هناك حقائق تاريخية قديمة تعبر عن أصالة شعبنا وعراقيته وعروبيته وتحرره، تظهر بشكل عفوي في سلوك الناس اليومي، ولا بد لكم من معرفة منطقة الكرخ، شارع الشيخ معروف. ومن أزقته، المشاهدة الشعبية. حينذاك كان هناك رجل يدعى زرزور، طويل ونحيف مدمن على شرب الخمرة، وذلك الوقت كان اكثرهم من العاطلين عن العمل . لهذا فأنهم يرتادون اسطبلات الخيول في المنطقة بحثا عن الطعام والمنام والخمرة من هذا وذاك. وكان الناس في عفويتهم يقدمون لهم ما توفر لهم من طعام وما شابه ذلك . وفي يوم من الايام كان زرزور عصبي المزاج فاقدا للشعور يبحث عمن يقرضه مالا او يعطيه شربة خمر . بالرغم من مساوئهم الا أنهم كانوا اصحاب غيرة وحياء وضمير يساعدون الناس عند اول استغاثة لهم من مشاجرة او تسليب وكان عندهم شرف المحلة هو قمة مبادئ حياتهم . و نعود لموضوعنا حيث ان زرزور هذا كان جالسا في المقهى قرب باب مقبرة الشيخ معروف يبحث عمن ينقذه من حاله البائس . وكان جماعته جالسين معه فأرادوا ان يمازحوه فقالوا له لماذا لا تصبح انت الملك فقال زرزور أي ملك هذا فقالوا له ملك العراق وهل الملك فيصل الثاني أحسن منك وعلى ماذا . هنا صدق الرجل كلام جماعته واخذ يفكر وينسى علته وازمته وكان الملك اكثر الايام يمر من شارع الشيخ معروف من داره في الحارثية الى البلاط في الاعظمية في الصباح وعند وقت العصر. وبينما حل العصر اذ ظهرت سيارة الملك فيصل الثاني وهي تسير بحركة هادئة هنا قفز زرزور في وسط الشارع امام سيارة الملك حتى لا يسمح له بالمرور هنا توقف الملك فيصل ومعه السائق وسألوا زرزور ماذا تريد فأجابهم يريد ان يكون الملك وان يجلس بالسيارة وتسير حسبما يريد وهنا ذهل الملك لطلب زرزور فطلب من سائقه تنفيذ رغبة زرزور . وهنا صعد زرزور السيارة وانطلقت تتجول في شوارع بغداد القديمة حينذاك بقي الملك فيصل جالسا في المقهى يرتشف الشاي ويسمع من زبائن المقهى روايات عن إدمان زرزور للشرب وعندما قارب الوقت مساء جاءت السيارة ونزل منها زرزور فرحا بما شاهده خلال جولته ولكرم الملك وتواضعه قال لزرزور ان السيارة في خدمتك في أي وقت تشاء وأعطاه مبلغاً من المال ليتصرف به وان هذا خير له من ان يكون ملكاً، لأنها مهمة صعبة وتتطلب انسانا ًواعيا ًوعاقلا ًومتوازنا ًويمتلك صفات لا يمكن توفرها في زرزور أو غيره.
إنّ الزرازيــر لمّـــــــا قــــام قائمهــا
توهّمـت أنهـــا صارت شـــــواهــيـنا
أبيات للشاعر ( صفي الدين الحلي ) .
جمع واعداد: خالد عوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق