الأحد، 2 مارس 2014

چراديغ بغداد


الصورة/رئيس الوزراء محمد فاضل الجمالي الأول على اليسار يتقبل الإهانة من موسيقي يساري و يتهم الجمالي بأنه من عملاء الإستعمار !؟ .

إذا كانت ليالي الأنس في القاهرة قد ارتبطت بالعوّامات، فإن هذه الليالي ارتبطت في بغداد بالچراديغ. وهي أكشاك تقام بصورة مرتجلة وبدائية على شواطئ دجلة في موسم الصيف. كانت تقام من اعمدة البردي والقصب وتُغطى بالحصران وسعف النخيل. ليس فيها غير حجرة نوم وحوش مفتوح نحو الماء للجلوس. يضعون فيها أثاثا بسيطا قلما امتدت إليه أيدي العابثين أو السراق. اعتاد الفنانون والأدباء على إقامتها وقضاء سهراتهم فيها. كان منهم الدكتور فاضل الچلبي الذي كان موسيقيا يعزف آلة التشلو. ربطه ذلك ببعض أعضاء الفرقة السمفونية العراقية التي كانت أول فرقة سمفونية وطنية تتشكل في العالم العربي من عازفين محليين وتقدم حفلات كونسرت منتظمة في بغداد تحت قيادة الكوندكتر ساندو البو. ارتبط فاضل الچلبي بعازف الكمان جميل لويس. كثيرا ما اجتمعا لأداء ثنائي بينهما. وعندما اقيم هذا الچرداغ، اعتادا على الالتقاء فيه مع بقية الموسيقيين للعزف وسماع الموسيقى. وبينما كان جميل لويس يعزف شيئا على كمنجته، دخل الچرداغ رجل محترم . سلم على الحاضرين ثم جلس ينتظر حتى فرغ العازف من عزفه. لم يكن الناس في تلك الأيام، يشكّون ببعضهم البعض أو يتخوفون من احد. رحبوا بهذا الرجل الغريب. لكنه قال: الحقيقة ان الدكتور كان يسمع عزفكم وهزه ما سمع وهو يتذوق الموسيقى الغربية. وأرسلني لدعوتكم. لو تتفضلون بزيارته في چرداغه حيث سيرحب بكم ويستمع لعزفكم. سألوه من هو هذا الدكتور الذي تتكلم عنه؟ قال جاركم الدكتور محمد فاضل الجمالي. وهو يرجو أن تزوروه ليستمع لكم. كان الجمالي عندئذ رئيسا للوزراء. ولكن فاضل الچلبي لم يكن يعرف قط ان الچرداغ المجاور كان يخص رئيس الحكومة. ولكن ما أن سمع ذلك جميل لويس، وكان من اليساريين العراقيين، حتى بادر الى وضع كمنجته في صندوقها وهم بالانصراف لبيته. ولكنه قبل ان يذهب التفت الى سكرتير رئيس الوزراء وقال له: «وشنو يعني فاضل الجمالي؟ احنا فنانين أحرار. نعزف ما نعزف لأنفسنا. آني ما اروح اعزف لكل من يجي». اسقط بيد السكرتير ولم يعرف بماذا يجيب. ولكنه اعتذر واسترخص بالانصراف. قال لجميل لويس: «لا أخي لا. ما تروح للبيت. لا تزعل. أنا آسف أجيتكم». انصرف الرجل في حال سبيله. عندئذ التفت الحاضرون الى الموسيقار جميل وقالوا له: ولك إش سويت؟ هذا رئيس الوزراء. تريد تجيب بلوى لنفسك؟ تتكلم هالشكل؟». ولكنه لم يرتبك أو يرتعد. قال وشنو يعني رئيس الوزراء؟ هو بمنصبه وآني بشغلي. ما لي علاقة به. تريدوني اعزف لعملاء الاستعمار؟ جلس الحاضرون ينتظرون عودة السكرتير ثانية ليؤنبهم ويتخذ ما يلزم لتأديبهم. ولكن أي طارش من الدكتور لم يحضر. تقبل التحدي، بل والإهانة، بكل رحابة صدر. ومرت الليلة بسلام وكل ليلة من بعدها. هم في چرداغهم يعزفون الموسيقى والدكتور الجمالي في چرداغه، يقرأ الجرائد. 
تايف: خالد القشطيني .
جمع واعداد/ خالد عوسي.

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...