الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

شربت زبالة عصير الملوك


 الصورة : شربت الحاج زبالة مقابل جامع الحيدر خانة في شارع الرشيد بداية الثلاثينات .

قد تشمئز من الاسم المجرّد أول ما يطرق سمعك "زبالة"، فكيف إذا ارتبط بشراب ما "مشروب زبالة"؟! لكنك ما أن تتذوقه حتى تصبح من المدمنين عليه، ولا تستغرب ذلك فقد سبقك إليه الرؤساء والزعماء ورؤساء الوزارات وكبار الأدباء والمثقفين، حتى صار علامة فارقة لمدينة بغداد، فما تُذكر عاصمة الرشيد حتى يُذكر معها شربت زبيب "حجي زبالة". وتشير اللافتة المرفوعة فوق محل المرطبات إلى أنه قد تأسس في العام 1900، وهذا يعني أنه تأسس قبل أن تقوم الدولة العراقية الحديثة بعقدين من الزمن، ومن هنا يعتبره بعض مؤرخي بغداد الفولكلوريين شاهداً على الكثير من الأحداث التي مرَّت بها بغداد لكون موقعه في قلب شارع الرشيد، وهذا الشارع يعني، التظاهرات السياسية ومحاولات اغتيال الرؤساء وقصائد الجواهري في الانتفاضات الشعبية الكبرى. ويقول محمد ابن "حجي زبالة": "لكون محل والدي ملتقى الكثير من رجالات ذلك الزمن فإنهم كانوا يبلغوه بما سيحدث من تظاهرات أو تجمعات ويحددون له اليوم، فكنا نستعد للموعد بتهيئة المزيد من الشراب والذي غالباً ما كان والدنا يقدمه مجاناً للمشاركين خصوصاً في التظاهرات الوطنية".وعن عشرات الصور الفوتوغرافية المعلقة على جدران محله حتى بدا لنا كأنه "مزار" تاريخي، قال محمد زبالة: "هؤلاء ملوك ورؤساء العراق الذين مرّوا علينا، الملك غازي ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم الذي جلب معه ذات مرة ملك المغرب محمد الخامس ومرة الرئيس الجزائري أحمد بن بله، [و زارنا أيضاً عبد السلام عارف]ومن زوّارنا الدائمين الزعيم الراحل الفلسطيني ياسر عرفات، وأذكر لك مفارقة حدثت مع صدام حسين حين جاء بضيفه الرئيس المصري حسني مبارك، قال له مبارك: "إيه ده يا أبوعدي، أنت تريد تشربني شربة زبالة"، لكنه ما أن شرب الكأس الأول حتى طلب الثاني وسط ضحك الجميع.لم يكن اسم صاحب المحل بالأساس "زبالة" وإنما كان اسمه حسب البطاقة الشخصية عبد الغفور، لكنها عادة القرويين في طرد الحسد عن الولد "الذكر"، خصوصاً حين يتوفى للعائلة أكثر من ابن فتلجأ الأم إلى تسمية مولودها الجديد باسم منفّر وقبيح لتُبعد عنه الأرواح الشريرة وحسد النساء الأخريات. غير أن شهرته لم يكتسبها من غرابة الاسم وإنما من جودة العصير الذي يقدمه لزبائنه، والذي يعتقد أنه يطفئ الظمأ ويعالج الكثير من الأمراض. ومثلما لا تعطي كبرى المشروبات العالمية أسرار صناعتها، فقد حافظ "زبالة" وأولاده وأحفاده فيما بعد على أسرار صناعتهم. وقال أحد أحفاد حجي زبالة: "في كل موسم ترانا نجوب محافظات العراق بحثاً عن الأنواع الجيدة، ولا نرضى بما يُعرض أمامنا، وإذا كان الآخرون يضعون المطيبات والألوان الحديثة فإننا نقدم العصير الطبيعي وبطريقة خاصة بنا .


جمع واعداد: خالد عوسي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...