الصورة - أخذت في شهر مايس سنة 1965 وتـمـثّـل زيارة الرئيس عبد السلام عارف بصحبة وفد رسمي إلى الهند . ويظهر في الصورة من اليمين الرئيس الهندي جواهر لال نهرو و إلى جواره الرئيس عارف ومعالي صبحي عبد الحميد وزير الخارجية ثمّ معالي وزير العدل الشيخ مصلح النقشبندي ومعالي وزير البلديات الحاج محمود شيت خطاب ويبدو وراء الرئيس نهرو مرافق الرئيس عارف المقدم عبد الله مجيد و بعده يظهر أحد المسؤولين الهنود . كان الزميل عبد المنعم الخطيب يعمل دبلوماسيا في السفارة العراقية في دلهي عندما قام الرئيس عبد السلام عارف بزيارة رسمية للهند. ويظهر أن صديقي عبد المنعم كان الموظف الوحيد الذي يجيد الإنجليزية في السفارة، فكلفوه بمصاحبته والقيام بأي ترجمة يقتضيها الموقف. وكان أهم موقف القيام بزيارة الرئيس الهندي. تمت كل الإجراءات وحدد الموعد اللازم لها. جاء رئيس البروتوكول بالسيارة الرسمية. وجلس بجانب السائق، وأخذ الرئيس عبد السلام عارف مكانه وبجانبه المرافق عبد المنعم. وانطلقت السيارة في موكب محترم. ما إن وصلوا إلى أواسط المدينة حتى تقدم قطيع من البقر لعبور الشارع، فتوقف الموكب الرسمي أمامه. لكن البقرات راحت تتهادى في سيرها. يظهر أنها اكتشفت أن المشي على طريق مغطى بالأسفلت أفضل وأروح من المشي في الطين والأوحال، وهو ما لم تعبأ به البلديات في أكثر مدننا العربية. طال الانتظار حتى نفد صبر الرئيس العراقي القليل الصبر، فصاح في السائق أن يزمر للبقر. لكن السائق هز رأسه بالنفي. الأبقار مقدسة عندهم ولا يجوز حتى للرئيس العراقي أن يزعجها. له أن يزعج شعبه إذا أراد، أما البقر فلا. امتنع السائق وأبى. لم يبق له غير أن يتصبر ويتجبر بذكر الله.مضت دقائق والموكب جامد في مكانه حتى أوشكت آخر الأبقار أن تصل للرصيف المقابل ويحل الفرج. ولكن ما إن كبس السائق برجله ليحرك السيارة حتى خطر للبقرات أن الرصيف المقابل غير لائق بها وقررت العودة من حيث جاءت. يظهر أن التراجع إلى الخلف لا يقتصر علينا فقط، فالبقر أيضا يحب الرجوع إلى الوراء. وباستئناف عبورها الشارع ثانية توقف الموكب مرة أخرى. وهنا لم يعد عبد السلام عارف يسيطر على أعصابه، فراح يزبد ويعربد، لا على السائق فقط، بل على مرافقه أيضا: «انت ليش ساكت؟ الجمهورية الخالدة تريد موظفين شجعانا. يعني إذا ما نقدر على البقر كيف يعني نشتغل مع البشر؟ فك حلقك وكلم رئيس البروتوكول هذا. خليه يأمر السائق أن يزمر ويطرد ها الحيوانات».لم يملك عبد المنعم غير أن يذكر «البروتوكولجي» بضرورة احترام الموعد. وهو شيء غريب من عراقي، أو أي عربي، أن يطالب باحترام الوقت والالتزام بالموعد. والظاهر أن البقرات كانت على علم بهذا السخف فلم تعبأ، واستمرت تمشي الهوينى من رصيف إلى رصيف، وتعود من حيث أتت.
«مستر! موعدنا مع رئيس جمهورية الهند سيرتبك ويُلغى. الرجاء أن تكلم السائق وتطلب منه يزمر ويطرد البقرات من طريقنا».
لكن الرجل لم يفعل أكثر مما فعل السائق. هز رأسه بالنفي. لا يمكن له أن يكدر مزاج البقرات. وعليكم الانتظار.لكن مزاج الرئيس عبد السلام وصل إلى قمته، فالتفت إلى عبد المنعم: «أما حاجة غريبة.. شلون بلد هذا البلد اللي الهوش (البقر) تتحكم به؟».
«سيدي وشنو العجيب؟ نحن عندنا الثيران تتولى أمورنا».. تمتم المرافق ولم يضحك الرئيس أو يغضب على تعليقه.
مقالة للكاتب خالد القشطيني .
جمع واعداد / خالد عوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق