( شعوبي وحفلة العرس ) :-
الحديث عن ليالي دجلة والرحلات
النهرية واكلة السمك المسكوف الشهيرة . اكلة
السمك المسقوف من المناسبات اللذيذة لسكان بغداد ، ولا سيما
عندما كانت تجري ليلا بعد سفرة نهرية بالبلم. اعتدنا في ناحية الأعظمية
بصورة خاصة على الأستمتاع النزهة الليلية. لا بد لي طبعا ان اعتذر للقراء
الكرام عن ذكر كل ذلك و اهيج شجونهم و حنينهم لأيام اخذت تبدو الآن و كأنها
من ايام الف ليلة و ليلة. و لكن هكذا كانت الحياة عند اهل الاعظمية عموما.
ينطلقون شمالا الى ضواحي الصليخ و الكريعات ، يجدون شاطئا رمليا نظيفا ،
يفرشون عليه ، يوقدون النار و يبدأ شوي السمك.
كان من شخصيات تلك الأيام المرحوم شعيب ابراهيم ، المعروف محليا بشعوبي. كان متيما بحب نهر دجلة و ولائم المسقوف الى حد ان تعلم صناعة البلام وصنع واحدا له. و عندما سمع بزواج صديقه المعلم عبد الله الحموش ، اصر على ان يقيم له وليمة مسقوف في ليلة عرسه . فمن عاداتنا الأصيلة ان يقيم الأصدقاء وليمة ساهرة لمن يتزوج منهم في ليلة عرسه، ليلة الدخلة. يزفونه منها مشيعا بالغناء و الصفقة و المداعبات الكلامية و الجسمية بحيث يحتاج العريس لمن يحرس له قفاه. رتب شعوبي كل ذلك و اتفق مع داود السماج ان يأتيهم بسمجة شبوط ممتازة من صيده في تلك الليلة. انحدر القوم بالبلم و حطوا رحالهم على شاطيء جميل في جانب من بساتين الكاظمية، مقابل بيت حكمت سليمان في الصليخ. شغلوا الغرامفون ابو النصب وراحوا يستمعون الى قوانات ام كلثوم و محمد القبانجي و عبد الوهاب و نحوهم. مرت الساعات دون ان يظهر أي اثر لداود السماج. كانت ليلة من الليالي النحسة لصيد السمك. و يظهر ان الشبوط قد سمع بالحكاية و عقد العزم على ان يخرب الحفلة على شعوبي. ابى ان يبلع شص السماج. مرت الساعات و تأزم الوضع. و لكن الله رحيم بالمسلمين فاستبشر القوم اخيرا عندما رأوا بلم السماج داود يقترب منهم محملا بالسمكة المطلوبة. شمروا عن سواعدهم ، هذا يقص السمكة و ينظفها ، و ذاك يملحها و يرش الكاري عليها حتى اعدوها للشواء. و لكن ويا للأسف ! نسى شعوبي ان يأتي بالحطب. تطوع الدكتور عيسى ان يعبر بالبلم الى الكريعات و يشتري بعض الحطب من احدى الخبازات. وهو ما تم. و لكن احد مجاديف البلم الذي صنعه شعوبي انكسر فاضطر الدكتور ان يعود مشيا الى الصليخ ليعثر على بلم يسرق منه مجدافا. لم يعد الى موقع حفلة العرس الى بعد الساعة الثانية ليلا. و عندما اوقدت النار و شويت السمكة و طرحت امام العريس كان اذان الفجر قد دوى من منارة الأمام ابو حنيفة. اسرعوا عائدين الى بيت العرس ليجدوا معظم الضيوف قد انصرفوا و عادوا الى بيوتهم. و بادرت ام العروس للأتصال بالشرطة ليفتشوا عن العريس في النهر. ربما غرق و اخذته مياه دجلة. اما العروس المسكينة فقد طال انتظارها فنزعت ثوب العرس و استغرقت بالبكاء حتى استولى عليها النوم ، وهو ما تفعله أي امرأة بعد أن تبكي. إنهالت النسوة باللوم و التأنيب و الشتائم على العريس ، المعلم عبد الله الحموش وصاحبه الشقي السايب شعوبي ابراهيم و كل هذا المقلب الذي عملوه بالبنت في ليلة عرسها . اجابهم العريس ، معلم الأولاد ، وهو يترنح تحت تأثير العرق المستكي :
" وشنو يعني؟ تريدوني افوّت اكلة المسقوف على مود بنتكم؟" سيقول القاريء الكريم ما هذه بالبداية الطيبة لحياة زوجية رغيدة. و لكن لا تستعجل يا سيدي في احكامك و العجلة من الشيطان. فالمعلم عبد الله الحموش دخل بعروسته و عاش معها و انجبت له كومة اولاد و مات في احضانها و عندما شيعوا جنازته ، نتفت شعرها و شقت ثيابها و ظلت تبكي و تلطم على صدرها سبعة ايام بلياليها على فراقه. وهو ما لا يحظى به اكثرنا من بنات هذا الزمان. (بقلم خالد القشنطيني ) .
جمع واعداد: خالد عوسي الأعظمي
كان من شخصيات تلك الأيام المرحوم شعيب ابراهيم ، المعروف محليا بشعوبي. كان متيما بحب نهر دجلة و ولائم المسقوف الى حد ان تعلم صناعة البلام وصنع واحدا له. و عندما سمع بزواج صديقه المعلم عبد الله الحموش ، اصر على ان يقيم له وليمة مسقوف في ليلة عرسه . فمن عاداتنا الأصيلة ان يقيم الأصدقاء وليمة ساهرة لمن يتزوج منهم في ليلة عرسه، ليلة الدخلة. يزفونه منها مشيعا بالغناء و الصفقة و المداعبات الكلامية و الجسمية بحيث يحتاج العريس لمن يحرس له قفاه. رتب شعوبي كل ذلك و اتفق مع داود السماج ان يأتيهم بسمجة شبوط ممتازة من صيده في تلك الليلة. انحدر القوم بالبلم و حطوا رحالهم على شاطيء جميل في جانب من بساتين الكاظمية، مقابل بيت حكمت سليمان في الصليخ. شغلوا الغرامفون ابو النصب وراحوا يستمعون الى قوانات ام كلثوم و محمد القبانجي و عبد الوهاب و نحوهم. مرت الساعات دون ان يظهر أي اثر لداود السماج. كانت ليلة من الليالي النحسة لصيد السمك. و يظهر ان الشبوط قد سمع بالحكاية و عقد العزم على ان يخرب الحفلة على شعوبي. ابى ان يبلع شص السماج. مرت الساعات و تأزم الوضع. و لكن الله رحيم بالمسلمين فاستبشر القوم اخيرا عندما رأوا بلم السماج داود يقترب منهم محملا بالسمكة المطلوبة. شمروا عن سواعدهم ، هذا يقص السمكة و ينظفها ، و ذاك يملحها و يرش الكاري عليها حتى اعدوها للشواء. و لكن ويا للأسف ! نسى شعوبي ان يأتي بالحطب. تطوع الدكتور عيسى ان يعبر بالبلم الى الكريعات و يشتري بعض الحطب من احدى الخبازات. وهو ما تم. و لكن احد مجاديف البلم الذي صنعه شعوبي انكسر فاضطر الدكتور ان يعود مشيا الى الصليخ ليعثر على بلم يسرق منه مجدافا. لم يعد الى موقع حفلة العرس الى بعد الساعة الثانية ليلا. و عندما اوقدت النار و شويت السمكة و طرحت امام العريس كان اذان الفجر قد دوى من منارة الأمام ابو حنيفة. اسرعوا عائدين الى بيت العرس ليجدوا معظم الضيوف قد انصرفوا و عادوا الى بيوتهم. و بادرت ام العروس للأتصال بالشرطة ليفتشوا عن العريس في النهر. ربما غرق و اخذته مياه دجلة. اما العروس المسكينة فقد طال انتظارها فنزعت ثوب العرس و استغرقت بالبكاء حتى استولى عليها النوم ، وهو ما تفعله أي امرأة بعد أن تبكي. إنهالت النسوة باللوم و التأنيب و الشتائم على العريس ، المعلم عبد الله الحموش وصاحبه الشقي السايب شعوبي ابراهيم و كل هذا المقلب الذي عملوه بالبنت في ليلة عرسها . اجابهم العريس ، معلم الأولاد ، وهو يترنح تحت تأثير العرق المستكي :
" وشنو يعني؟ تريدوني افوّت اكلة المسقوف على مود بنتكم؟" سيقول القاريء الكريم ما هذه بالبداية الطيبة لحياة زوجية رغيدة. و لكن لا تستعجل يا سيدي في احكامك و العجلة من الشيطان. فالمعلم عبد الله الحموش دخل بعروسته و عاش معها و انجبت له كومة اولاد و مات في احضانها و عندما شيعوا جنازته ، نتفت شعرها و شقت ثيابها و ظلت تبكي و تلطم على صدرها سبعة ايام بلياليها على فراقه. وهو ما لا يحظى به اكثرنا من بنات هذا الزمان. (بقلم خالد القشنطيني ) .
جمع واعداد: خالد عوسي الأعظمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق