السبت، 8 أغسطس 2015

تحية رمضان




المقال : تحية رمضان . الصورة : الشاعر (وليد الأعظمي) في السجن عام 1959 بسبب قصيدة حماسية ألقاها و لثباته على المباديء في قصائده الزاخرة بالفكر و الإننتماء .
شهر الله الكريم، له شأن مع الشعراء الأقدمين والمحدثين ، فهو شهر القيام والصيام ، فيه تضاعف العبادات ، وفيه يرى كل مسلم أنه نزهة الروح وفرحة القلب ، وفيه يقف المؤمن ليناجي رب الكون، مقبلاً عليه، ينشد رضوانه وغفرانه، ويبثه أحواله وشؤونه، إن شهر الصوم راحة المؤمن واستراحته من عناء عام عامل ، والشاعر الذي يحمل بين جوانحه قلباً مليئاً بالإيمان، مفعماً بالأحاسيس يستطيع أن يشخص مشاعر كل مسلم في هذا الشهر. وهذا ما فعله الشاعر الإسلامي – وليد الأعظمي - في قصيدته ( تحية رمضان) التي تكشف عن قلب مؤمن خاشع عرف لذة الإيمان ، وأنشئ بكمال العبودية لله تعالى، والقصيدة هذه تعبر عن أحاسيس وليد الأعظمي المترعة بروحانية شهر الصيام ، وليس كما عليه كثير من الناس، فإذا كان رمضان هو بغية المسلم في نيل عفو الله ورضوانه، فإن ذلك لا يتأتى للمسلم، إلا بحث الخطى وجد المسير في طاعة الله والتزلف إليه، ولذا فإن الشاعر يحث المسلم – في مطلع قصيدته عام 1952 - على سلوك الأسباب المؤدية إلى رضاء الله:
فز بالرضا والعفو منه تعالى .......... وزد الفؤاد نزاهة وكمالا
وانشط لدينك لا تكن متكاسلاً .......... فالدين يأبى أن نكون كسالى
ولكي يتحقق ذلك فعلى المسلم أن يعبر عن حسن اعتقاده بسلوك عملي ، لأن العمل تصديق وعمل ، فالإسلام لا يقبل منا أن نكون سجناء العزلة والكلام المجرد عن التطبيق العملي. وإنما يتطلب إلحاق العمل بالقول والسلوك بالفكر دونما ترف وبلا انفصام بين كل منهما ، وذلك أدعى لكمال شخصية المسلم وهنا يقول الشاعر موضحاً موقف الدين من هذه المسألة.
والله يأمرنا بنص كتـابه .......... أن لا تناقض قولنا الأفعالا
والشاعر حريص على أبناء قومه المسلمين. فهو يحثهم اليقظة لما يحاك لهم في غيابهم عن واقعهم. ويطيب للشاعر في هذا المقام أن يستنفر قلب كل مسلم في هذا الشهر، فيدعوه إلى منهج الله الخالد لأن فيه سعادة المسلمين ، وفيه تستقيم الحياة، ويطيب ثمارها . أما غير هذا المنهج فهو المدخل إلى الهوان وطلب المحل .
يا غافلاً عما يحاك لأجله .......... أو ما كفاك سفاهة وضلالا
سارع بتوبتك النصوح ولا تكن .......... متهاونا في أمرها مكسالا
وأعلم بأنك إن طلبت سعادة .......... بسوى الحنيف قد طلبت محالا
ويستعرض الشاعر أحوال أمته و ما حل بها من فساد واختلال في مقاييس الفضيلة. فتبدلت الحال وعمت الأوحال ، وما ذلك إلا بسبب عدول الأمة عن المنهج الرباني الذي أراده الله لسعادتها ، لقد تغيرت القيم وصال القرود وجالوا على حساب الأحرار المؤمنين برسالة الإسلام ، تلك الرسالة التي حررت المسلم وصنفته فرداً وأمة، يقول:
رمضان يا خير الشهور تحية .......... تفضي عليك من الجلال جلالا
خذها بفوح عبيرها من مؤمن .......... يبغي لك التعظيم والإجلالا
رمضان عدت وهذه أوطاننا .......... عم الفساد بها وزاد وطالا
ضاعت مقاييس الفضيلة بيننا .......... وتبدلت أحوالنا أوحالا
فالحر أصبح في البلاد مضيَّعاً .......... والنذل أمسى سيدا مفضالا
ثم يذكر الشاعر في أثر الصوم على النفس المسلمة، ويكشف سر العبادة في الصوم ، وبعدها تبرق له بوارق الأمل متلألئة. فتحيا نفسه، يتحسس النصر الإسلامي قادماً بلا ريب، حيث تعود دولة الإسلام ، ومن هذا الأمل تعلوا صيحة –الله أكبر- لتبشر بالنصر والفتح القريب إن شاء الله ، ولا شك في أن وجدان الشاعر تذوق حلاوة انتصارات أمته ، والفتح الذي نزل عليها في هذا الشهر المبارك.
الله أكبر إن عيني قد رأت .......... نوراً بآفاق السما يتلالا
فلعله فجر الأخوة قد بدا .......... يحي النفوس ويبعث الآمالا
ويميط عن هذه القلوب قناعها .......... فتعود ترسل نورها إرسالا
وتروح بالإسلام تكسر قيدها .......... ونفك عن أعناقها الأغلالا
وترد للدنيا عدالة أحمد .......... وتعيد للإسلام تلك الحالا
ونعيد للإسلام دولته التي .......... تحمي الفقير وتنقذ البطّالا
وترد كيد الغاصبين بلادنا .......... ونذيقهم من بأسها الأهوالا
لقد أحسن هذا الوجدان الصادق، في التعبير عن أمنيات كل مسلم يترقب انبثاق نور هذه الأمة من جديد.


مقال من تاليف/ صالح سالم.
جمع واعداد/ خالد عوسي.

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

جسر ونهر الخر (الشْطَيِطْ)

  جسر ونهر الخر (الشْطَيِطْ) . الصورة : ملتقطة من جهة ساحة النسور ، وعلى اليسار (قصر الرحاب) وعلى اليمين (قصر الزهور) الذي لم يظهر . شيد الع...