الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

ملكٌ من طين


 الصورة : دعوة مولود باشا مخلص . في (تكريت منتصف الثلاثينات) - من اليمين ، السيد باقر - محمد علي جواد - داود الحيدري - السيد محمد باقر الصدر - الملك غازي - مولود مخلص - الأمير عبد الإله - رستم حيدر - عبد الله المضايفي - المرافق .
العراق بلد غني بالطيور الوحشية ولا سيما في منطقة الأهوار التي جعلتها فتنةً ومقصداً للأجانب الذين يستمتعون بصيدها. فيما تركَّز البط في منطقة الاهوار، انتشرت طيور الدراج في سائر الانحاء. اعتاد سكان بغداد على الخروج لصيدها في المناطق المجاورة. من اشهر هذه المناطق في المنطقة الوسطى الحقول المحيطة بناحية اللطيفية. كان مشكور ابو طبيخ مديراً لهذه الناحية في سنة 1934. في موسم الدراج. كان جالسا في بيته يشرب الشاي في يوم كثير المطر عندما دخل عليه الخادم وقال، «استاذ اكو واحد عصمانلي بالباب يريد يشوفك». كان الريفيون يقصدون بكلمة عصمانلي أي عثماني. ويعنون بها بالضبط الافندي و الرجل المتعلم من الفئة الحاكمة . قال له المدير: «اسأله ماذا يريد». خرج الخادم ليسأل ذلك الطارق عن حاجته. ثم عاد الى سيده ليخبره بأنه يريد مساعدته. «سيارته غاطسة بالطين. كل هدومه وقندرته مطينة. شلون اجيبه عليك استاذ ؟ راح أروح أصُرْفَه. فقال له مشكور ابو طبيخ، «لا ابني لا. يمكن هذا بعدين يرجع لبغداد يفضحنا. يمكن يطلع واحد من ابناء الذوات ويسوي لنا قيل وقال.. روح جيبه. خلِّي يخش. طين مو طين». خرج الخادم وجاء بذلك العصمانلي غارقا بالطين. ما ان رآه مدير الناحية حتى هب اليه ليرحب به ويعتذر منه. «سيدي ما كنا نعرف. ما ندري انت هنا حتى نقوم بالواجب. گوم أبو حسين. گوم روح جيب ماي وأغسل قندرة صاحب الجلالة». لم يكن الطارق غير الملك غازي. كان قد خرج لصيد طيور الدرّاج. ركب سيارته المتواضعة وحمل بندقيته وخرج بدون حرس ولا مرافقين. كان النهار لسوء حظه ممطرا حول الأرض إلى بوتقة من الوحل. ما ان توغل بسيارته في الأرض المبتلة وقبل أن يصادف درّاجاً واحداً او يطلق طلقة واحدة، غرست سيارته بالطين. وكما يقولون، كان الله رحيما بالطيور في ذلك اليوم، و بجانب الدراج لا بجانب الملوك. حاول الملك، ولكنه كلما حاول ازدادت غرسا في الوحل، حتى يئس من اخراجها ولم يبق له غير أن يلتمس المساعدة من مدير الناحية(يا اولاد جيبوا ماي وفرشة نظفوا قندرة الملك). انطلق الخدم والحرس فنزعوا قندرته، ينظفونها من الطين ويغسلونها ويمسحونها، في حين انهمك آخرون في تنظيف بنطلونه وجواربه بقدر ما يتسع الحال. سمع اثناء ذلك عمال في گراج اللطيفية بما حصل للسيارة الملكية، فَهَبَّ الزِلم واهل الحَمولة لرفعها من حفرتها وإعادتها الى الطريق العام «دير بالك ياولد!هذي سيارة الملك غازي،لا توسخها»! جاؤوا بالماء، سطلا بعد سطل، والكل يعتزون ويبتهجون في ان اعطاهم الله هذه الفرصة ليتباركوا بغسل سيارة الملك الشاب. شكر الملك ضيافة المدير مشكور ابو طبيخ، ومساعدة أهل الناحية صافحهم واحدا واحدا وانطلق عائدا الى بيته، خائبا في صيده. التفت المدير الى الفراش، «ولك يا أبو حسين، شلون تقول واحد رجال عصمانلي؟ ما تعرف الملك»؟ «استاذ والله ما عرفته. ما يفرق بشي عن بقية الناس. حاله حالهم. جاي بطرگ الثوب والبنطلون. لوما انت تقول جيبه خليه يخش، و الله چان طردته».


جمع واعداد: خالد عوسي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...