4 مايو 1980، اليوم الذي بكت فيه كل يوغوسلافيا
أحيا أنصار الرئيس اليوغوسلافي الراحل "جوزيف بروز تيتو" (1892 - 1980) منذ سنوات الذكرى الـ 30 لرحيل زعيمهم، الذي بكتْ عليه كل يوغوسلافيا في 4 مايو 1980، وحضر جنازته 209 وفود دولية، تمثِّل 127 دولة عبر العالم، والذي وُلد في كرواتيا، وعاش في صربيا، ومات في سلوفينيا، ومن هناك بدأ انهيار يوغوسلافيا سنة 1991، وقد تجمَّع بضعة آلاف في المقبرة التي ضمت رفاته في بلجراد وفاءً لنهجه، وهي تظاهرة يقوم بها أنصاره من الكهول والشيوخ في 4 مايو من كل عام.
النبأ الصاعقة :-
في يوم 4 مايو من العام 1980 تم إيقاف مباراة هايدوك الكرواتي، والنجمة الحمراء الصربية، وهو ما أضحى رمزًا فيما بعد للقطيعة بين جمهوريات يوغسلافيا السابقة، وكان النبأ الذي نزل على الكثيرين في يوغوسلافيا كالصاعقة (مات العزيز تيتو)، وكان ذلك كافيًا ليجهش الملايين بالبكاء، فقد أصبحوا أيتامًا، سرعان ما نشب بينهم الخلاف حول التركة، ومن يتصرف فيها، وكيف يُتصرف فيها، لقد ساسهم تيتو بشكل جيد، لكنه لم يعلِّمهم كيف يختلفون. لم تمضِ 10 سنوات على وفاة جوزيف بروز تيتو حتى ظهرت النعرات القومية، وأصبح كل شعب يعمل على تكوين دولته العظمى ولا سيما صربيا وكرواتيا، استقلت سلوفينيا في سنة 1991، ثم لحقتها بقية الدول كرواتيا ومقدونيا، ثم البوسنة سنة 1992 والجبل الأسود سنة 2006 وكوسوفو سنة 2008، تحوَّل الشيوعيون الأقحاح إلى قوميين شوفينيين، وحتى فاشيين، كما هو الحال في صربيا وكرواتيا، وتَمَّ استدعاء التاريخ القديم والحديث للتعبير عن الهوية الجديدة. واتخذ الصرب اسم التشتنيك، والكروات اسم الأستاشا، وحارب الصرب أثناء الحرب العالمية من أجل وطن يضمُّ كل الأراضي التي يعيش فوقها الصرب، سواء كانت البوسنة أو كرواتيا، أو الجبل الأسود وكوسوفو، وعمل الكروات على إقامة الدولة الكرواتية التي حصلوا عليها بالتحالف مع النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، فيما دعا علي عزت بيجوفيتش لنوع جديد من الاتحاد بين جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، بمنح الجمهوريات استقلالية أكبر وإبقاء الدفاع والخارجية والاقتصاد موحدين، لكن لا أحد كان يستمع لدعوات الوحدة، فما كان منه إلا أن أعلن، تبقى يوغوسلافيا كلها أو تستقل البوسنة كغيرها وهو ما كان بالفعل.
واليوم يتذكر الكثير من الطاعنين في السن زمن تيتو الجميل، يقول جواد كابتانوفيتش : "هذه ذكرى سيئة، لم نكن نشعر بما يحدث ولم نستطع استيعابه" وتابع: "توقعنا أن تستمر الحياة كما كانت في عهد تيتو، ولكن بدون تيتو ، ولكن التراجيديا هي التي حلت مكانه"، وأردف: "نحن ضحايا عدم التسامح، فالأفكار تخون أصحابها، كما يخون الناس أفكارهم لأن أشياء راسخة في النفس، ورواسب كثيفة أقوى، وبدت الشيوعية مسحة هشة من ماء كان على خرقة بالية في صحراء عطشى".
فلسطين والإسلام :-
وأظهرت وثائق الاستخبارات اليوغوسلافية السابقة، التي كشف عنها مؤخرًا، أن الرئيس اليوغوسلافي الأسبق جوزيف بروز تيتو أرسل متطوعين للقتال إلى جانب الفلسطينيين والعرب سنة 1948، وكان هدف تيتو وفق الوثائق السرية للاستخبارات اليوغوسلافية التي سمح للرأي العام بالاطلاع عليها، هو مساعدة حركات التحرر الوطني في العالم كله.
وقالت صحيفة فيتشرني ليست الكرواتية: "قام جوزيف بروز تيتو بمساعدة حركات التحرُّر في العالم عن طريق استخباراته بدون أن يتفطن لذلك أي طرف إقليمي أو دولي حتى الآن" وتابعت: "كان هناك خبراء ومتطوعون يوغوسلاف يعملون مع حركات التحرر في العالم" وأشار المصدر إلى أن "تيتو شجَّع على التطوع للقتال إلى جانب الفلسطينيين والعرب سنة 1948، أثناء الحرب مع إسرائيل" ومن بين الذين قاتلوا إلى جانب الفلسطينيين "150 فردًا من تنظيم الأستاشا الكرواتي والبارتزان التابع لتيتو، ممن كانوا في أحد المعتقلات الإيطالية، وتم إطلاق سراحهم في نهاية الحرب العالمية الثانية" و"قد قاتلوا جنبًا إلى جنب بضرواة مع الجيوش والمتطوعين العرب".
وكان مفتي بلغراد حمدي سباهيتش، قد فجَّر قضية لا يزال النقاش حولها متواصلًا، وهي تأكيده على أن جوزيف بروز تيتو مات مسلمًا، وأنه لقنه الشهادة وكيفية أداء الصلاة، وتعاليم الإسلام في آخر حياته، مؤكدًا على أن ذلك كان من أكبر أسرار جوزيف بروز تيتو التي مات ولم يَبُحْ بها.
لمحة سريعة :-
جوزيف بروز تيتو ابن لخادمة كرواتية من أحد "النبلاء" النمساويين، بحسب ما يقوله الناس، شارك في الحرب العالمية الأولى، إلى جانب النمساويين، وعمره 12 سنة، فأسره الروس ونقلوه إلى روسيا سنة 1915، ولكنه هرب من السجن وانضمَّ للثورة البلشفية التي قادها فلاديمير لينين سنة 1917.
وفي سنة 1920 عاد إلى يوغوسلافيا وكانت تسمى المملكة الصربية الكرواتية السلوفينية، رغم أنها كانت تضم البوسنة، ولكنها لم تذكر في ذلك التاريخ لا كجغرافيا ولا كديموغرافيا تضم في ذلك الحين نحو مليون مسلم، وفي نفس السنة انضم للحزب الشيوعي في المملكة، وأصبح سكرتير الحزب الشيوعي.
وفي الحرب العالمية الثانية كون تيتو تنظيم "البارتزان، الذي قاتل إلى جانب الحلفاء ضد المحور، فتمتْ مكافأته بحكم يوغوسلافيا، وعندما اشتد الصراع بين الغرب والاتحاد السوفيتي قام تيتو مع نهرو وجمال عبد الناصر بإنشاء منظمة عدم الانحياز التي كان لها صدى في العالم، قبل أن تضعف وتنطفئ شمعتها، وما يجري من محاولات لإحيائها هي مجرد نفخ في رمادها.
المصدر:
(سراييفو/ عبد الباقي خليفة... الاحد 25 جمادى الأولى 1431 الموافق 25 مايو 1431) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق