رستم حيدر.. من قتله؟ الانكليز أم الألمان أم الساسة العراقيون ؟
في حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 17 كانون الثاني العام 1940 دخل على رستم حيدر في مكتبه في وزارة المالية المدعو حسين فوزي توفيق، وأطلق الرصاص على الوزير الذي نقل الى المستشفى، وبعد اربعة ايام فارق رستم حيدر الحياة... أما الجاني (حسين فوزي) فقد كان مفوضا في الشرطة، وفي 3 تموز العام 1935 استغني عن خدماته لسلوكه الشائن، وعدم قيامه بواجباته، ثم استخدم في الأشغال العسكرية بأجور يومية وبعد مدة طرد للأسباب نفسها وقد راجع دوائر السجون والري لغرض تعيينه كمستخدم، لكن رفض تعيينه بعد الاطلاع على اضبارته الشخصية.. وعند تفتيش الجاني بعد القاء القبض عليه وجدت في جيبه وصية مؤرخة قبل اسبوع من الحادث اي في 10 / 1 / 1940 جاء فيها "ان داعيا وطنيا دعاني بهذه التجربة ما دمت قد صممت على الانتحار، وهي أن أنقذ أمتي وبلادي من شرور احد الخونة على الاقل، وانه ليس هناك من حرضني على هذا الواجب والله اشهد..)، وقدم الجاني إلى حاكم التحقيق جميل الاورفلي الذي اجرى معه التحقيق بحضور المدعي العام معروف جياووك ومدير شرطة بغداد وجيه يونس واعترف الجاني اعترافا صريحا بأنه هو الذي أطلق الرصاص على الوزير رستم حيدر لعدم حصوله على وظيفة. لقد كان الوزير يعده بوظيفة دون جدوى، فلما يئس من الحصول على وظيفة أقدم على قتله دون ان يحرضه احد او يعاونه او يشترك معه، وقد سجل حاكم التحقيق الإفادة وأغلق المحضر..
( نوري السعيد على الخط ) .
لكن المثير والذي احدث لغطا واتهامات أخرى ذات طابع سياسي إذ أن رئيس الوزراء نوري السعيد وابنة صباح، وسكرتير وزير الدفاع احمد المناصفي، ومعاون الشرطة عبد الرزاق العسكري، واشخاص آخرين حضروا، فعرفه حاكم التحقيق بملخص التحقيق لكن رئيس الوزراء طلب من الاورفلي مواجهة المتهم واختلى به وخرج السعيد، ويقول الاورفلي: ثبت كل ذلك واتصلت فورا بوزير العدلية محمود صبحي الدفتري وشرحت له كل المواقف وملابساتها، فقال له الوزير اكتم ما جرى وسيقوم الوزير غدا باعادة الدعوى الى القضاء وسيستقيل إذا لم يتم ذلك، وهو ما جرى، أما الجاني فقد طلب في منتصف الليل قرطاسا وقلما وسجل اعترافات جديدة قال فيها ان الذين حرضوه على ارتكاب الجريمة، هم: (نجيب الراوي، وابراهيم كمال، وصبيح نجيب، وعارف قفطان، وشفيق نوري السعيدي، وحسن فهمي، وغيرهم وجميعهم من خصوم نوري السعيد، واعيد التحقيق ثانية وجرى توقيف جميع الاشخاص الذين وردت أسماؤهم في الاعتراف الجديد)، من جانب اخر توفي رستم حيدر بعد أربعة أيام من الحادث جعلت الرغبة في التوصل إلى الممرضين على هذه الجريمة أكثر إلحاحا فقد اصر ثلاثة من الوزراء على وجوب حصر التحقيق بالقاتل وحدة وهددوا بالاستقالة وقابل عددا من رؤساء الوزراء السابقين عبد الإله ـ الوصي على العرش ـ واحتجوا على اجراءات الشركة في توقيف الأشخاص الذين ادعى حسين فوزي أنهم حرضوه على جريمته. وأصبح نوري السعيد بين أمرين: إما أن يؤيد وزراءه الثلاثة في طلبهم، فيقضي على أسطورة (الإجرام السياسي) التي طالما رددها، او ان يقبل استقالة هؤلاء الوزراء فيفسح المجال لدعايات خصومه السياسيين وأخيرا قدم استقالته ورشح السعيد لرئاسة الوزارة رشيد عالي الكيلاني فلما اعتذر عن تأليفها في تلك الظروف عهد الوصي الى نوري السعيد بتأليف الوزارة مرة اخرى، فشكلها السعيد مستبعدا محمود صبحي الدفتري عنها. المهم انتهت المسألة بان جرت محاكمة المتهمين كما لو كانت معروضة أمام محكمة اعتيادية وأضيف إلى المحكمة عضو من حكام محكمة التمييز المعروفين بضميرهم القانوني وهو عبد العزيز المطير حيث بدأت المحاكمة في 3 آذار العام 1940 وبعد جلسات عديدة نشرت الصحف العراقية تفاصيلها أصدرت المحكمة قرارها في 20/ آذار / 1940 ببراءة إبراهيم كمال وصبيح نجيب وصالح الجعفري وعارف قفطان من تهمة الاشتراك في جريمة القتل والتحريض عليها، وكان حاكم التحقيق قد قرر قبل ذلك اطلاق سراح المحامين نجيب الراوي وشفيق نوري السعيدي، ومدير الشرطة العام السابق حسن فهمي المدفعي غير ان المحكمة مع ذلك حكمت على صبيح نجيب بالسجن لمدة سنة واحدة بتهمة اخرى وهي التفوه (في الوليمة التي أقامها حمدي الباجه جي في داره بكلام من شانه إثارة شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق). وكان وزير الشؤون الاجتماعية ـ صالح جبر ـ قد قدم استقالته من منصبه بعد بدء المحاكمات بأسبوع واحد تقريبا، متهما الوزارة بأنها لم تتخذ تدابير ناجحة لمكافحة الإجرام السياسي الذي نوه رئيس الوزراء بضرورة مكافحته واستئصال جراثيمه وكان صالح جبر من أعوان رستم حيدر، ومن السياسيين الشبان الذين أسندهم رستم حيدر وقدمهم. وذكر المؤرخ عبد الرزاق الحسني: انه فهم من صالح جبر نفسه انه كان يعتقد أن رستم حيدر ذهب ضحية مؤامرة دبرها خصوم نوري السعيد لإضعاف وزارته أو ان الألمان هم الذين دبروا الجريمة. ويذكر نجدة فتحي صفوة إن بعض أصدقاء رستم حيدر وغيرهم، أعربوا له عن اعتقادهم بان الألمان كانوا وراء الجريمة. اما القاتل (حسين فوزي توفيق) فقد أصدرت المحكمة حكمها عليه بالإعدام لثبوت ارتكابه الجريمة باعترافه وتم تنفيذ حكم الإعدام فيه فجر يوم الأربعاء 27 آذار العام 1940..وقيل ان حراس السجن الذين حضروا عملية تنفيذ الإعدام سمعوا حسين فوزي توفيق يصيح جهارا، وهو في طريقه إلى المشنقة: (ورطني، ورطني) ويقصد نوري السعيد هو من ورطه وقال بعضهم انه كان يقول: (اين وعدك يا نوري السعيد)؟ فيما ذكر طه الهاشمي الذي كان وزيرا للدفاع، انذاك، "اخبرني العقيد سعيد يحيى، الذي حضر تنفيذ حكم الإعدام، ان القاتل قال له انه لم يبلغ بحكم الإعدام الا قبل الشنق، وهتف بحياة هتلر"، وقال: (ليسقط نوري السعيد الذي علمه الانحراف).. وهكذا انتهت مأساة رستم حيدر من دون نهاية أكيدة مثل نهاية ملكه فيصل الأول بدون نهاية أكيدة !
مقالة من تأليف: ( هادي حسن عليوي ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق