صورة رائعة تجسد زيارة الملك غازي الى جامع الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان عام ١٩٣٥م ، وتظهر سيارة الملك وسط الصورة .
في الخمسينيات بدأت اقارن بين كرادة مريم وبين الاعظمية . في كرادة مريم كنا نرى السافرات من المسيحيات واليهوديات. أما الاعظمية فكانت سافرة وكنا نرى المجتمع المختلط، فيما الكرادة اقرب الى المجتمع الفلاحي. وانت تشاهد درجة التطور الاجتماعي تستغرب كيف لمدينة مثل مدينة الاعظمية تقوم على اساس ديني او هي مركز ديني تقوم بمهمة التطوير الحضاري وتصبح المدينة العصرية الاولى في العراق. ليس هناك مدينة اجمل من الاعظمية ولم تظهر مدينة في العراق اجمل من الاعظمية في الخمسينيات والى السنوات الاخيرة التي عبثت بها يد السلطة بالشكل الذي عبثت فيه ببقية مدن العراق وضربت معمارها وتقاليدها الاجتماعية. والاعظمية لمن لم يعرف تاريخها لم تكن سوى قرية مهجورة حتى الثلاثينيات. وتأسيسها كما هو معروف يرتبط كما ترتبط مدن اخرى بالأضرحة، فتحولت من ضريح الى مدينة، النجف ضريح تحول الى مدينة وكربلاء والكاظمية كذلك. الاعظمية كانت تسمى مقبرة الخيزران وهي مقبرة عامة الناس في العصر العباسي ، وابو جعفر المنصور بسبب ارستقراطيته قرر بعد ان بنى بغداد ان يؤسس مقبرة خاصة لابناء قريش يدفن فيها العلوي والعباسي والاموي اذا كان موجودا ، اي قريش فقط ، واختيرت منطقة غربي بغداد وغربي دجلة وسميت مدافن قريش. والعجيب انه توفي جعفر ابنه ودفن فيها. بعد وقت توفي الامام موسى ابن جعفر وهو من سادة قريش ودفن فيها ثم دفن فيها حفيده الامام محمد الجواد وسميت بالكاظمية . ولما توفي الامام ابو حنيفة سنة 150 للهجرة ، وهي السنة التي توفي فيها ابو جعفر المنصور، لم يدفن فيها لانه لم يكن قريشيا و دفن في مقابر الخيزران بينما دفن الامام الكاظم في مقابر قريش، ومقابر الخيزران سميت بهذا الاسم لانه يظهر انه على ساحل دجلة كان يظهر فيها خيزران. ابو حنيفة عاش مع عامة الناس ومات بين الناس وفي مقبرة الناس. وهذا الرجل مظلوم شأنه شأن الشيخ عبد القادر الكيلاني. انا درست ابو حنيفة دراسة عميقة وعندي فصل مستقل في كتابي الذي لا اعتقد أنه سيرى النور الا بعد موتي، اسمه (الفتوح الضيائية). ابو حنيفة كان سند الثورات العلوية والثورات الزيدية. وهو على ما هو عليه من العلم كان يعيش من دكان لبيع القماش وكان عنده صندوق خاص للتبرع للثورات الزيدية التي يقوم بها ابناء زيد. وكان الامام الصادق قد نهج نهجا سلميا ، فأئمة الشيعة رفضوا الكفاح المسلح او الحل الثوري وبدأوا بمسألة الارشاد والتثقيف والتعليم وبناء المذهب والحفاظ على البقية الباقية من اهل البيت بينما ظلت الزيدية تعتمد على الكفاح المسلح. و ابو حنيفة كان الفقيه الثوري الذي يساند الحركات المسلحة ضد الدولة العباسية وكان يعتبر الدولة العباسية غصيبة ولم يوافق ان يشغل منصبا مهما كان حتى منصب قاضي القضاة الذي كلفه به ابو جعفر المنصور، وجلد الرجل ثم توفي بعد جلده فمات شهيدا . جاء احد اشقاء شخص قتل في ثورة من ثورات الزيدية ليعاتب ابو حنيفة . فقال ان الفتوى التي اصدرتها في المعركة الفلانية مع فلان هي السبب في قتل اخي، فأجاب ابو حنيفة ان قتل اخيك حيث قتل يساوي قتله في بدر، وهذه الثورة إنما هي ثورة محمدية ضد الجاهلية. هذه الكلمات لم تصدر من إمام آخر حتى من أئمة العلويين لكنها صدرت من ابو حنيفة . والى جانب ذلك كان جانب التسامح في شخصية ابو حنيفة، هل كان تسامح ابو حنيفة هو السبب في خلق مدينة مثل الاعظمية متسامحة ومتفاهمة مع العصر ومع الحداثة؟ طبيعي الأمور تغيرت الآن للأسف عما كانت عليه . للكاتب ( حسن العلوي ) .
صورة قديمة لجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان تعود الى عام ١٩٥٥م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق