الخميس، 13 أبريل 2017

إذا طابت النفوس ... غنَّت

المقال : إذا طابت النفوس ... غنَّت .  
                الصورة : (ديميس روسوس) في بغداد/ قدَّم حفلتان في نادي الطاحونة الحمراء/ الكرادة ، عام 1976 .
ما كان يُمكنني أن أتغافل عن موت هذه الاسطورة الأممية (يوناني الأب والثقافة إيطالي الأم مصري المولد)، ديميس روسوس، و هو الذي كان واحداً ممن أمتعوني وأبهجوا حياتي وحياة الكثير ممن أعرف من أبناء جيلي يوم كانت بغداد تفرض نفسها مدينة أنيقة، متحضرة، نظيفة الشوارع، دائمة الخضرة، تعرض الأفلام و المسرحيات و الكتب حتى ما بعد منتصف الليل ، و تسهر النوادي و المقاهي و المطاعم على شطها و في مركزها حتى مطلع الفجر. في نوادي العاصمة العائلية الراقية (جمعية التشكيليين، نادي الإعلام، نقابة المهندسين، نادي التعارف، و سواها) كنا نلتمّ جماعات، نستمتع بالأغاني و الموسيقى الحيّة و المسجلة، المحلية و العربية و الأجنبية. ديميس روسوس كان حاضراً هناك دائماً بصوته الشجي المميز و أدائه الكنسي البهيّ الى جانب أصوات (فرانك سيناترا) و (اديث بياف) و (الفيس بريسلي) و (تينا تيرنر) و (دوريس داي) و (جون لينون) و (داليدا) . قليون منا كانوا يقاومون دعوة هذه الأصوات الساحرة الى الرقص . هذه الكوكبة الأممية كانت تزيّن ليل بغداد بعذوبتها بمثل ما كانت تلوّنه أصوات (سعدون جابر) و (عفيفة اسكندر) و (سيتا هاكوبيان) و (إلهام المدفعي) و (ناظم الغزالي) و (محمد القبنچي) و (يوسف عمر) و (قحطان العطار) و (فؤاد سالم) و (حسين نعمة) و (فاضل عواد) و (ياس خضر) و [أم كلثوم] و (فيروز) و (عبد الوهاب) و (عبد الحليم) و (نجاة) و (الأطرش) و (نجاح سلام) . يومها، لم تكن في بغداد، ولا في العراق كله، طائفية كما هي اليوم، و لم تكن بغداد تميّز العربي عن الكردي و التركماني و الكلداني و الآشوري و الأرمني، و لم يكن أهل بغداد يسألون عن الهوية و لا يهمهم أن يكون جارهم أو الجالس الى مائدتهم أو في صفهم المدرسي أو الجامعي أو في باص مصلحة نقل الركاب، مسلماً أم مسيحياً أو يهودياً أو صابئياً مندائياً أو إيزيدياً أو شبكياً أو كاكائياً أو بهائياً. بغداد يومها كانت مُشرعة الأبواب والنوافذ على الثقافة الرصينة و الفن الأصيل، لا تدقّق في جوازات السفر للأصوات و الأنغام.. كانت تهتم بالجودة والأصالة، فدخل ديميس روسوس وسواه من أساطين الموسيقى والغناء العالميين الى بيوتها ونواديها وآذان مواطنيها من دون استئذان . 
((فإن طِبْتِ يا بغداد غنَّت نفوسنا)) .

مقال من تأليف:عدنان حسين . 
إقتباس بتصرف  . ( خالد عوسي الأعظمي ) . 

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...