الجمعة، 20 أكتوبر 2017

نماذج إنسانية مختلفة ، شَكَّلتْ ظواهر اجتماعية


المقال : نماذج إنسانية مختلفة ، شَكَّلتْ ظواهر اجتماعية . للدكتور (طالب البغدادي) . 

الصورة : عوسي الأعظمي نهاية الأربعينات .

من مظاهر التحضر الاجتماعي شيوع التناقض الاجتماعي ومن خلال هذا التناقض برزت نماذج من الشخوص البشرية في المجتمع البغدادي العام تختلف كليا عن النموذج الإنساني الوسطي مما ميزها وجعلها ظواهر اجتماعية عامة حفرت لها ذكريات معروفة لدى جميع أوساط المجتمع البغدادي وهي أثرت كذلك في جوانب كثيرة من الحياة الاجتماعية والملاحظ أن هذه النماذج بالرغم من كونها مختلفة عن الشكل الاجتماعي للفرد البغدادي فإنها تحظى باحترام المجتمع كما يلاحظ أن مثل هذه الظواهر لم تعد موجودة وان الأجيال الجديدة لم تعد تعرف وجود هذه الظواهر . أسماء عرفها البغداديون وعاشوا اجتهادات ومغامرات بعضهم وحركاتهم وسوالفهم وكنت من بين من عَرَفَهم عن قرب وعرف أسباب تميزهم وأسباب اختفاء هذه الظاهرة .اشتهر (عوسي الاعظمي) كونه رياضيا من الدرجة الأولى وصاحب مكتبة في محلة الشيوخ في الاعظمية كان بطلا في الكمال الجسماني وبطلا في المصارعة والملاكمة وركوب الدراجات والسباحة وكان لوحده لجنة أولمبية كاملة كون نفسه بنفسه وقد كرس حياته للحركة الرياضية فقد كان ينفق ما يحصل عليه في المكتبة على الفعاليات الرياضية التي ينظمها لقد نظم سباقات المصارعة والدراجات والسباحة الطويلة والقصيرة كما ونظم مسابقة لم تستطع اللجنة الاولمبية أو وزارة الشباب تنظيمها وهي مسابقة (السْكيتنگ) مات عوسي ولم ترث عائلته سوى دراجته التي كان يتنقل بها طيلة عمره أما (خليلو) فقد كان قزمأ قريبا من العمى طوله لا يتجاوز 90 سم ذا رأس كبير اصلع الشعر يرتدي دشداشة مقلمة بدون فانيلة داخلية ويفتح صدره بشكل مستمر حافي القدمين طوال عمره يسكن في الاعظمية لكنه يرتاد مقهى الزهاوي الواقعة في محلة جديد حسن باشا في شارع الرشيد كلما تراه كان يحمل بيده اسطوانات لموسيقى الكلاسيك وأغاني الأوبرا كان خليلو يعتبر واحدا من أهم نقاد الموسيقى الكلاسيك جميل المجلس لطيف التحدث شيَّعه أهالي الاعظمية وقاموا بدفنه على نفقتهم إذ لم يخلف وراءه الا المجموعة الكاملة لاسطوانات الكلاسيك (حسون الأمريكي) عبيدي من أهالي الصليخ الأصليين في الاعظمية ومن عائلة كبيرة ومعروفة يعمل موظفا صحيا في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية شاب طويل القامة اسمر اللون لا يخلو وجهه الطويل من كاريزما واضحة رشيق مبتسم دائما يلبس شورت قصير جدا وقميص مشجر وبعض الاحيان بنطلون كاوبوي وكان يمشي يوميا من بيته في الصليخ إلى الكرادة الشرقية بمصاحبة كلبه الوولف الكبير (تركي الچراخ) كان چراخا يصنع أجسام النراكيل من الخشب وكان من القلائل الذين يضبطون أصول المقام العراقي يجلس بشكل يومي دايم في دكانه الصغير في مدخل شارع المأمون خلف آلة الچرخ البدائية ويحرر بالمقام الواحد تلو الآخر ويلتف حوله عدد من قراء المقام يتناقشون في أصول القراءة ويمتلك أكبر شارب في بغداد (دعبول البلام) من أهالي باب السيف في الكرخ يمتلك زورقا يعمل فيه ويرتزق منه يربطه في مسناية باب السيف كان قارئا للمقام واشتهر بشرب العرق وإجادته لسگف السمك ومداعباته ومخالطته لشخصيات بغدادية كبيرة أظهره يوسف العاني في فيلمه الشهير سعيد أفندي (شيخان العربنچي) من أصل كردي يمتلك عربانة ربل لنقل الركاب كان مشهورا بأنه صاحب أقوى زيج في بغداد فكان يضرب زيج بدل جرس الإنذار والناس حين تسمع صوت الزيج تقفز مسرعة إلى الرصيف ويقال إن جعفر باشا العسكري كان مشهورا بضرب الزيج وفي أحد الأيام التقى بشيخان فتحدي كل منهما الآخر وكانت مباراة تاريخية بينهما .
 . ( خالد عوسي الأعظمي ) . 

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...