المقال : أشهر من نارٍ على علم (ج1) .
الصورة : (مجلة الرشيد) العدد 107 من 1-16 تموز 1989 مقال للأستاذ (سمير الشكرچي) .
إذا كانت الصحافة و الصحفيون الرياضيون اليوم يلهثون وراء الرياضيين البارزين و يخصونهم باللقاءات و المقابلات و إظهار كل ما يتعلق بهم على صدر الصفحات اليومية فإن الحال كان مختلفاً تماماً في الثلاثينيات يوم كان البطل يدفع من جيبه الخاص مقابل نشر خبر صغير عنه أو بطولة يشارك فيها و المتا...بع لمجريات الأحداث الرياضية على صعيد القطر في الثلاثينيات و الأربعينات يجد أن إسم البطل (عوسي الأعظمي) قد أُفْرِدَتْ له أكثر من مساحة خبرية على صفحات الجرائد العراقية العتيقة بل و أن هذا الرجل كان أشهر من نار على علم بفعل حركته الرياضية الدؤوبة و تعلقه بالألعاب المختلفة بما فيها المصارعة و السباحة و بناء الأجسام و الدراجات بل و حتى التزلج و إذا كان عوسي الذي قارب أو كاد يقترب من الثمانين قد ملأ دنيا الرياضة بإسمه لفترة إمتدت أكثر من نصف قرن فإنه اليوم ليس أكثر من متقاعد لم يعد يملك من مقومات الشهرة و العنفوان أكثر من إسمه فقط و هذا هو حال أبناء زمان الذين وهبوا الألعاب أكثر مما وهبتهم . ولد جاسم محمد الأعظمي أو عوسي كما أطلق عليه تحبباً فيما بعد في منطقة الأعظمية عام 1913 و كان منذ صباه حركاً نشيطاً يختلف تماماً عن سائر أقرانه إذ كان يتفوق عليهم جميعاً في الصراع و السباحة و الجري . فبعد أن بلغ السابعة من عمره كان يخرج مع أبيه الحطّاب الى نهر دجلة و هناك بدأت قريحته الرياضية تتفتح و بدأت مواهبه بالتطور نتيجة الإحتكاك و مشاهدة أبطال المصارعة و السبّاحين و المهتمين بتربية العضلات و تنميتها و إذا كانت الأعظمية و مناطقها القريبة من شاطيء النهر قد إشتهرت بزورخاناتها التي كان الشباب الذين يستهويهم الصراع يتبارون فيها لإظهار قوتهم فإن ضيفنا إجتذبته هو الآخر تلك العوالم التي كانت تغلِّف لعبة المصارعة فإنطلق يتدرب على المَسْكات الصعبة و يحاول تقليد المصارعين المشهورين أمثال (عباس الديك و أسطه غني القره غولي و صبري أفندي الخطاط) حتى أصبح يجيد كل الأوليات دون أن يتتلمذ على يد مدرب محدد . و من الذكريات الجميلة التي يحملها عوسي ؛ إسمي الحقيقي هو جاسم محمد طه أما عوسي فهو لقب أطلقته علَيَّ جدتي حينما أشرفت على الموت في طفولتي و نجوت منه بإعجوبة . و الغريب أن أصدقاءه و أقرباءه و حتى أبناء محلته يجهلون إسمه الحقيقي و لو شاءت الأقدار أن يأتي غريب ليسأل عن بيت جاسم محمد فلن يجد من يدله عليه لأنهم لا يعرفون رجلاً يسكن المنطقة بهذا الإسم . و يضيف عوسي ؛ بعد أن بلغت الثامنة من عمري بدأت أمارس أوليات المصارعة على شاطيء النهر و أتلهَّف لسماع أخبار أبطال الزورخانات و لما كانت زورخانات الشط ترتبط بفصل الصيف فإننا أخذنا نبحث على الزورخانات النظامية و عثرنا على واحدة قريبة من الأعظمية حيث عبرنا (الجسر الخشبي) الذي يربط (الأعظمية بالكاظمية) و إتجهنا الى (خان كعبوري) فشاهدنا زورخانة (فاضل التميمي) و كانت عبارة عن دائرة محفورة بعمق متر تحت الأرض تحيطها الكراسي و تخوت المتفرجين و كنا ندفع عشرة فلوس ثمن الدخول الى القاعة و بالمقابل كنا نحصل على قطعة حلوى - لقم ، و بدأنا بمتابعة الصراعات البطولية و كنا ننتصر لهذا و نصفق لذاك و بعد ذلك أخذنا نتردد على زورخانات بغداد و تعلمت شخصياً المصارعة على يد بعض الأبطال أمثال (عباس الديك و مجيد ليلو) و كنت وقتها أقوم بعملية التدليك لبعض المصارعين و أتعلم بالمقابل منهم المَسْكات الأصولية في المواجهة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق