الاثنين، 14 سبتمبر 2015

فريج الاكرع يظهر من جديد





المقال : ( فْرِيج الأگرع ) يظهر من جديد !!!!! .
الصورة : إبن السِعْلوَّة ( فْرِيج الأگرع ) يحلق لحيته الطحلبية و يظهر بحُلَّة جديدة .
لا أدري ما الذي ذكّرني به ، لكنّ الحال الذي عليه عراق اليوم يوحي وكأنه موجود في كل ركن وزاوية، يرتقي ظهورنا ويُدميها، ينشب أظفاره في قلوبنا فيجعلنا حائرين كيف تسنّى له الظهور بعد كل تلك الغيبة. أتعرفون من هو؟ إنه فريج الأگرع ، ذلك الكائن الخرافي الذي نبع ذات يوم من حكايات جدّاتنا وهنَّ يخوِّفننا به. هو فريج الأگرع، إبن سعلوَّة الشط، المجبول عل الفساد والمخاتل في نهارات الشواطئ.. ذلك الذي تقول جدّاتنا أنه يعيش تحت المياه مع أمه لكنه يظهر في بعض الأيام باحثاً عن الأحصنة (جمع حصان) التي غاب عنها أصحابها، وحين يعثر عليها يرتقي ظهورها ويشرع في عضِّها وخرمشتها فإذا حضر الناس بسبب الصهيل غاب هو عن الأنظار. كان فريج الأگرع حسب المخيلة الشعبية الجامحة ذا شكل غريب؛ قزم على هيئة رجل ذي وجه أخضر ولحية طحلبية، رأسه أصلع ، وحجمه لا يتجاوز حجم طفل في الثالثة من العمر. عدا هذا، كانت لديه أظفار حادة وأسنان قوية ويقول رواة قصصه في الجنوب أنه من أزعج المخلوقات وأكثرها إيذاء . وللخلاص من شرِّه كان الفلاحون يضعون قيراً على ظهور خيلهم كي يلتصق به ومن ثم يصطادونه من خلاله، فإذا ما نجحوا في ذلك ـ وهم غالباً ما ينجحون كما تفترض المخيلة ـ يشرع فريج الأگرع بالبكاء والتوسُّل كالأطفال كي يطلقوا سراحه، فهو يتوقع، دون شك، أن يعاقب أشدّ عقوبة ممكنة لتكرر إزعاجه لهم . المهم إنه يظل يتوسَّل ويبكي متعهداً ومقسماً أن لا يعود لفعلته لكن الفلاحين يصرّون على معاقبته وضربه بالسياط فيعود للبكاء مستنجداً بإمه، سعلوَّة الشط، التي تكمن في النهر حيث مملكتها السحرية الغامضة. المهم أن العقل الشعبي ربما أراد الانتقام من تلك السعلوَّة فتصوّر أنّ بإمكان الفلاحين الأذكياء أسر إبنها الأگرع، ذلك المُفْسِد الذي إنتهينا به وهو يتوسَّل ويتوسَّل ثم يستغيث بالوالدة دون جدوى. هاكم ما يجري في الخرافة؛ فجأة تظهر السعلوَّة الأم من باطن النهر، تَخرج بجدائلها الخضراء المتطايرة وأرجلها الشبيهة بالخرق. ها هي ذي تبكي بقلب مقروح متوسلة أن يتركوا ولدها . الفلاحون يرفضون، مثلنا حين نمسك بأحد الفاسدين الإداريين . تقترب وهي تذرف الدمع مدراراً، تماماً مثل الحاضنة التي تقف وراء الفاسد الذي لوَّعنا، ثم تعرض على الفلاحين شيئاً مغرياً قائلة لهم؛ فدوه أروح إلكم.. بس عوفوا فريج وآنه أدلِّيكم على دوه مال رمد العيون ووجع الراس.. شتگولون !. يتناقش الفلاحون فيما بينهم برهة ثم يوافقون. يُفلتون الكائن الأقرع من القير فيهرب وهو يصرخ ويسبّ الجميع كما يفعل الأطفال . يلج باطن المياه بينما الناس يقذفونه بالحجارة ويلعنونه ـ منعول الوالدين بس ترجع إلا نشلع أذاناتك.. تُرى هل سنفعل ذلك مع فريج الأگرع خاصتنا إذا ظفرنا به!. هل ستهرع له سعلوَّتنا الجديدة لتنقذه! هل ستفاوضنا مثل تلك اللعينة!. أسئلة تبرق في عتمة العراق المليء بالسعالي ولا من مجيب سوى ظهورنا التي اتعبتها الخرمشة وأنهكها العضّ الخبيث.

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...