المقال / رثاء السندباد.
الصورة : (سينما السندباد/الأورفلي سابقاً) صاحبها السيد (ضياء سامي الأورفلي ) إبن عم الفنانة التشكيلية (وداد الاورفلي) أُنشأت مكان (مقهى الأورفلي) و هنا تعرض الفلم الأمريكي ليلة كازانوفا الكبيرة (Casanova's Big Night) منتصف السبعينات ، الفلم من إنتاج بول جونز سنة 1954 وهو فيلم فكاهي من اخراج نورمان مكليود وتمثيل بوب هوب وجوان فونتين، يحكي الفيلم قصة الخياط الذي ينتحل شخصية جياكومو كاسانوفا، العاشق الكبير. وهو محاكاة ساخرة للفرسان الثلاثة (المتعنترون) الذين تم تجسيدهم في مجموعة من أفلام المغامرة التاريخية. وقد ضم الفيلم أيضا كلاً من أودري دالتون وفنسنت برايس الذي ظهر على انه كاسانوفا الحقيقي .
عشقت السينما منذ طفولتي ، فكنت غالباً ما أرتاد (سينما الأعظمية) مع أصدقائي كل يوم إثنين و خميس عند نزول الفلم الجديد، لكننا لم نكتفي بما تعرضه لنا هذه السينما من أفلام ، لذلك حرصنا على مشاهدة الأفلام في سينمات (شارع الرشيد) و (الباب الشرقي) و (شارع السعدون) وفيما يخص سينما السندباد ، فقد كانت لهذه السينما ذكريات جميلة ، من خلال كثرة إعادة فلم (القرصان الأحمر) و تميزها بكثرة عرض الأفلام الهندية ، والتي شاهدنا منها الكثير ، مثل فلم (اليتيم) و (الشعلة) و (قربان) و غيرها العشرات ، ولا أنسى مأكولات (أبو يونان)والتي تقع في الجهة المقابلة من السينما ، فقد كنا لا ندخل السينما إلا و معنا الكثير من لفّات الهمبرگر اللذيذة . يقول الكاتب و المترجم (صادق باخان) :- هل يعقل ان بغداد تصبح خاليه من دور السينما وهي موجودة كبنايات بعدما كانت تزدهر منذ السنوات الممتدة من العهد الملكي الى العهود الجمهورية . دعونا نذهب في نزهة بشوارع بغداد لننعش بها ذاكرة من تقدم بهم العمر وفي قلوبهم حنين الى الماضي في رومانسية عذبة . وقبل ذلك اسمحوا لي ان ابدا حديثي بهذا الايقاع الجنائزي وهو ليس بعيدا عن جوهر الموضوع .... ضاقت به سبل العيش وهو من عائله معدمة وعاطل عن العمل وهارب من اداء الخدمة العسكرية فكيف بمستطاعه الحصول على جواز سفر ليسافر به الى ارض الله الواسعة ولم يكن ينتمي الى حزب سياسي وانما كانت الثقافة حزبه . وتمكنت جماعه معينة من تهريبه الى (بيروت) مشياً على الأقدام عام 1968 حيث عمل في مجلة الشعر مع الشاعرين “أودونيس وانسي الحاج” وهناك التقى بامرأة اميركية متقدمة في العمر واشترطت عليه ان يتزوجها لتنقله الى اميركا وهكذا صار فألقى مرساته في خليج سان فرانسسكو لولاية (كاليفورنيا) ولما استيقظ من اوهامه بشأن اميركا راح الندم يكسر عظامه وكان في حينها يتابع اخبار بغداد وما اصاب الثقافة والمؤسسات الثقافية من دمار وانحطاط وتساءل في احدى قصائده هل صحيح انهم هدموا دار السينما السندباد ؟ هذا لأننا كنا انا وهو نرتاد هذه الدار لعرضها اروع الافلام . من هذا الانسان الذي عاش حياة حافلة بالأحزان والخسارات ؟؟؟انه الشاعر الصديق الراحل (سركون بولس 1944 الحبانية -2007 برلين) .
قالوا لي…
إنهم هدموا سينما السندباد!
يا للخسارة.
ومن سيُبحر بعد الآن؟
من سيلتقي بشيخ البحر؟
هدموا تلك الأماسي؟
حجرًا على حجر؟
قمصاننا البيضاء، صيف بغداد
حبيباتنا الخفراوات حتى
التجلي…
سبارتاكوس، شمشون ودليلة
فريد شوقي، تحية كاريوكا،
ليلى مراد؟
وهل يمكننا أن نُحبّ الآن؟
كيف سنحلمُ بعد اليوم
بالسفر؟
إلى أي جزيرة؟
هدموا سينما السندباد؟
ثقيلٌ بالماء شعرُ الغريق
الذي عاد إلى الحفلة
بعد أن أطفؤوا المصابيح
وكوموا الكراسي
على الشاطئ المقفر
وقيّدوا بالسلاسل أمواجَ دجلة . إقتباس بتصرف خالد عوسي الأعظمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق