الصورة : من اليسار ، كاتب المقال (وسام الشالچي) مع خاله (سعد) منتصف السبعينات .
زمان .. في النصف الاول من عقد السبعينات كانت لدينا فعالية انا وخالي (سعد) هي السباحة عصرا بنهر دجلة . لقد كان بيتنا (قرب ساحة عنتر ، بالاعظمية) ليس بعيدا عن المنطقة التي كنا نسبح فيها قرب (كورنيش الاعظمية) لكننا لم نكن نذهب وحدنا بل كنا طيلة أيام الصيف على موعد يومي مع زوج عمتي الاستاذ (ابراهيم الشالچي) ، حيث كان يأتينا عصرا بحدود الساعة الخامسة بصحبة ولده (قصي) رحمه الله ، وربما يصحبه ايضا أحد اصدقائه .
كنا نسمع صوت رنّة هورن سيارته وهو بباب البيت فنخرج اليه مسرعين لنركب معه ثم نتوجه الى المنطقة المحصورة حاليا بين (جسر 14 رمضان) والذي لم يكن موجودا في وقتها و (ساحة الدلال) والتي كانت منطقة مكشوفة في حينها وفيها جرف طويل صالح للسباحة يستغله اغلب اهالي الاعظمية لممارسة هذه الهواية . وعلى مدى ساعتين او اكثر كنا نتمتع بالسباحة في النهر حيث كان الماء صافيا ونقيا كالزلال وارض الجرف زاخرة بالرمال النظيفة التي تتوهج حين تسقط عليها اشعة الشمس لتبدو وكأنها رمال من ذهب . كنا كثيرا ما نعبر الشط لنصل الى (منطقة السايلو) في المنطقة المقابلة (بالكرخ) حيث يستقبلنا السباحون في الجهة المقابلة بالتحية والترحاب , وحتى اتذكر ، كيف كنا نعبر الشط مرتين في اليوم الواحد ، أحياناً . كانت اجمل اللحظات برحلتنا اليومية هي حين نتوسط النهر حيث نشعر بسرعة تيار الماء القادم من الشمال من مناطق (الكاظمية) و (الگريعات) والمتجه جنوبا حيث (جسر الصرافية) ثم وسط (بغداد) كان عمّو ابراهيم يغط بالنهر في تلك اللحظات ثم يخرج رأسه وينتصب في وسط النهر وهو يصيح باعلى صوته (نحمد الله على هذه النعم) من شدة الشعور بالانتعاش والسعادة والتي كنت انا ايضا أحسها بقوة مثله . كثيرا ما كنت اشعر بالاسماك وهي ترتطم بأرجلي الغاطسة بالماء , لكني كنت لا اخاف من هذا بل اخاف فقط من (السويرة) التي كان يحذرنا منها السباحون ويقولون بأنها تغرق امهر سباح . لذلك كنا لا ننسى بان نأخذ معنا (چوب) خلال سباحتنا للإحتياط وللطواريء . اذكر جيدا في احدى المرات حين وصلنا الى (منطقة السايلو) حيث الارض صخرية خرجنا قليلا لنستريح فاخترقت قطعة زجاج محشورة بين الصخور رجل خالي سعد فاخذ ينزف منها بغزارة . سارع احد الأخوة من الجهة المقابلة فجلب قطعة قماش كبيرة لف بها الجرح فتوقف النزف , ثم تطوع احد الكرخيين يملك زورق بان ينقله بزورقه الى الجهة المقابلة . عدنا نحن الى الجرف المقابل سباحة حيث سارع زوج عمتي الى اعادتنا للبيت حيث قمنا باسعافه . كانت حياة جميلة للغاية لا نشعر ابدا فيها بالخطر او الخوف من شيء , وكان الناس يعيشون متآخين لا يستغرب أحدا من أحد , وليس هناك مشاعر كره او احاسيس طائفية في نفوس الناس بل احاسيس الحب والعطف تملأ الوجدان والقلوب . لقد كانت فعلا ايام رائعة مملوءة (بالنِعم) كما كان يقول عنها زوج عمتي , الرحمة عليه وعلى تلك الايام التي ذهبت وما اظن ان لها من عودة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق