الثلاثاء، 6 يناير 2015

عندما تبكي النوارس




        حلق النورس بجناحيه . عاد بعد غياب طويل ، أيّ رياح طيبة هذه التي حملتني إليك وقد قتلني الشوق حباً.. أما من أخبار عن بلاد الرافدين ؟ رفرف النورس بجناحيه باكياً ، لملم النورس جراحه وابتعد بدموعه ليحط بجناحيه فوق بلدالأنبياء و الأولياء والأبرار... ماذا حل بالعراق ..؟ حَلَّق بعيداً.. رغم ..الأمواج العاتية.. و الرياح البائسة .. هل من المعقول أن تتكسر حضارة آلاف السنين على صخور الظلام..!!؟ 

عاد النورس وأجنحته ممزقة بعد أن طاف الجبال والوديان و الأنهار و الأهوار و الصحراء .. حلق فوقها وجدها حزينة ظللتها غيوم سوداء غادرها إلى المدن و القرى التي تأبى الذل .. يا ويلتي أي مصاب هذا الذي حل بمدن العزة والكرامة وأية أيادٍ سوداء هذه التي لطخت بالدماء تراب هذه القرى الأبية .. صرخ النورس صرخة حزن تعالت أصواتها ، شوارعها وأقبيتها بعد أن رأى ما حل في مساجدها و كنائسها و معابدها .. فردد في باحاتها قول الشاعر أبو فراس الحمداني:-
مُصابي جليل والعزاء جميل ..... وظني بأن الله سوف يديلُ
غادر النورس باكياً إلى مدينة الياسمين.. إلى دار السلام ، بغداد . أعظم عاصمة في التاريخ.. (بغداد حاضرة الفكر وكائنة تكوين العشق ، فهي مدينة الحب والإيمان) .. لماذا مات الياسمين في ربوعها الخضراء ولَوَّثَت رائحة الدم أثيرها. آه.. وألف آه.. بعد أن رأى الوجوه شاحبة والقلوب ميتة.. ماذا حل بالإنسانية..؟ ومتى كان الإنسان عدواً لأخيه الإنسان..؟ بالله أيّ دماء هذه التي أريقت فيها ولماذا صارت النساء ثكلى..!!..آه ماذا حلّ بالعراق وأية إرادة شيطانية هذه التي تعبث بالحضارات وتقتل الأجيال.. آه يا ملة الكفر ماذا فعلتم.. إنه التحرير !!! أيُّ تحرير . تحريرٌ ، هُجِّرَ و شُرِّد فيه أهل البلد جميعاً . تحرير ، قسَّم المقسَّم و جزَّء المجزَّء . تحرير ، تضمحل فيه الحضارات . تحرير ، يُهَمَّشُ فيه جميع سكان العراق بكافة إختلافاتهم الإثنية و الدينية . تحرير ، إستعبد البشر و دمر الحجر . و قتل الإنسان و الوطن . صدح النورس بصوته . متى نبتت بذرة الشر هذه في نفوس بلاد الحضارة والإيمان..!! . أنسيَ العراق العريق أنه جمجمة العرب و رمح الله في الأرض .أيعقل أن يحدث هذا في بلاد عرفت الآشوريين و السومريين و البابليين و الأكديين .. و العباسيين ؟ تثاقلت أجنحة النورس بالهموم من شدة وهول ما رأى و سمع.. وتساءل بخيبة أمل :- لماذا حجَبت الشمس عنّا ضياءها..؟ أما من نور يضيء ظلمة هذه الحقبة ويخفف آلامها..؟ مسح النورس دموعه وحلق بعيداً وطاف في السماء ، ودعا مناجياً ربه:- ربنا احم لنا عراقنا.. ربِّنا احم بلادنا وانصرنا على أعدائنا.. ربَّنا أيقظنا من غفلتنا هذه.. وعاد الى مهجره متأملاً أن تشرق شمس الأصيل في إشراقة صبح جميل على العراق القتيل ..


خالد عوسي 

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...