الاثنين، 2 ديسمبر 2013

نوري السعيد وسياسة الاقناع


        إن دراسة عن نوري السعيد في قيادة السياسة في العراق لحقبة تقارب أربعة عقود من الزمن وكذلك سلوكياته وأفكاره مسألة أساسية لفهم تأسيس دولة دستورية ناشئة إذ كان نوري السعيد رجلا ذكيا يتمتع بكاريزما هائلة أي جاذبية فعالة، وهو سياسي مستبد ومحنكّ وعنيف مع أعدائه يتمتع بذكاء متميز في المناورات والمؤامرات السياسية غالبها في الخفاء كما له القدرة الفعالة التي أرهبت الكثير من الساسة العراقيين الذين لم تكن لديهم القدرة على مواجهة كاريزمائية قوية، خاصة حينما كانت مدعمة من قبل الادارة الانكليزية بل ويمثلها .
 أعجب نوري السعيد بسعد زغلول الشخصية الوطنية العربية في مصر، وكان يرى في الزعيم التركي كمال أتاتورك بأنه فلتة من فلتات التاريخ لا يجود الزمان مثله بسهولة. كان أسلوب الأقناع سلاحه الناجح في السياسة وخارجها ويشهد بذلك المعارضون من مواطنين وأجانب على حد سواء. كان يستعين في مناقشاته بالمزح والدعابة حتى في مجالات السياسة للرد على المنتقدين.كانت قوة ذاكرته تسعفه على الدوام إذ كان يتذكّر خصائص أغلب من يقابلهم وظروف المقابلة حتى لو مرّت عليها سنون طويلة. وكانت كذلك النكتة وسرعة الخاطر تسعف نوري السعيد في مواقف عديدة. لقد إحتل نوري السعيد طيلة هذه الفترة موقع القائد السلطوي الأبوي في قيادة الخطوط العريضة لسيرورات الحكم في العراق وبسبب توافق طموحاته مع رغبات الإدارة الإنكليزية، تمكّن من أن يتولى هذا الدور، وقد قَبِلَ الكثير من أفراد المجتمع العراقي بدوره المستبد، كما ان الفكر السياسي عامة خضع له، وإجتذب الدور الذي تولاه الكثير من السياسيين والإداريين، فإستسلموا له أو سايروه. فقد إرتبط إسمه بالبريطانيين إرتباطا وثيقا، فهو الذي ثبتّ السيطرة البريطانية على العراق بمجهوده ومناوراته، فكانت لا تسقط حكومة عراقية أو تشكّل أخرى إلا برأيه ، فهو محور كل شيء، ويعتقد غالبية العراقيين أن معظم الساسة الذين لعبوا دورا على المسرح السياسي العراقي هم تلامذة نوري السعيد، فقد كان مدرسة سياسية قائمة بذاتها تفرز شخصيات تدور في فلك المبادىء والآراء التي يؤمن بها، وقد أحاطت بشخصيته هالة لا تقتحم تتميز بالرهبة يخشاها الجميع عراقيون وعرب. لقد كانت شخصية نوري السعيد غامضة ومهيبة تثير خيال السامعين وتطرح صورا مرعبة في أذهانهم ، فقد كان عارفا وخبيرا بأخلاق ونفسيات الساسة المحيطين به والمتسابقين الى إقتناص المناصب والثروات، فيعالجهم ويمسك بخناقهم حتى يروض العاقين منهم، فلا يشذّ أحد منهم عن خططه ونواياه وأهدافه، ومن يشذّ عن ذلك يحيك له نوري السعيد مؤامرة خلف الابواب المغلقة تليق به فيلوي يده ويضعه في مكانه الطبيعي . فقد كان قاسيا لا يرحم خصومه فقد أتهم بقتل عدد من السياسيين المعارضين له وقيل انه المحرّض على مقتل توفيق الخالدي سنة 1924 الذي شغل منصب وزارة الداخلية والذي كان يطالب بالجمهورية ويعارض العائلة الملكية والمتهم بقتل الضابط المتقاعد شاكر القره غولي أحد رجالات نوري السعيد والذي قيل أنه كان يستخدمه لتصفية خصومه السياسيين، كما حامت حول نوري السعيد تهمة مصرع الملك غازي إنتقاما لمقتل جعفر العسكري .لقد عرف نوري السعيد قوة وضعف الشعب العراقي فإستخدم الثغرات الكامنة فيه ببراعة وإلتفّ عليه وسخرّه لتنفيذ أغراضه، فَخَلَقَ حوله فئة من المسبحين بحمده واللاهثين وراء المناصب والجاه والثروة. لقد كان نوري مدرسة فريدة ونسيج وحدة لها نهجها وأسلوبها وطرقها في تخريج التلاميذ وصياغة الآراء، فلا حاجة به لتلقين أحد ممن إنتموا الى تلك المدرسة ما يجب أن يفعله، فهم يعرفون غاياته فينفذونها دون عناء أو إرشاد أو توجيه. كان نوري السعيد شابا وسيما ضعيف البنية معتدل القامة لا يوجد من ينكر ذكاءه وفطنته وقوة ذاكرته وثقته العالية بنفسه وبساطته ووفاءه وكرمه وروحه المرحة وحبه للنكات وطرائف الامثال، لذا فأنه كان أيضا أنيسا لطيف المعشر الأمر الذي جلب اليه أنظار الصحافة الغربية في وقت مبكر ففي عام 1932 كتبت عنه مجلة- النيرايست- اللندنية أن (نكاته محببة وعابثة بحيث يجد فيه الجليس رفيقا أنيسا) وفي الوقت نفسه كان نوري السعيد حاد المزاج سريع الغضب وسريع الانفعال أحيانا والى حد التهور حسب وصف التقرير البريطاني عن الشخصيات العراقية ومع ذلك كان صبورا في أحيان كثيرة يتحمل النقد اللاذع، وقلما عاصره حاكم شرقي تمتع بنفوذه وموقعه . وكان شجاعا وحازما فقال عنه لورنس أن ما تحلى به نوري السعيد من شجاعة وثقة ورباطة جأش هي التي جعلته زعيما مثاليا متميزا. وأضاف ( أكثر الرجال يتكلمون بسرعة حين إطلاق النار وتبدو على تصرفاتهم علائم الإنفعال،أما نوري السعيد فقد كان يزداد هدوءا). وكان نوري السعيد يستيقظ عادة الساعة السادسة صباحا ليستمع الى نشرة أخبار(صوت امريكا) ومن ثم يتناول قهوته ثم يبدأ الجولة الاولى من إجتاماعاته مع وزرائه عبر الهاتف ثم يعود ليتناول فطوره المكوّن أساسا من البيض . ثم يمشي على قدميه على الجسر الذي يربط بين الكرخ حيث مسكنه والرصافة حيث مكتبه في دار السرايا و ما يسمى بالقشلة الكائن على نهر دجلة. وكانت الخطوة الاولى لنوري السعيد هي أعطاء التوجيهات بخصوص كيفية الرد على رسائل الحكومة ،ويكتب بخط يده رسالة الى أحفاده في إحدى المدارس الخاصة في إنكلترا، ثم يعود الى منزله بحلول الثانية ظهرا ليستمع الى نشرة أخبار اذاعة بي بي سي قبل ان يتناول الغداء وينام مطولا خلال فترة الظهيرة. وفي حال كون الجو جيدا في بغداد فأنه يتناول الشاي في باحة حديقته وهو يتابع سرب البط وهو يسبح في مياه دجلة. وكان يقضي بقية يومه في منزله مع مجموعة من أصدقائه ومع مسؤول الإعلام خليل إبراهيم ومع وزير الاعمار ضياء جعفر وكذلك مع وزير المالية خليل كنة.كما كان نوري السعيد يزور القصر الملكي عدة مرات في الأسبوع الواحد من أجل تبادل وجهات النظر مع الوصي الامير عبد الاله، كما يزور وزارة الدفاع التي طالما كانت مكتبه الامين . إلا أن اهتمامه في الآونة الأخيرة من حياته تحوّل الى مجلس الاعمار.
 كما شكلّ نوري السعيد مجلسا من القضاة للنظر في قضايا الفساد الإداري والمالي تحت عنوان (من أين لك هذا؟) وقد أسفر عمل لجنة القضاة هذه عن فصل حوالي 300 مسؤول في الدولة عن مناصبهم من بينهم 7 محافظين. كان نوري السعيد من الرعيل الأول الذين أسسوا المملكة العراقية الهاشمية والذين ساندوا الملك فيصل الأول في الجهاد. كما أنه عاصر الملوك الهاشميين ،وهم الملك فيصل الأول ثم الملك غازي وأخيرا الملك فيصل الثاني. وقد إستمر في خدمة العرش الهاشمي الى النهاية سواء في الحكم أو خارجه إذ كان يعتبر نفسه مسؤولا عن تنفيذ الخطط المرسومة التي تحافظ على سلامة العراق وعرشه. ومما لا جدال فيه هو أن التربية العسكرية كان لها أكبر الأثر في تكوين شخصيته، فكانت البساطة واضحة في مظهره وتصرفاته وطريقة معيشته، ولم يكن في يوم من الأيام يكترث بالعظمة والابهة. كان يقوم مبكرا وبانتظام وكأنه في ثكنات الجيش فيذهب بنفسه الى المطبخ دون أن يوقظ زوجته أو الإستعانة بالخدم ليجلب لنفسه ماء الحلاقة الساخن وكوب الشاي المعتاد. وفي السنوات الأخيرة كانت تلحق به قطته المفضلة فيقدم لها الحليب بنفسه في إنائها الخاص، ثم يتجه رأسا الى حجرة الراديو ليستمع لكل ما يدور حول العالم قبل الذهاب الى دائرة العمل. كان نظرا لكثرة مشاغله قرر نوري السعيد في السنوات الأخيرة أن يكتفي بإستقبال الضيوف وأصحاب الأعمال رسميا في مكتبه برئاسة الوزراء إلا في الأحوال الإستثنائية أو عند إقامة دعوات رسمية. ورغم ذلك ظلّ باب مكتبه في المنزل مفتوحا على الدوام لعدد من السنين، من بينهم ضباطا قدماء من زملائه كالسيد توفيق السويدي والحاج منير إذ كانوا يواظبون على الحضور عصرا في أغلب الأيام لإتقاء شر الوحدة في منازلهم ،وكانهم من أفراد العائلة. كان يحييهم ويلاطفهم من حين لآخر وهو يتصفح الجرائد أو يستمع الى الراديو. ويشترك أحيانا معهم في الحديث عندما يحتسون القهوة أو يأكلون بعض ما لذّ وطاب. كان يعامل الخدم والحراس بكياسة وتواضع ويمر في الأسواق بديمقراطية ملحوظة فيرحب بقدومه صغار التجار، إذ كان يحييهم ويداعبهم أحيانا ويسألهم عن أحوال السوق، ويختار بنفسه الفواكه التي يشتريها منهم، ويقال أن هذه الفئة هي أكثر من إفتقدته بعد الإنقلاب .

تاليف: سيف الدوري. 

جمع واعداد: خالد عوسي الأعظمي .
________________________________

مقالة أخرى: نوري السعيد و إبن الحلاق .

كان الباشا نوري سعيد يحلق عند حلاق ثابت .... وكان عندما ينتهي من الحلاقه يجلب إبن الحلاق المنشفه لكي يمسح بها الباشا .... وكان الباشا يُكرم ابن الحلاق بعانه (اربع فلوس) . وكبر ابن الحلاق الى أن تخرج من الخامس ثانوي . فعندما كان يحلق الباشا كالمعتاد ....قال له الحلاق ابشرك ابني تخرج من الثانويه ....فهنأه الباشا ....وقال له الحلاق:- اريد منك ياباشا ان تساعده في الدخول الى الكليه العسكريه ؟فأطرق الباشا صامتا" وقال له :- استطيع اساعده في الدخول الى اي كليه الا العسكريه!!! فقال له الحلاق :- لماذا باشا؟ فرد الباشا بلهجه عراقيه:- أنا لا استطيع التدخل في قبول ضابط كان يمسك لي الخاولي ويأخذ مني الأكراميه قبل دخوله للكليه العسكريه!!!! .

تأليف : الدكتور . إبراهيم العلاف .
جمع واعداد: خالد عوسي الأعظمي .

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...