(الصورة) - بغداد عام 1932م .
بغداد الرشيد ما الذي بقى منها اليوم؟
عندما تُذكر عاصمة الخلافة العباسية، مدينة الحضارة والتاريخ والعمارة بغداد، تستحضر الذاكرة صور القصور، والجوامع، والاسوار، والدروب العتيقة، والمحلة المعبقة برائحة التاريخ، وقصص الف ليلة وليلة، لكن ملامح هذه المدينة تكاد تختفي، إذ لم يبق من ملامح بغداد تلك بشخصيتها المعمارية شيئ، بل حل محله ضجيج معماري وحضري وسلوكي لا يمثل يجمعه نسق، ولا تمثله هوية ولا ينضبط بمنهج.
محلات بأسماء العشائر والمدن
أستاذ التاريخ، الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، يتناول المحلة البغدادية، التي تمثل نمطا سكنيا، لنسيج اجتماعي وسلوكي، طبع سكان المحلة الواحدة. فالبعض منها تميز بانتساب عشائري أو ديني أعطاها الاسم، مثل محلة المهدية لعشائر المهدية والقيسية، ومحلة ابو شبل، وعقد النصارى، فضلا عن أخرى ارتبطت أسماؤها بمدن قاطنيها الذين وفدوا الى بغداد خلال عقود سبقت مثل: محلة اليتاويين، والسامرائيين، والكريمات، والتكارتة.
قصة "خبز باب الأغا" تعود لقرون
يلاحظ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف أن بعض المحلات البغدادية اقترنت بمهن قاطنيها، مثل صبابيغ الآل، موضحا ان المثل الشائع عن خبز باب الاغا "الحار والمكسب والرخيص"، يعود الى أكثر من 800 سنة، عندما كانت هذه المنطقة تسمى "درب الخبازين" وهي جزء من محلة سوق الثلاثاء البغدادي القديم. والأمر نفسه ينسحب على تسمية "شريعة المصبغة" التي كانت قبل ثمانية قرون تسمى شريعة الصباغين.
ويوضح الدكتور عماد عبد السلام رؤوف أنه بالرغم من اقتران العديد من محلات بغداد القديمة بطابع ساكنيها الاجتماعي، إلاّ ان ذلك لم يمنع التمازج الديني، والعشائري، في المحلة الواحدة، إذ لم يتجه البغداديون الى تكوين "جيوب" أو "غيتو" مغلق، بل عرف الكثير من تلك المحلات تنوعا دينيا وطائفيا وقوميا، ترك اثره على سلوك اهل المحلة، الذين كانوا يتبادلون الاحتفال بالأعياد والمناسبات المختلفة بسهولة وسلاسة، على عكس ما حصل خلال السنوات الأخيرة من توجه لغلق بعض المناطق على نمط وهوية اجتماعية او طائفية معينة, وإستحضر خلال الحوار مشهد دربونة واحدة من محلة الكريمات قطنت فيها أسر صابئية ومسيحية ويهودية، فضلا عن المسلمة.
ما الذي تبقى فعلا من آثار بغداد المنصور؟
شهد القرن الماضي الإجهاز القاسي على جل ملامح مدينة بغداد القديمة نتيجة توسعها، وإزاحة الكثير من المشاريع والابنية والشوارع الجديدة محلات ومناطق عريقة، فها هي الكاظمية القديمة تكاد تختفي من خلال تهديم اغلب المساحات المحيطة بالصحن الكاظمي. والحال نفسه مع مدينة الاعظمية.
واوضح الباحث الدكتور عماد عبد السلام رؤوف ان مركز بغداد شهد اختفاء محلة الطوب، التي كانت في موقع بنايات قرب الميدان، منها دار الكتب والوثائق، واختفى جزء مهم من محلة السنك القديمة، قرب شارع الرشيد، ليبنى محلها مرآب للسيارات، وازالت عمارات شارع حيفا نسيجا معماريا من ازقة ودرابين، ومئات من البيوت القديمة، وهكذا أجهز الشفل والمعول على اغلب محلات بغداد القديمة. بملامحها التراثية.
لنحمي الباب الوسطاني ونعيد باب الطلسم
وفي مسعى للإبقاء على آخر ما يتيسر من الملامح المعمارية، التي تشهد على بغداد القديمة يدعو الدكتور عماد عبد السلام رؤوف الى الحفاظ على "الباب الوسطاني" وهو آخر ما تبقى من سور بغداد القديمة، ويدعو الى اعادة بناء باب الطلسم، وهو شقيق الباب الوسطاني، الذي كشفت بقاياه وأسسه أثناء أعمال تشييد مشروع المرور السريع: محمد القاسم خلال ثمانينات القرن العشرين. ويؤكد أن بالامكان اعادة تشييده اليوم وفق الطراز المعماري الرائع الذي عرف به، بالاستفادة من الصور التوثيقية للباب. (نبيل الحيدري)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق