المقال : الأعظمية و أيام الصبا .
الصورة : الأستاذ (وليد الأعظمي) من اليسار ثم شقيقه المصور (زهير كاكا) و شقيقهما الأصغر (إبراهيم) و هم يتجهون مع كلبهم الى (سن الباشا) على ضفة (محلة الشيوخ) في (الأعظمية) عام 1959 .
قال وليد الأعظمي :- أذكر و أنا في السابعة من عمري ، أن خالي (مولود أحمد الصالح) أخذني الى الشريعة (شط القُلُّغ) في موضع (جسر الأئمة) في الأعظمية و خلعت ثيابي و شدّ على ظهري كرْبَتَيْن من كرب النخيل و أنزلني الى النهر . و تعلمت السباحة في موسم واحد أنا و أخي (الحاج زيد) و هو أصغر مني . و كان شاطيء (نهر دجلة) في الأعظمية يحتوي على شجرات من أشجار التوت و بخاصة في منطقة (البُصَيرة) فقد كان فيها غابة كثيفة منها ، و كنا نحن صبيان نتأرجح بأغصان الأشجار المتدلية ، و كان بَعضُنَا يصعد شجرة و ينتقل منها الى شجرة أخرى ، لتشابك أغصان الأشجار ، و ينزل من شجرة ثالثة ، و كنا أيام الصبا نستخرج (السِّعِدْ) من شاطيء دجلة في الأعظمية ، و كانت أمهاتنا و عجائزنا يتركن السِعدْ حتى يجف و يَيْبَسْ ثم يُطحن و يُرش على ملابسهن في الصناديق لتعبق فيها رائحة السِعدْ و تنجو من العِثْ . و كنا نسبح في بعض السواقي القريبة من دارنا ، و كانت الساقية الخاصة لبستان (الحاج محمد سعيد نشّو الأعظمي) فيها موضع عريض بقدر 3 أمتار و عميق أيضاً ، و ذلك بسبب قيام أصحاب عربات النقل بغسل خيولهم فتحفر الخيل بحوافرها حواشي الساقية و تُعَمِّقها . كانت الساقية تجري يوم السبت و الثلاثاء من كل أسبوع ، و إذا إنقطعت الساقية عن الجريان ، فإنه يبقى ماء كثير في ذلك الموضع الذي يشبه البركة . و كنت مع أصحابي نجيء الى هذا الموضع لنسبح فيه ، فنجد الكلاب قد سبقتنا إليه و هي نازلة فيه تَسْتَبْرِدْ ، فنرمي الكلاب بالحجارة من بعيد ، فتخرج من الماء و تمضي الى البساتين ، فنخلع ملابسنا و نسبح في تلك البركة ، و كنا أحياناً نجد الماء دافئاً لركوده و حرارة الشمس . و كان بإزاء بيتنا بيت تاجر الأصباغ (نسيم اليهودي) و كانت داره واسعة ، و يتوسط باحة الدار (حوض شاذروان) و أنا أسبح به أكثر من ساعة يومياً ، و يتبدد كثيراً من الماء في باحة الدار . و أذكر أنني عبرت نهر دجلة سباحة سنة 1943 و عمري 13 عاماً و ذلك أول مرة . و من ذلك التاريخ كنت أول ما أنزل الى النهر ، أعبر الى الشاطيء الغربي (شاطيء الكاظمية) و ذلك لأن شاطيء الأعظمية تحلو به السباحة صباحاً و ضحى ، و من الظهر الى المغرب ، يكون حاراً شديد الحرارة ، لأن مسنّايات الدور المطلة على النهر لها ظل ظليل صباحاً ، و كنا نحفر في ذلك الظل بعض الحفر في الرمل و نسميها (جفرة) يكون رملها البارد فراشاً للمصارعة ، و من قبل الظهر الى غروب الشمس ، تكون الشمس قد قرضت جدران تلك المسنّايات فتتوهج حرارة ، بينما الشاطيء الغربي يكون جرفه عالياً ، له ظل و لو كان يسيراً و تحيط به أشجار التوت الكثيفة العالية و النخيل الباسقات ، فيكون الشاطيء بارداً . و كان في شاطيء الأعظمية بعض الجدران الغاطسة في الماء ، و كنا نسمي الواحد منها (سن) و كان الصبية يقفون عليها و يتدافعون . و عند العصر يعبر شباب الأعظمية سباحة أو بواسطة الزوارق الخشبية من الأعظمية الى الجزيرة التي تظهر في عرض نهر دجلة مقابل قصر (رشيد عالي الگيلاني) في الصليخ و يسبحون و يلعبون في رملها الى المغرب فينحدرون سباحة الى {شط البصيرة و شط الباشا و شط القُلُّغْ و شط الحارّة و شط السفينة و شط رقية} و يبقى بعض الشباب في الجزيرة الى و قت صلاة العشاء أو بعدها ، و كان بعض الشباب يأخذون معهم سمكة أو سمكتين بشوونها و يأكلونها ....
. . ( خالد عوسي الأعظمي ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق