( الصورة ) الامير عبدالاله مع احد الجياد العربية الاصيلة ( دم السحر ) في مزرعته .
من المحلات البغدادية القديمة, محلة قهوة شكر, التي تقع صوب الرصافة, بين باب الشيخ والسنك وسور بغداد الجنوبي القديم, وظاهر تسميتها يدل على انها مستمدة من اسم مقهى شعبية انشئت فيها.... فما قصة هذه المقهى التي سميت هذه المحلة باسمها ومن هو صاحبها ؟ في فترة العشرينيات من القرن الماضي, عندما كان مكان هذه المحلة الشعبية عبارة عن ارض خالية الا من بعض الدور البسيطة التي كانت امتدادا لمحلة باب الشيخ آنذاك... جاء احد البغادده واسمه (شكر) الذي كان مطاردا من قبل السلطات الانكليزية , وانشأ قهوة شعبية وسط المحلة , سميت بـ قهوة شكر, يلتقي فيها ابناء ووجهاء وشيوخ المحلة... وبمرور الزمن اصبحت المقهى دلالة مكانية لتلك المحلة الشعبية البغدادية ولهذا سميت شعبيا ورسميا باسم محلة قهوة شكر. وفي فترة الثلاثينيات ومابعدها تولى ادارة المقهى, البغدادي المدعو (ارزوقي ) وهو من هواة تربية الخيول, وكان يمتلك فرسا, شاركت في سباق الخيول الذي يسميه البغداديون بـ(الريسز) وفي احدى المرات فازت الفرس, ونالت اعجاب الامير عبد الاله الذي اصبح وصيا على عرش العراق في فترة الاربعينيات, وكان مولعا في تربية الخيول العربية الاصيلة ومتابعة سباق الخيول, وعندما سمع ارزوقي بذلك, اراد ان يهدي هذه الفرس الى الوصي عبد الاله الا ان الاخير رفض ذلك واراد ان يشتريها منه. وعلى اثر ذلك ذهب الوصي عبد الاله بنفسه الى محلة قهوة شكر قاصدا المقهى و استقبله صاحب المقهى ارزوقي وجلس معه وشرب قدح الشاي , كما احتشد اهالي المحلة حول المقهى مرحبين بقدوم الوصي لمحلتهم وهم يهتفون للملك وللوطن.....وبعد ان عرض الوصي شراء الفرس على ارزوقي واتفقا على ثمنها, اخذ الفرس وضمها الى خيوله العربية التي كان يعتني بها... وبعد تلك الزيارة الشهيرة للوصي عبد الاله لمحلة قهوة شكر, بدأ الناس يتحدثون عنها وعن تلك المقهى ذات القسمين القسم الشتوي والاخر الصيفي. وقد حظيت هذه المحلة الشعبية التي انجبت نخبة متميزة من قادة وسياسيين وادباء وفنانين باهتمام الكتاب والباحثين في التاريخ والتراث. فقد كتب عنها الكثير ضمن كتاباتهم عن محلات بغداد القديمة، منهم العلامة الشيخ جلال الحنفي والدكتور حسين امين والدكتور عماد عبد السلام رؤوف والدكتور عبد الستار جواد والباحث التراثي جميل الطائي وغيرهم...اليوم اصاب محلة قهوة شكر الاهمال ومثلها مثل بقية المحلات الاخرى البغدادية الاخرى، وبعد ان زحفت عليها موجة مشاريع فتح الطرق والجسور التي بدأت في الثمانينيات من القرن الماضي وبوشر في تهديم اجزاء من هذه المحلة وتركت ولم تستكمل تلك المشاريع، ما جعلها مابين الموت والحياة، تعاني سوء الخدمات يبكي اهلها ايامهم الماضية الذهبية عندما كانوا يعيشون اجواء اجتماعية بغدادية تتسم بالجيرة والالفة والمحبة والتضامن الاجتماعي وكأنهم عائلة واحدة.. كاتب هذه السطور كانت له ذكريات جميلة مع هذه المحلة، حيث كنا في الستينيات نسكن محلة فضوة عرب وعندما كنا نذهب الى مكتبة الخلاني نسلك ازقة ودرابين قهوة شكر لكي نصل جامع الخلاني حيث تقع المكتبة، وكذلك في ليالي شهر عاشوراء نذهب بعد آذان العشاء الى هذه المحلة لنسمع القصائد الحسينية التي كانت تلقى في موكب عزاء قهوة شكر. واليوم توارت تلك الايام ومعها توارت سجايا الناس الطيبة وبقيت اطلال وبقايا الدور القديمة المتهالكة من محلة قهوة شكر العريقة تحن للماضي وتبكي واقعها الحالي .
جمع واعداد: خالد عوسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق