اللص الشريف من الشخصيات الفولكلورية التي استهوت كل الشعوب. يظهر انه بعد ان يئس الناس من عدالة الحكام راحوا يحلمون بالعدالة التي تأتيهم من اللصوص ورجال العصابات. انها من ابدع الشخصيات الرومانطيقية. اشتهرت عند الإنكليز شخصية روبن هود، اللص قاطع الطرق الذي دوخ الحكومة في القرون الوسطى في منطقة غابات نوتنكهام في شمال بريطانيا. ما زال الأطفال يتغنون باسمه، روبن هود.. روبن هود يسرق من الأغنياء ويعطي للفقراء. كانت لدينا في العراق شخصية مشابهة في اوائل القرن الماضي. انه عباس السبع الذي ولد وعاش في جانب الكرخ من بغداد، في محلة سوق الجديد. كان من الأشقياء الشرفاء. مثل روبن هود، يسرق من الأغنياء ويعطي للفقراء. كل من كان محتاجا من ضعفاء الحال كان يذهب لعباس السبع ويشرح له حاله. كل من استحقت عليه غرامة للسلطات، او بدل جندية، ذهب اليه يرجو مساعدته. ولم يبخل بها هذا اللص الشريف. اذا شح بيده المال ولم يجد لديه ما يكفي لطالب المهر او طالب البدل، خرج ليلا وقام بسرقة صغيرة ودفع للرجل حاجته. بالطبع، بينما تعاظمت شعبيته بين الجمهور، ازداد كره السلطات له. وفي احدى المصادمات التي جرت بينه وبينهم، تمكن من قتل رئيس الجندرمة. فقرر الوالي وضع حد له، والتخلص منه بأي ثمن كان. فجند له عددا كبيرا من الشرطة لمحاصرته والقاء القبض عليه. فجرت معركة ضارية بين عصابته ومفرزة من الشرطة. واستمرت المطاردة والمقابلة في الأزقة والطرقات حتى نفد عتاده ولم يبق له غير ان يهرب بعبور النهر الى جانب الرصافة. فعبر هو وصاحبه خماس بن شالة، واختبآ في مسجد فرج الله. بيد ان قوات الأمن لحقت بهما، وفيما كانا داخل المسجد بدون عتاد او سلاح، اطلقوا النار عليهما واردوهما قتيلين، مما يعتبر تجاوزا اثار عواطف اهل بغداد ضد السلطة العثمانية. ولكن الجندرمة لم يلتفتوا الى ذلك فشدوا الجثتين الى الخيل وسحلوهما في الطرقات امام الجمهور وبين بكاء النساء ودعاء الرجال. ولكن ما ان انتهت السلطة من مسرحيتها واعادت الجثتين الى ذويهما حتى قام اهل بغداد بتشييعهما الى مقبرة الشيخ معروف تشييعا لم تشهد مثله بغداد منذ سنين. لم يكن من تقاليد العراق خروج النساء في الجنائز، ولكن نساء الكرخ اصررن على تحدي هذا العرف فخرجن في كوكبة كبيرة وراء الجنازة، يضربن على صدورهن وينثرن التراب على رؤوسهن وينشدن ويهوسن بأمجاد القتيلين، عباس السبع وخماس بن شالة ويقلن في اهازيجهن:
يا اهالينا اطلعوا، ثارت الطلقات
وأجيته غفل يا وسخ الردان،
اجيته غفل والرصاص خلصان،
وعباس السبع يا مطيّع التجار.
كانت في الواقع مظاهرة وطنية مبكرة في تحدي الاحتلال الاجنبي للبلاد والطبقة الغنية المترفة، اخذت طابع العزاء لمقتل اثنين من الأشقياء الشرفاء . خالد القشطيني . إقتباس بتصرف . خالد عوسي الأعظمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق