الصورة - ( سوق حنّون ) محلة قنبر علي عام ١٩٥٠ م .
كان يأتي بسلال البيض القادمة من الريف الى المنطقة المحصورة بين قنبر علي والمدرسة المحمدية. “حنون” الرجل البغدادي البسيط، لم يكن ليشهد هذه السوق التي عدت من اشهر أسواق بغداد الشعبية ، وقد حملت اسمه في منطقة كان أمتلكها اليهود العراقيون تجارا وواجهات اجتماعية وحتى سياسية لعقود مضت. وهي امتداد لسوق قنبر علي بقسميها سوق حنون الكبير وسوق حنون الصغير والتسمية حديثة نسبياً ترقى إلى العصر العثماني. تميزت السوق بمعروضها الرخيص، وطيبة المتعاملين فيها من الذين كانوا كسبة في الغالب، واذ كان البغداديون فضلوا الدجاج الحي والسمك والبيض، فقد لجأ حنون الى بيع البيض الذي اقبل عليه سكنة المنطقة غير منتظمة المحال المعروفة بالبقالة والقصابة. وحتى قامت، فيما بعد، مكاتب لبيع الدجاج قبل انتقالها الى المنطقة القريبة من مرآب النهضة.. ثم الى منطقة الشعب، ولا يعرف مصيرها اليوم. أما الآن فقد أصبحت سوقاً عامرة تباع فيها الخضراوات والفواكه واللحوم والسمك. أحد وجهاء سوق حنون قال: “معروفة السوق في انها أحدى محلات بغداد الأولى، شهدت نهاية الاحتلال العثماني، وبعده البريطاني ومن ثم الملكية مرورا بالجمهورية التي أسسها الزعيم عبد الكريم قاسم”. مهدي فليح الخالدي استدرك: “عندما نقف عند ذكرى الزعيم، فالراحل كان ينتمي لهذه المنطقة ومثيلاتها، جولاته استقصاءاته الميدانية ومعايشته ابناءها والمساكين منهم، من خلال الوقوف على معاناتهم، وهناك مواقف يطول الحديث عنها، لكن سوق حنون يتذكرها، لاسيما عند المقارنة بين حكم قاسم وبين حكم من قبله او من خلفه”. يعود الخالدي ليقول: “عندما بدأت هجرة اليهود بعد العام 1948 ، استوطن المنطقة العرب المسلمون الذين ابتاعوا الأملاك والبيوت فيها”. شوارع السوق لاسيما الفرعية والـ “عكود” بحسب الخالدي هي ذاتها منذ تأسيسها، مع بعض التحديثات والملاحظات البنائية التي يعتبرها ابناء المنطقة القدامى “نشازاً في لحن (حنون) الأول..”، ومن ابنائها القدامى “ابو غسان القصاب، بيت فرهود، جبار السماك الذي يعتبر من أشهر وأقدم الاسماء في (عكد السمك) العكد الذي تحول اليوم الى مجموعة محال ليبع المواد الانشائية. مؤكدا: “ذلك لأنها لم تلق اهتماما حرفيا يذكر، يمكن ان يحافظ على هويتها العمرانية والثقافية”. مشيرا الى ان “السوق تحمل دلالات شعبية خالدة كالفنون العمرانية (الشناشيل البغدادية)، عادات المناسبات وتقاليدها الشعبية، و(المقامات والجالغي البغدادي) وغيرها، علاوة على مقام الشيخ اسحاق شيخ التوراتيين، والذي لم يتأثر سلبا خلال الحقب الماضية، لكن يحزننا الاهمال الذي يعانيه الآن، ناهيكم عن دلالات المكان الانسانية”. ويذكر الخالدي ان “أحد ابناء سوق حنون ويدعى (شمعون) عندما توفي قبل عامين حسبما أذكر، سلم منزله الى طائفته حيث لم يترك وريثا، وذلك دليلا على تلاحم الأفكار والمعتقدات والديانات فيها”. سوق حنون التي تكاد تتوسط المحلتين الأشهر، الفضل وأبو سيفين، بكل ما تحمله من ذكرى لبداياتها، للثورة، للبناء، للولاء، لا تريد ان تتنصل عن ميزتها الأولى، فالحشرات والزواحف (الأفاعي والعقارب) مازالت تقطنها، واذا ما أراد أحد أن يكتشف علة المنطقة وقدمها ورطوبتها فما عليه سوى ملاحظة انعدام شبكات الصرف الصحي وشح مياه الشرب واستفحال ظاهرة البطالة بين صفوف ابنائها ومعاناتهم في سكنهم لأماكن غير مؤهلة كالمطابع والمدارس، ومنازل آيلة للسقوط وأخرى مهدمة والتي أغلبها (أموال مجمدة). وحيث كانت السوق قبلة للمتبضعين القادمين من جميع أنحاء وأطراف بغداد، أصبحت اليوم تعاني المشاكل ومنها الأمنية التي اثرت على حركة العمل ومصدر معيشة المواطنين، وتجريف معالمها العمرانية. حتى ان أحد مثقفيها، وما أكثر الذين قدمتهم للمشهد الثقافي، قال “نخشى ان نعود أدراجنا يا حنون. من قبل من، يا حنون، البيضة أم الدجاجة؟”.
جمع واعداد: خالد عوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق