الصورة (الفريق الاول الركن صالح صائب الجبوري مرافق الملك غازي ورئيس اركان الجيش العراقي شغل منصب وزير النقل والاعمار والداخلية واخيرا عضو مجلس الاعيان ) .
كثيرا ما نتهم بأننا أمة جامدة عاجزة عن التطور. هذه تهمة باطلة في رأيي كليا. نحن ننتقل من موقف الى موقف في اقل من لمح البصر. تذكروا كيف غير اهل العراق موقفهم من الامام الحسين حالما رأوا جيوش امية تتصدى له ثم عادوا فراحوا يبكون عليه بعد ان خذلوه. اين تجدون مثل هذا التحول السريع بين عشية وضحاها؟ الانجليز ما زالوا لخمسة قرون يتجادلون ويقضون السنوات في البحث والكتابة ويتساءلون هل ماتت الملكة اليزابث الاولى بكرا عذراء فعلا ام اخذ بكارتها السير ولتر رالي بعد نجاحه في تدمير الاسطول الاسباني في معركة الارمادة. اين ذلك مما اعتاد عليه شعراؤنا وكتابنا وصحافيونا وهم يغيرون مواقفهم وولاءاتهم بأسرع من تغير سعر النفط وقيمة الدولار. وهذا امر لاحظه في الواقع امير اللواء صالح صائب الجبوري عندما كان رئيسا لأركان الجيش العراقي. ذهب لمشاهدة فيلم سينمائي ووراءه اثنان من جنوده يتوليان حراسته بالملابس المدنية. جلسا وراءه فيما بدأ نفر من الشباب بالتحرش بامرأة جالسة بجانبهم وهي تحاول ردهم عنها. عز على القائد الكبير ان يرى مواطنة محصنة تواجه مثل هذا الإرهاق والإحراج فتطوع وتدخل في الموضوع. طلب من الفتيان التأدب واحترام السيدة الجالسة. ردوا عليه بعنف وتحد. «وانت شنو دخلك بالموضوع؟ هي بنتك او اختك؟» احتدم الجدل والصياح فقام احدهم ينوي الاعتداء على اللواء الجبوري. «كلب انت شنو شايف نفسك؟» هب الجنديان الحارسان من مكانهما وسحبا مسدسيهما في وجه الشاب. ادرك الفتى خطورة ما اوقع نفسه فيه فتغيرت نغمته. «بيگ، سامحنا يعني ما كنا نعرف...». قبل اللواء صالح صائب الجبوري اعتذار الشاب وعاد الى بيته ليكتب في مذكراته : أية امة هذه الامة التي يتحول فيها المخلوق من كلب الى بيگ في ثوان معدودات! وهو بالضبط ما اقوله عن قدرة المواطن العربي على التطور. وهو شيء رأيته ايضا بأم عيني عندما كنا نتظاهر ضد المعاهدة العراقية البريطانية. وصلت المظاهرة ساحة باب المعظم. وكان احد المتظاهرين قد وقف امام مبنى المكتبة العامة. جاءه شرطي وطلب منه الانصراف وعدم الوقوف. رفض الانصراف. «مالك حق تطردني. انا مواطن حر. اقف وين ما اريد». عاد الشرطي المسكين ليتوسل به: «عيني هذي اوامر الحكومة. ممنوع الوقوف هنا. تفضل تكلم مع الضابط». «وشنو يعني الضابط؟» مد الشاب يده نحو حذائه وهو يقول: «انت وضابطك ومديرك وكل حكومتك...» كان الفتى على وشك ان يكمل الجملة ويقول: «وقندرتي» ولكنه لمح من زاوية عينيه قبل ان يقول ذلك ضباط الشرطة وراءه، واقفين بملابسهم المهيبة وكل رتبهم وأوسمتهم ونياشينهم الذهبية تتألق بنور الشمس، وبيد كل منهم العصا والقرباج، فحول حركة يده بقوس كامل منتظم من اتجاه قندرته الى قمة رأسه واكمل الجملة وقال: «كلكم على راسي. آني اش قلت يا أخي؟ تريدني امشي امشي..!». خالد القشطيني .
جمع واعداد / خالد عوسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق