الجمعة، 23 مايو 2014

الملك فيصل الأول و السيرك البلجيكي


كأي حدث سياسي، انتقل الجدل واللغط والاتهامات بالخيانة والبطولات بشتم الانكليز حول بنود المعاهدة العراقية - البريطانية الأولى التي عقدتها وزارة عبد المحسن السعدون، انتقل الكلام عنها من أروقة المجلس النيابي والمجالس السياسية إلى مقاهي بغداد الشعبية وتصاعد شعور العداء للإنكليز عندما صار شباب المقاهي يتركون اندماجهم بلعبة الطاولة أو الدومنة عندما يمر جنود انكليز أو سيارة عسكرية أمام المقهى فيقوم الشباب باستفزازهم قائلين: صاحب ، صاحب ، وين شارك يتبعها "عفاط" وضحك وهرج وصياح، وكثيرا ما نتج عنه هذه المداعبات السمجة شجار ينتهي بتدخل رواد المقهى . ولكون هذه الظاهرة لم تكن قبل التوقيع على المعاهدة فقد اهتمت بها الجهات البريطانية وأبلغت دوائر الشرطة العراقية بعد أن تكرر حدوثها سمع الملك فيصل بما يجري في محلات بغداد من شجار مع الجنود والأفراد الانكليز فتساءل عن حل يشغل به الناس بعيدا عن كلام السياسة فقص عليه وزير المالية ساسون حسقيل ما سمعه من (ضجة) في سائر الأوساط في استانبول وقد عاد لتوه منها حول عرض السيرك البلجيكي هناك، وانه أصبح حديث الكبار والصغار الجندي والوزير بحيث عندما ذهب لزيارة نظيره الوزير التركي فان أول سؤال وجهه إليه هو فيما إذا شاهد السيرك؟ تشجع فيصل كثيرا لسماعه هذه الأخبار من وزيره ساسون وطلب منه العمل على جلب السيرك إلى بغداد بأي طريقة كانت فوصلها بقافلة عظيمة تضم هذا المهرجان المتنقل، وكان فيها عدد من الفيلة والأسود والنمور المدربة على القيام بالعاب خارقة مع مدربيها واتخذ من الساحة الترابية الواسعة أمام جامع السيد سلطان علي في شارع الرشيد مقرا لنصب الخيام منها خيمة عظيمة السعة للعرض وفيها مدرجات للجلوس كما انتشرت حولها أقفاص الحيوانات وعربات النقل، امتدادا إلى الموقع الحالي لسينما الرشيد ووصولا من الجانب الآخر إلى سينما الزوراء في محلة المربعة وخلفها باب الشيخ وجامع الكيلاني. كانت الألعاب الخارقة التي أدتها فرق الاستعراض مع الحيوانات المفترسة كوقع المعجزة بحيث اذهلت الجماهير التي لم تشاهد في حياتها (سبعاً - أبو خميِّس) أو فيلاً تسوقه (بنات إحديثات) او نمراً يقوده (صبي مثل الوردة)، بهذه التعابير وأكثر كان أهالي بغداد في بيوتهم وخانات المدينة ومقاهي الضواحي يلغطون عجبا بما شاهدوه وكنت عندما تذهب إلى أي دائرة حكومية كنت الموظفين لا يدور إلا عن السيرك. لقد نسي أهل بغداد وشبابها المعاهدة بوصل ما أسموه (عجايب السركس) التي يستذكرونها بالأزمات بقولهم: يا ريت يجي السركس ونخلص من هل المشكلة).


جمع واعداد / خالد عوسي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...