يوم المعلم .
الصورة : مدرسة المنذرية الإبتدائية الثانية للبنين ، في منطقة الأعظمية/محلة الشيوخ ، تشرين الثاني عام 1971م . المعلمون الواقفون من اليمين ، معلم الدين (عبد العالي السلمان) ، معلم القراءة (طارق) توفي سنة 2022م . الثالث ؟ . ثم معلم الفنية الفلسطيني (محمد) . وبعده مدير المدرسة ، الأستاذ (عبد الحق) ثم أستاذ (آزر كاكا) . ويليه الأستاذ (صبيح) أمد الله بعمره . ثم أستاذ (محمد يعقوب) . الجالسون من اليمين ، أستاذ (فؤاد جهاد) ثم معلم الرياضة (صلاح الحران) ثم معلم الحياتية (فيصل حبيب) وبعده الأستاذ (عبد اللطيف) وأخيراً وليس آخراً الأستاذ (عبد الله صائب) . ومن المعلمين الذين لم يتواجدون في الصورة أعلاه ، معلم القراءة ، الأستاذ (عبد الله) من أهالي الكاظمية ، الذي يأتي الى المدرسة على دراجته الهوائية ، وكان المعاون ، الأستاذ عبد الهادي ، المعروف بغلظته وعصاه الرفيعة الطويلة التي لا تفارقه أبداً .
المقال : حول قول أحمد شوقي: ( كاد المعلم أن يكون رسولا )
قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا ، هل يجوز لنا قول هذا؟
الجواب
الحمد لله.
هذا البيت المشهور هو مطلع قصيدة من عيون الشعر العربي الحديث، لأمير الشعراء أحمد شوقي (ت1932م)، ألقاها في حفل قام به نادي مدرسة المعلمين العليا، بين الناس من يومها ، لما فيها من قيم عليا تحث على العلم والتعليم، وترفع مكانة المعلم بين الناس.
فكان مما جاء في هذه القصيدة:
قم للمعلم وفِّهِ التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي *** يبني وينشئ أنفسا وعقولا
سبحانك اللهم خيرَ معلِّم *** علّمت بالقلم القرونَ الأولى
أخرجت هذا العقل من ظلماته *** وهديته النور المبين سبيلا
أرسلت بالتوراة موسى مرشدا *** وابنَ البتول فعلّم الإنجيلا
وفجرت ينبوع البيان محمدا *** فسقى الحديث وناول التنزيلا
إلى آخر القصيدة التي تقرؤها في ديوان "الشوقيات" (ص245)، طبعة "كلمات عربية للترجمة والنشر".
ولا يظهر حرج في مطلع القصيدة المذكور ؛ بل نرى القصيدة متجهة في المضمون القيِّم الذي نأمله من الشعر والقصيدة ، أن تنسج في قلب القارئ والمستمع نسيجا قويا من الأخلاق والقيم النبيلة، وتغرس في نفوس الناشئة أجمل ما يمكن أن يغرس في سبيل الارتقاء بالنفوس والمجتمعات إلى المعالي.
وما قد يستشكله السائل من قوله: "كاد المعلم أن يكون رسولا"، لا يؤثر فيما سبق بيانه، وذلك من جهات ثلاث :
الأولى:
أن المراد هنا ليس حقيقة الرسالة والنبوة ، التي بعثها بها الأنبياء ، وختمها محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا لا مدخل فيه لسعي العبد ، بل هي اجتباء واصطفاء من الله جل جلاله ، للمكرمين من خلقه ، وهي قد ختمت ، ولم يبق أحد ينالها ، أو يطمع فيها .
وإنما المعلم – هنا - : رسول بالمعنى المجازي، لأنه يحمل رسالة العلم والأخلاق، وكل من يحمل هذه الرسالة فهو رسول بهذا المعنى، يحمل رسالة العلم ، وأمانة الأجيال على عاتقه .
ومع أن فيهم الصالح والطالح ، والخيِّر والشِّرِّير ؛ فإن "المخصوص" بهذا المدح : إنما هو معلم الناس الخير والحق ، كما في القصيدة نفسها : "يبني وينشئ أنفسا وعقولا" .
وهذا هو الذي يسلك بالجيل ، على طريق الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام .
الثانية :
استعمال فعل التقريب "كاد" يعني أن المعلم لم يبلغ مرتبة رسول الله، ولكنه لعظم مكانته شبهه بمن يقرب من مكانهم ، لو كان ذلك ينال بالقرب والسعي ؛ إذا لناله معلم الخير . كما قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرِثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ، أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه أحمد في "المسند" (36/46).
الثالثة :
أننا وجدنا في أقوال العلماء ما يقترب من هذه المعاني، ومن ذلك مثلا قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من قرأ القرآن فكأنما استُدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 120) .
وهذا كلام واضح في تشبيه مكانة قارئ القرآن بمكانة أنبياء الله؛ بجامع معرفة كلام الله الذي هو القاسم المشترك في هذه المكانة العظيمة، ولكن مع ملاحظة الفارق الكبير أيضا، وهو مكانة الوحي المنزل من السماء، التي يحظى بها النبي والرسول، ولا تكون لغيرهم من الناس ، مهما علت منزلته.
والشاهد هنا هو التشبيه والتقريب الذي استعمله عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو قريب جدا من تشبيه أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله.
وقد قَالَ أَبُو الفرج ابن الحنبلي (توفي سنة 634هـ) وهو يصف الشيخ أحمد بن محمد بن قدامة (توفي سنة 558 هـ) ، والد موفق الدين ابن قدامة صاحب "المغني" قال :
"كان لَهُ قدم فِي العبادة والصلاح ، سمعت والدي – هو : نجم بن عبد الوهاب الحنبلي توفي سنة 586هـ - يَقُول: لو كَانَ نبي يبعث في زمان الشيخ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قدامة : كَانَ هُوَ" انتهى من "ذيل طبقات الحنابلة" (3/125) .
فمثل هذه الكلمات لا تفسر تفسيرا حرفيا ، وإنما يؤخذ منها المعنى العام ، وهو مدح ذلك الشخص ، وأن عبادته وزهده وأخلاقه ... إلخ تشبه عبادة وزهد وأخلاق الأنبياء ، وأنه أفضل أهل زمانه ... ونحو ذلك .
فكذلك هذا البيت من الشعر ، لا يقصد منه المعنى الحرفي ، وهو أن منزلة المعلم قريبة من منزلة الرسول ، ولكن المراد مدح المعلم وأنه قائم بعمل الرسول ، وهو تعليم الناس الخير والحق.
ومن كلام علمائنا المعاصرين وجدنا العلامة ابن جبرين رحمه الله يستشهد بهذا البيت، كما ورد في "فتاوى الشيخ ابن جبرين" (4/ 14، بترقيم الشاملة آليا) قوله:
"إن العلماء والدعاة والمعلمين لهم رتبة ومكانة راقية، وقدر في النفوس، حيث إن الله تعالى ميزهم، وحملهم العلم الشرعي، والفقه في الدين، والدعوة إليه، وجعل لهم منزلة مرموقة، سيما إذا تصدوا للتدريس في الجامعات، أو المعاهد العلمية، أو الحلقات، أو المنابر، ومواضع الدعوة، فإن على الطلاب أن يعرفوا لهم قدرهم، ويحترموهم .
ملخص الجواب:
مخلص الجواب : لا نرى حرجا في هذا البيت من الشعر، لا على قائله، ولا على المستشهد به .
وقد قيل في المعلم:
قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا" انتهى.
وأما إذا قصد السائل استشكال الشطر الأول من البيت، وهو قول أحمد شوقي: "قم للمعلم" :
فليس هذا بمحذور أيضا؛ لأن مسألة القيام للمعلم مسألة خلافية بين الفقهاء، والأكثرون على استحباب هذا القيام وجوازه، إجلالا للمعلم، واحتراما لقدره ومكانته.
فمثل هذه القضايا الخلافية لا تجعل معيارا للحكم على الشعر بالحظر أو المنع.
والخلاصة : أننا لا نرى حرجا في هذا البيت من الشعر، لا على قائله، ولا على المستشهد به. والله أعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق