الصورة : جامع الإمام الأعظم (أبو حنيفة النعمان) منتصف الستينات
هي الروض الأزهر ، والأرخبيل الأخضر ، وعطر نسيم الأصيل ، وصباحها الندي على ضفاف دجلة ، وبساتينها الوارفة الظلال البهيَّة ، وهي بحق ... الماء والخضراء والوجه الحسن . ومن لَحن الأذكار ، بزقزقة الطيور والعصافير في الأصيل والفجريَّة . أول ماعرفت به (الرصافة) ثم (الأعظميَّة) ، نسبة إلى (الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي) المدفون فيها سنة (150هجريَّة) . وقد بنيت (الرصافة) أي (الأعظميَّة) سنة (151هجريَّة) بعد بناء (بغداد) سنة (145هجريَّة) مدينة (المنصور) في جانب (الكرخ) فكان بناؤها كمعسكر للجند ، وقصر لإبنه (المهدي) وإقطاعات لقادة جنده ، وأحاطها بسورٍ من لبن ، وكانت بقرب (الشمّاسية) وربطها بجسرين (الرصافة) و (الشمّاسية) ومن بعده ، بنى (الرشيد) (قصر زبيدة) لزوجته (زبيدة) العباسيَّة . إلا إن (الشمّاسيَّة) موجودة قديماً ، وهي مشهورة بأديرتها ، وإسمها جاء من جمع شماس ، وهو الشخص الأقل مرتبة في الطائفة النصرانية الكهنوتية . وفي سنة (173هجرية) توفت (الخيزران) زوجة (المهدي) ودفنت قرب (أبي حنيفة النعمان) فسميت المقبرة بإسمها ، أي (الخيزران) و عسى نفسها ذهبت الى ربها راضيةً مرضيَّة ، وإشتهرت (الأعظمية) ببساتينها ، وخصوبة أرضها، ونقاوة هوائها ، وعذوبة مائها ، فكانت بحق منتجع لكل من أراد لذة العيش الهنيَّة . وهي قبلة عشاق العلم ، لينهلوا من علوم صاحب الحضرة العليَّة . ومن مدارسها وكلياتها وجامعاتها العلميَّة ، نبراساً و مناراً للأمة الإسلامية . وهي ملاذ المتصوفة والعباد ، فكانت لهم التكاية السنيَّة ، وسبقهم إليها العباد في الأديرة الكهنوتية . ومنهم مَن إلتجأ إلى شاطئها ليريح نفسه من الهموم العَصيَّة ، بأغاني وتواشيح ومقامات شديَّة ، ليتخذوا من ضفافها أمكنةً مؤنسة شجيَّة . وسكانها من جميع محلات بغداد والعراق التجؤوا إليها واجتمعوا على حب الأعظميَّة ، وسبقتهم إليها ، نخوة عشيرة (العْبيد) الأبيَّة ، و مَن جيءَ بهم من العشائر العربيَّة ، لحماية الحضرة الجليَّة . ومن السباحة والفروسيَّة ، والمصارعة والملاكمة ، وجميع الألعاب الكرويَّة ، والساحة والميدان والقوى ، اتخذوها رياضةً سرمديَّة . وهي عنوان الحداثة والتحضر ، في الفكر والبناء على المستوى السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، فاستحقت بحق هذه العظمة .... لله درك أيتها (الاعظميَّة) .
مقال من تأليف : العبوسي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق