الحلقات جلسنا ببدلة التخرج المعروفة وكان عددنا بحدود ( 50 ) خريجا ، وجلس الملك فيصل الثاني في صدر الحديقة المقابل للقاعة والى يمينه وزير المعارف خليل كنه على ما أذكر وعميد الكلية الإنسان الطيب د. بديع شريف . لم أجد أمام الملك غير منضدة بسيطة عليها غطاء ابيض دون أن يكون أمامه باقات من الورود والزهور كما " لسياسيي " اليوم بل نسخ من الشهادات ليوزعها علينا فرداً فرداً ، كان العميد يقرأ اسم الخريج ونذهب الى الملك ويصافحنا مع إبتسامة وصوت رفيع خافت بالكاد كان يسمع كصوب االبنات ويقول :" مبروك " ويسلمنا الشهادة ثم نرجع الى مكاننا والتلفزيون ينقل الحفل على الهواء مباشرة . ولحظة المصافحة يلتقط المصور أرشاك صورة شخصية لكل خريج لتبقى ذكرى للتاريخ ، وكان المصور أرشاك أشهر مصور فوتوغرافي في تلك الايام وكان مصور الملوك والرؤساء . وبعد إنتهاء توزيع شهادات التخرج العامة ، قال العميد : هناك جوائز فرعية تبرعت بها بعض المؤسسات الحكومية والأهلية للأوائل في المادة التي تخص المؤسسة ، والأولى كانت من نصيب الزميل حنا تسلمها وعاد الى مكانه وكذلك الثانية وعندما علم الملك أن كلها من حصته الأخ حنا ! هنا قال الملك : " ألأخ حنا . ليش تتعب تروح وتجي . تعال إجلس يمنا حتى تكون قريب علينا لتسلم بقية الجوائز لأن كلها من حصتك " !! وإنتقل الزميل الأخ ( حنا ) من مكانه وجلس قرب الملك ليواصل تسلم بقية جوائزه من يد الملك .! لم يقلها الملك كأمر أو من خلال مأمور أو مناد ولا كأمر ملكي ولا ككلام موجه لغريب أو شخص نكرة بالنسبة الى الملك كعادة الملوك والرؤساء أو يوعزون على مساعديهم أن يدعو فلان وفلتان حتى من الوزراء بل قالها كأنه صديق وزميل له : " الأخ حنا . تعال أجلس يمنا ." وحاشا أن يستخف به أو يستصغره فقد كان الملك في منتهى الخلق والكياسة . وإنتهى الإحتفال بكل هدوء كما بدأ ونقل عبر التلفزيون نقلا مباشرا ، وأعتقد كان أول تجربة للنقل المباشر .كما كان أول تلفزيون في المنطقة آنذاك . لم أشاهد بباب القاعة لا جنود مدججين بالسلاح وببدلة قتال !! ولا شرطة في داخل القاعة كل شيئ هادئ كأننا كنا في حفلة عائلية ، وبالرغم من كل هذا كنا ننظر الى الملك والى من حوله أنهم رجعيون عملاء مسيَّرون !!! لأن تثقيف الأحزاب أنذاك و دون أستثناء : " ألا نحسن الظن بالرجعية والإستعمار " ونحن كنا تلاميذ في تلك الأحزاب ، تلك الأحزاب التي وعدونا : أن بنهاية هؤلاء يتحول العراق الى دولة تنافس أرقى الدول العالمية في علمه وثقافته وثرواته الوفيرة ومياهه الغزيرة . ولم نكن نتصور أن تأتي هذه الأيام . كلها ظلم وآثام . وقتل وإتهام . صراع وإنقسام . منهم غرباء ومنهم أيتام بلا أوطان . يتنافسون على النهب والسلب دون مقاييس ولا أوزان . يبيعون ما يمكن بيعه للجيران . اليوم ينافس كل دول العالم في فساده وآثامه والشعب العراقي ينافس بقية الشعوب بفقره وشقائه وآهاته .!! حتى تحول العراق الى دولة فاشلة بل لا دولة ولا نظام ولا احترام . وبعد ايام بدأ الطلاب الزملاء يتسلمون صورهم الشخصية التذكارية بالتخرج وبمصافحة الملك من مرسم المصور أرشاك ، لتعلق في بيوتهم فرحين فخورين بها إلا البعض منا وأنا أحدهم !! لم نستلم صورنا الشخصية من المصور أرشاك كي لا نُتهم بأننا نفتخر بمصافحة الملك الرجعي والدمية بيد الإستعمار ونوري السعيد العميل! بل كنا نقول لا يزيدنا شرفاً أن نصافح ملكاً عميلاً ليس إلا دمية بيد الإستعمار !!! وأزيد على ذلك ، كثيرا ما كنا نصادف الملك " العميل " أو " الدمية " ! وهو في سيارته في شارع الرشيد تسبقه كوكبة من راكبي الماطورات و كل ما تقع عينه على أحد المارة يرفع يده ويسلم مع إبتسامة من خلف زجاج السيارة وأحيانا نتجاهله لكونه ملكا رجعيا عميلا !! وكم تجاهلنا سلامه وإبتسامته !!!. في التسعينات تعرفت على شخص أرمني قال لي : لا زلت نادما عندما تجاهلت تحية الملك وهو في سيارته ، أدرت وجهي كي لا أردت التحية لأنه ملك رجعي عميل !! كم كنا أطفالاً في السياسة الشيوعيون .. كنا نريده ملكا ماركسيا ! والبعث كانوا يريدونه ملكا عفلقيا ! والقوميون كانوا يريدونه ملكا ناصريا يقدم العراق هدية لعبد الناصر ليصنع وحدة عربية بعد أن يلقي اليهود في البحر !! والأكراد أرادوه ملكا يعطيهم حكما ذاتيا أكثر أستقلالا من الدولة نفسها أما الإسلاميون فكانوا يريدونه ملكا دينيا على منوال وسيرة جده رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولكن للحقيقة والتاريخ لم يكن بإمكانه أن يعمل أكثر مما عمل , ولكن هو ووزراءه اصروا أن يكونوا ساسة عراقييون بأمتياز. اسسوا و بنوا بلدا بالرغم من الصعوبات التي ذكرها الملك فيصل الأول التي كانت تقترب من المستحيل ، كان حكام العهد الملكي يسيرون وفق سياسة الممكن وامتنعوا عن السير بسياسة طفر الموانع وتخطي المواقع أو القفز في المجهول! فكان العراق سباقا لكل دول ودويلات المنطقة . واليوم يقف العراق سبّاقاً في الفساد والتخلف . حقا قالوا : لا تعرف خيري .... حتى تجرّب غيري .

جمع واعداد: خالد عوسي

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...