الثلاثاء، 14 يونيو 2016

ميلادٌ ورحلة ، على ضفاف دجلة


المقال : ميلادٌ و رحلة ، على ضفاف دجلة . 

الصورة : من اليمين ، الصديق (محمد) ثم (والده ، من - بيت فْليفِلْ) ثم ، أنا (خالد عوسي) حاملاً (الچوب) ثم والدي ، البطل (عوسي الأعظمي) . و يظهر (قصر بلاسم) في الخلف ، صوب الأعظمية ، و تظهر في وسط النهر ، بداية (الجَزْرَة) . و قد كنّا في رحلة نهرية ، صباح يوم الجمعة ، بداية السبعينات ، على (بلم - زورق) إبتدأت ، من تحت (جسر الأئمة) و على (الجُرُفْ الجُرُفْ) من ضفة (محلة الشيوخ) مبتعدين عن شدة التيّار ، وسط النهر، لأننا نسير عكسه ، و جَدَّفَ أبي البلم على أفضل ما يكون ، متحاشياً (السْنون - بقايا سور قديم تحت النهر) فقد كان يعرف أمكنتها بدقة ، حتى تجاوزنا (القُلُّغْ - مقهى السدير سابقاً) ثم (سن الباشا) و بيت (عمر تُنْگة) و توقفنا مقابل بيت (فْليفِل) ننتظر (أبو محمد و ولده) حتى جاءا مُحَمَّلان بما لذَّ و طاب ، حتى بلغنا (البْصيرة) و (الدرج الأبيض) و من ثم (الدرج الأحمر) و (المضَخَّة) و من بعدها (الصبَّة) حتى وصلنا الى (قصر بلاسم) ثم إستدرنا يساراً الى صوب الكاظمية ، فأَخَذَنا التيار قليلاً ، عند عبورنا الى (ذاك الصوب - بساتين الكاظمية) مكان (سجن العدالة) اليوم ، فدخلنا البساتين ، و إستقبلنا أهلها بكل ترحاب ، و قاموا بواجب الضيافة على أحسن ما يكون ، فقد كانت علاقة والدي بهم ، علاقة ودِّية متينة ، و بعدها عبرنا الى ا(لجزرة) التي قضينا فيها أجمل اللحظات ، و رجعنا من حيث بدأنا ، عند أذان المغرب . رحلة ممتعة تفاصيلها كثيرة ، يطول سردها . فقد كانت يوماً من أيام ماضينا الجميل .
في مثل هذا اليوم و عند أذان المغرب ، أطلقتٌ صرختي الأولى ، بعد أن ودَّعت بيتيَ الأول (رَحِمَ أُمي) لتَسْتَلَّني أيدي القابلة المأذونة (الجِدّة سليمة) فإنهمر الماء لحظتها ، و إنساب على جسدي الصغير ، منذ تلك اللحظة ، صار الماء لي رفيق . فلا أذكر ، متى أخذني والدي الى (دجلة) لأول مرة ، تعودت أن أداعب شاطئه الجميل ، فيزحف نحوي ليرويني , يحملني على كتفه ، لينقلني الى الضفة الأخرى , علَّمني العوم ، وبدَّد مني الخوف , لم يسألني أبداً ، الى أي مذهب أنتمي , نلتقي في مساحاته جميعاً . شاطيء الأعظمية ، و بيوتاتها ، و الجزْرة ، وسط النهر . و في الصوب الآخر بساتين الكاظمية و عطرها الفوّاح ، ولهجة (الكْواظْمة) التي يشاركهم فيهاأهل الأعظمية (المْعاظْمة) منها كلمتان (إنطيّاني أي أعطني) و (جيبيّالي أي هاتها لي) إزداد حبّي لدجلة عندما أخذني والدي ، بداية السبعينات ، الى (مرسى الزوارق) على الضفة القريبة من (المتحف البغدادي) فقد كان في المرسى ، أسطولٌ من اليخوت الحديثة ، و برحلات منتظمة بديعة ، تبدأ من صلاة العصر و الى ساعات متأخرة من الليل ، و كنت حينها مبتهجاً سارحاً بما حولي ، و أدندن مع نفسي (على شواطي دجلة مر ، يا منيتي و كت العصر) و عندما يحل الظلام ، يظهر دجلة بحُلةٍ جديدة ، فالأضواء الملونة على جانبيه ، تمتزج بأمواجه الرقراقة ، ليرسم لنا لوحةٌ جذاّبة خلّابة . النهر الآمن الطيب الرائع المحب لأهله ، هو من علَّمنا السباحة والحب , نهر يسقي بمياهه كل البساتين ، بعيداً عن الإنتماء القبلي والديني و المذهبي . فالصابئة و النصارى و من قبلهم اليهود ، كانوا يمارسون طقوسهم بمياهه . و شموع (خضر الياس) تعوم به ، بطريقة تسر الناظرين , لم يزل نهر دجلة يسقي الجميع , ولم يزل إسمه دجلة الخير والعطاء . ودَّعت دجلة منذ زمن ، وتوقفت عن ارتياده ، فلم يعد كما كان ، و لم تعد هنالك بساتين ، لكنني لم ازل صديقا مخلصاً لدجلتي ، و سأبقى .
حييت سفحك عن بعد فحييني ---------- يا دجلة الخير يا أم البساتين
حييت سفحك ظمآنا ألوذ به ---------- لوذ الحمائم بين الماء والطين
يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه ---------- على الكراهة بين الحين والحين

. ( خالد عوسي الأعظمي ) . 

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...