الاثنين، 4 مايو 2020

الشيوعية في زمن السعيد




في إحدى زياراتي لعبد القادر إسماعيل البستاني، عم زوجتي، بتول أم حيدر، في سجن مدينة الحلَّة، بعد نقله إليه من سجن نقرة السلمان السيء الصيت، صيف سنة 1967م الذي أمضيته وزوجتي بتول في منزل أخي الكبير عبد المنعم، مفتش البريد في الحلّة، حدّثني عبد القادر إسماعيل عن سجنٍ آخر زُجَّ فيه ببغداد قبل مدة طويلة ( سنة 1949) عندما كان نوري باشا السعيد (1988 ـ 1958) رئيساً للوزارة العراقية.
قال إنه كان نائماً في زنزانته بعد منتصف الليل، عندما سمع وقعَ أقدامٍ تقترب من زنزانته. فظنَّ أول الأمر أنهم سيقودونه للإعدام، خاصَّة أنهم أعدموا زميله السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الملقب بفهد (يوسف سلمان يوسف) قبل أسبوعين أو ثلاثة. ولكنَّه فوجئ بفتح باب الزنزانة ووقوف نوري السعيد، رئيس وزراء العراق آنذاك، عند بابها، في حين ظلّ مرافقوه بعيداً عنه بعض الشيء. فبقي عبد القادر إسماعيل ممدَّداً على فراشه دون أن يقف احتراماً لنوري السعيد.
قال نوري السعيد مخاطباً عبد القادر إسماعيل الذي كان أخوه خليل إسماعيل وزيراً للمالية في حكومة نوري السعيد نفسه آنذاك:
ـ قدوري [ وهو تصغير لاسم عبد القادر، للتحبيب]، كنتُ في فراشي ولم يواتِني النوم، فقد كنتُ أفكِّر فيك وفي رفاقك. وقلتُ في نفسي: إنهم من الشباب المخلصين بلا شكّ، وإنهم يرومون تقدُّم العراق ورفعته، فلماذا نزجٌّ بهم في السجن، ولماذا لا نشركهم في الحكم من أجل أن يستغلّوا طاقاتهم الفكرية في الإصلاح والتنمية.
أجابه عبد القادر إسماعيل:
ـ أبو صباح، نحن لسنا إصلاحيِّين. نحن ثوريّون. [ أبو صباح هي كنية نوري السعيد، لأن اسم أكبر أولاده هو صباح الذي قُتِلَ معه في انقلاب 14 تموز/ يوليوز 1958، ويستعمل العراقيّون الكنية في مخاطبة الشخص للتعبير عن المودة تجاهه].
قال نوري السعيد:
ـ يعني أنكم تخطِّطون لثورةٍ، وإذا نجحتْ فإنكم ستقتلوننا.
أجاب عبد القادر إسماعيل:
ـ ممكن.
قال نوري السعيد:
ـ إذن من حقِّنا أن نقتلكم قبل أن تقتلونا.
أجاب عبد القادر إسماعيل:
ـ ممكن.
قال نوري السعيد:
ـ أنا لا أريد قتلكم، وأكره أن تبقوا في السجن، وأنتم لا تريدون المشاركة في بناء العراق. إذن، اخرجوا من العراق.
وهكذا تمَّ إسقاط الجنسية العراقية عن عبد القادر إسماعيل وعددٍ من قادة الحزب الشيوعي العراقي الآخرين، وتمَّ نفيهم إلى سوريا حيث استضافهم خالد بكداش (1912 ـ 1995) زعيم الحزب الشيوعي السوري آنذاك

(من كتاب طرائف الذكريات عن كبار الشخصيات للدكتورعلي القاسمي)

 إقتباس بتصرف خالد عوسي الأعظمي .

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...