السبت، 26 أكتوبر 2013

المقبرة الملكية



صورة للمقبرة الملكية في الأعظمية على بطاقة بريدية في الخمسينات من القرن الماضي . جامعة (آل البيت) في الأعظمية ... الحلم الذي لم يكتمل .
تعد جامعة آل البيت التي أسست في عهد الملك فيصل الأول رحمه الله، أول جامعة عراقية في العصر الحديث، ولا يعرف بالضبط من أشار بهذه الفكرة إلى الملك، وقد يكون أمين الجامعة الأستاذ فهمي المدرس عندما كان يتولى رئاسة آمناء البلاط الملكي، وقد صدر القرار بإنشاء الجامعة ونصه: " ان مجلس الوزراء بناء على ما شاهده من احتياج المملكة إلى جامعة تدرس فيها العلوم والفنون الحديثة قرر في 19 كانون الثاني سنة 1922م ، لزوم إنشاء جامعة آل البيت"، ثم تشكلت اللجان اللازمة لتنفيذه.
اختيار الموقع :- وقع الاختيار على بستان الطلومبة "المقبرة الملكية" في الاعظمية وهي أرض تابعة للأوقاف لطيب الهواء واتساع المساحة والبعد عن الضجيج والضوضاء.
و(الطلومبة) نسبة إلى أول ماكنه نصبها داود باشا والي بغداد في هذه المنطقة لتسقي بستانه، وسمي البستان باسم الطلومبة أي الماكنة. وفي يوم 9 شعبان 1340هـ - 8 نيسان 1922م - حيث كانت الحكومة تتخذ من هذا اليوم من كل عام عطلة - رسمية وعيداً وطنياً لمناسبة إعلان ثورة الشريف الحسين بن علي - حضر الملك فيصل الأول وأعيان ووجهاء البلد وتم وضع الحجر الأساس لبناء الشعبة الدينية، وهي البناية المجاورة للمقبرة الملكية في الأعظمية، وتولت الأوقاف تكاليف البناء الذي استمر مدة سنتين، وقد وضع تصاميم البناية كل من الرائد ويلسون والرائد ميسن، وكان مخططاً أن تضم جامعة آل البيت ست شعب وهي: شعبة العلوم الدينية، وشعبة الفنون، شعبة الطب، شعبة الحقوق، شعبة التعليم والتربية، وشعبة الهندسة، إضافة إلى مكتبة ومتحف ومطبعة ومساكن للمدرسين والطلاب إلى جانب ربطها بخط "الترامواي" بين الاعظمية وبغداد، مع بناء الصرح المركزي أو ما يعرف الآن بمقر رئاسة الجامعة. وشرع ببناء هذه الجامعات التي تتضمن مواصفات الجامعات الحديثة في ذلك الوقت على مراحل فأنجزت اولاً الشعبة الدينية، ثم الصرح المركزي، وهو المقبرة الملكية الآن التي تضم قبور الاسرة المالكة، وللأسف لم ينجز من العمل سوى ذلك.
يوم الافتتاح :- كان يوماً مشهوداً، ذلك الذي شهد افتتاح الشعبة الدينية الرئيسة للجامعة في 9 شعبان 1342هـ - 3/5/ 1924م حيث حضر الملك فيصل الاول ومعه رجال واعيان الدولة وجمع غفير من الناس لافتتاح الشعبة التي تعد اللبنة الاولى في بنيان الجامعة، وقد افتتحها الملك بمفتاح من ذهب، كما أنه تم وضع حجر الأساس للصرح المركزي فوضع الملك بيده أسطوانة فيها صورته وخارطة الجامعة ونسخا من صحف العاصمة الصادرة في ذلك اليوم، ودق الملك فيصل الأول بفأس من فضة على الحجر الأساس في الصرح المركزي، وكانت الصحف البغدادية قد اطلقت على ذلك اليوم اسم (يوم الجامعة وعيد الأمة) وهذه ليست أول مرة يحتفي أهل بغداد بالعلم، فقد افتتح الملك فيصل الأول مكتبة الأوقاف العامة في 11 صفر 1347هـ - 27 تموز 1928م في الطابق العلوي لمسجد الملا محمد الجبوري، وكان باب المكتبة مقفلاً بقفل من ذهب وأعد له مفتاح من ذهب، هكذا يكرم العلم في بغداد، فالعلم أغنى من الذهب.
وأثناء وضع الحجر الأساس للصرح المركزي في جامعة آل البيت قال الملك:"كل عمل لا يشاد على أساس متين كهذا الاساس لا تقوم له قائمة، وها انا اضع حجر الاساس في اول جامعة تشاد في هذا البلد واتأمل أن تقدرها الأمة العزيزة حق قدرها، وتعنى بتأسيس الجامعات الكثيرة أمثالها وأرقى منها لتستعيد مجدها التاريخي وغارب عزها القديم وتتسنم مكانة رفيعة في عالم العلم والادب والفن". وقد عين الاستاذ فهمي المدرس الشخصية البغدادية المعروفة امينا للجامعة، وكان يهدف الملك فيصل من انشاء هذه الجامعة إلى التقريب بين المذاهب الاسلامية في العراق، وهذا يدل على حرصه ورجاحة عقله، فاين العمل السياسي الحصيف لنخبنا السياسية اليوم؟. وكان الملك فيصل الأول يولي الجامعة عناية كبيرة ويتابعها مرحلة مرحلة وكثيراً ما كان يتردد عليها أثناء البناء.
وبعد 4 سنوات من افتتاح الشعبة الدينية توقفت الدراسة فيها، لكن الشبعة اضطلعت بمهمات أخرى فأصدرت "مجلة الجامعة" وهي مختصة بمحاضرات الأساتذة ومقالاتهم.
وفي يوم 26 ذي القعدة 1348هـ - 24 نيسان 1930م قرر مجلس الوزراء"سد الشعبة الدينية من جامعة آل البيت بصورة مؤقتة، والاستعاضة عنها في الحال الحاضر ببعثة تؤلف من نحو 18 طالباً من طلبة العلوم الدينية يوفدون إلى معاهد مصر"، ولم يرسل في هذه البعثة سوى أربعة طلاب فقط. قيل إن سبب غلق جامعة آل البيت يعود إلى الضائقة المالية التي كانت تعانيها الحكومة، في حين أن أمين الجامعة الاستاذ فهمي المدرس قد نشر مقالة في إحدى الصحف أشار فيها إلى أن السبب الحقيقي يكمن في أن الاستاذ ساطع الحصري، كان يريد أن يكون هو أميناً للجامعة، لذلك اختلق المعوقات في وجه الجامعة مستغلاً منصبه في وزارة المعارف.
ضم الأعظمية إلى بغداد :- إلى عهد قريب ليس بعيدا كانت الاعظمية تعد منطقة خارج حدود العاصمة (بغداد) وإنما هي ناحية تابعة إلى بغداد ووراء ضم الأعظمية إلى بغداد قصة سياسية طريفة وهي أن الحكومة العراقية كانت برئاسة نور السعيد تريد أن توقع على معاهدة 30 حزيران 1930 م مع القوات البريطانية وكانت الحكومة العراقية حريصة كل الحرص على توقيع هذه الاتفاقية وتعمل على ذلك بكل الوسائل الممكنة لحمل العراق على قبول هذه المعاهدة وهذا القبول يقتضي موافقة المجلس النيابي لذلك عمدت إلى نقل المجلس النيابي من بنايته القديمة في جانب الكرخ من بغداد إلى بناية جامعة آل البيت وهي قرب المقبرة الملكية في الاعظمية وتشغلها اليوم (الجامعة العراقية) لاتقاء شغب المعارضين ومخافة التظاهرات الجماهيرية التي قد تجتاح بغداد ولما كانت الاعظمية خارج حدود العاصمة بغداد، وان (القانون الاساسي العراقي) ينص على أن يعقد المجلس النيابي جلساته في عاصمة العراق (بغداد) فقد عدلت حدود العاصمة من قبل وزارة الداخلية، حيث جعلت الاعظمية من ضمن بغداد. ولما حل اليوم المقرر لافتتاح دورته الانتخابية الثالثة في 1 تشرين الثاني 1930 م لبست العاصمة حلل الزينة وأجريت المراسيم وسار الملك فيصل إلى بناية المجلس (جامعة آل البيت) فألقى خطابه ثم تم التصويت على المعاهدة وكان أعضاء المجلس النيابي (88) نائباً فأيد المعاهدة (69) نائباً ورفض المعاهدة (13) نائباً وقد مررت الاتفاقية كما خطط ودبر لها نوري السعيد وهذا من دهائه وذكائه. ثم بعد ذلك تحولت البناية إلى دار المعلمين الابتدائية، وتخرج فيها فحول العلماء منهم الدكتور إبراهيم السامرائي، والدكتور حسين أمين مؤرخ العراق الكبير والدكتور خليل حماش الذي اشترك في ترجمة فلم الرسالة بالنسخة الانكليزية رحمهم الله جميعاً، واليوم تشغل الجامعة العراقية مقر الشعبة الدينية من جامعة آل البيت في الأعظمية، وكم كنت أتمنى أن يكون اسم الجامعة العراقية "جامعة آل البيت" لنحيي به حلم الآباء والأجداد. وهناك اليوم اهتمام بالبناية فقد كتب الدكتور خالد السلطاني حولها بحثين في مجلة المورد و نشر كتاب بعنوان (عمارة ومعماريون) تكلم فيه عن البناية بشكل رائع ، ثم الدكتور سيار جميل في كتابه "جامعة آل البيت في بغداد 1924 - 1930" وطبع في بغداد. أما الصرح المركزي الذي كان مقرراً أن يكون المقر الجامعي، فتحول إلى مقبرة تضم جثامين ملوك العراق، فدفن فيه الملك فيصل الأول رحمه الله وبقية العائلة المالكة ودفن معه حلمه بإنجاز هذه الجامعة .

مقالة من تأليف: د. هيثم عبد السلام محمد .

جمع واعداد: خالد عوسي

ليست هناك تعليقات:

أحدث مقال

[بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟

  [بعد ثلاثة عقود على وفاته] ماذا عن عوسي الضاحك أبدا ؟ الصورة : عوسي الأعظمي على إحدى الصحف الإنگليزية ، منتصف الأربعينات . المقال : جاسم م...